عاد ملف عشرية الرئيس الموريتاني السابق (نسبة لسنواته العشر في الحكم)، محمد ولد عبد العزيز، إلى الواجهة منذ يومين.
ووجه قاضي تحقيق في نواكشوط الخميس إلى ولد عبد العزيز ونحو عشر شخصيات أخرى بارزة تهم فساد، وأمر بوضعهم تحت المراقبة القضائية، بحسب ما أفاد به مصدر عدلي ومحام للرئيس السابق، لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال المصدر العدلي طالباً عدم نشر اسمه إن قاضي التحقيق أخذ بتوصيات المدعي العام أحمدو ولد عبد الله، الذي طلب منه توجيه تهم فساد إلى ولد عبد العزيز ووضعه تحت مراقبة قضائية "مشددة"، واتخاذ الإجراءات نفسها بحق نحو عشر شخصيات بارزة أخرى من بينها أحد أصهار الرئيس السابق ورئيسان سابقان للحكومة وعدد من الوزراء السابقين ورجال الأعمال.
كذلك، طلبت النيابة حفظ الدعوى بحق مجموعة من المتهمين، وهو ما يعني بالمصطلح القانوني تبرئتهم من المتابعة.
ووفقاً لمصدر مطلع على الملف، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن لائحة الاتهام بحق الرئيس الموريتاني السابق طويلة، وتتضمن تبييض أموال واختلاساً، وعرقلة العدالة.
الجماهير التي حافظت على البقاء في محيط قصر العدالة في نواكشوط منذ الثلاثاء الماضي، منقسمة بين مؤيد لمحاكمة "عشرية" ولد عبد العزيز ورافض لها.
يقول الاقتصادي عبد الله ولد الشيخ، وهو أحد المتحمسين لما يسميه محاكمة "عشرية الفساد": "إن قرار النيابة لا يناسب حجم جرائم الفساد التي اقترفها هؤلاء بحق الشعب الموريتاني"، بحسب تعبيره، في حين أشار إلى أن "النظام الحالي لا يحقد على أي أحد، ولا يسعى لتصفية حساب مع النظام السابق".
أما مريم منت بوها التي تطلق على نفسها لقب مناصرة ولد عبد العزيز فتقول إن "الملف مجرد فبركة، والقضاء الموريتاني لم يجد حجة تدين محمد ولد عبد العزيز وعشريته المشرقة. وعلى القضاء أن يطلق سراحه هو وبقية المتهمين".
مسار الملف
ويعود ملف الفساد إلى الأشهر الأولى من حكم الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي أعلن عن عزمه على مراجعة السياسة التيسيرية لفترة حكم صديقه السابق ولد عبد العزيز.
ومن العوامل التي هيأت لهذا التوجه السياسي غير المسبوق في تاريخ موريتانيا وجود رأي عام شدد على ضرورة محاربة الفساد، ومراجعة صفقات وملفات مالية كبيرة تمت في عهد ولد عبد العزيز.
لجنة برلمانية لمحاسبة ولد عبد العزيز
استطاع معارضو ولد عبد العزيز إنشاء لجنة برلمانية تضم مجموعة من المنتمين للأغلبية الحاكمة الداعمة للرئيس الحالي ومعارضين سابقين لفترة حكم ولد عبد العزيز. وهكذا، تم التحالف بين الطرفين فكان إنشاء اللجنة البرلمانية المكلفة التحقيق في ملفات الفساد، وفقاً للجنة، في تلك الحقبة.
وقد قامت اللجنة البرلمانية المذكورة بالاستماع لشهادات العشرات من الشخصيات الوطنية من وزراء ومديرين ومستشارين ورجال أعمال، كما تمكنت من الاطلاع على آلاف الوثائق التي تشمل الصفقات والمراسلات والقرارات المهمة المرتبطة بتسيير المال العام خلال السنوات العشر التي قضاها ولد عبد العزيز في الحكم، ثم صادقت على إحالة الملف للقضاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الرئيس يمثل أمام القضاء
في نهاية السنة الماضية تمت إحالة الرئيس السابق والعديد من معاونيه إلى وكيل الجمهورية لعرض لائحة الاتهام الموجهة إليهم والاستماع لردودهم غير أن ولد عبد العزيز رفض التجاوب مع القضاء بحجة أنه لا يمكن اتهامه في أمور غير المتعلقة بالخيانة العظمى، وقد اتخذ القضاء في هذه الفترة جملة من الإجراءات في حقه تمثلت في مصادرة وحجز ممتلكاته وممتلكات بعض معاونيه السابقين، كما فرضت عليه الإقامة الجبرية في نواكشوط.
وبعد عدة شهور من غياب ملف العشرية عن الواجهة عاد بقوة ليصبح العنوان السياسي الأول في البلاد، حيث تم استدعاء ولد عبد العزيز ومجموعة كبيرة من رموز نظامه السابق يوم الثلاثاء الماضي أمام قطب التحقيق في الجرائم الاقتصادية والمالية بنيابة نواكشوط الغربية لتستمع للمشمولين في الملف.
ومن بين المشمولين في الملف الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، ووزيراه الأولان السابقان يحيى ولد حدمين، ومحمد سالم ولد البشير، و11 وزيراً سابقاً، وعدد من المديرين العامين لمؤسسات عمومية، وفي قطاعات حكومية، إضافة لرجال أعمال.
ويرى مناصرو النظام الحالي أن الموضوع يندرج ضمن ما يسمونه المشروع الإصلاحي للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي لا يمكن أن ينجح إلا من خلال سياسة شفافة. وفي هذا السياق يقولون إن السنوات العشر التي حكم فيها ولد عبد العزيز موريتانيا شهدت تلاعباً كبيراً وخطيراً بمقدرات البلاد؛ كما شهدت سرقة ممنهجة لميزانيات الدولة وتدمير بنيتها الاقتصادية من خلال صفقات الفساد، وهي عوامل أدت، بحسب تعبيرهم، إلى استحواذ الرئيس السابق وقلة من المقربين منه على النصيب الأكبر من مداخيل البلد، بينما يقول مناصرو نظام محمد ولد عبد العزيز إن الأمر لا يعدو كونه تصفية حسابات يريد منها النظام الحالي التغطية على فشله وعجزه عن مواصلة المشروع الإصلاحي الذي بدأه الرئيس السابق وقطع في سبيل تحقيقه أشواطاً كبيرة.
وفي سابقة غير معهودة في موريتانيا لم تتحامل وسائل الإعلام الرسمية على المتهمين كما لم يعرض بهم الرئيس ولم يذكرهم الناطق باسم الحكومة إلا من خلال تعليق متوازن بين فيه أن الملف لدى القضاء، وأن المتهم بريء ما لم تثبت إدانته.
وعلى كل حال، فإن هذا الملف سيكون اختباراً حقيقياً لشفافية وقوة نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ومدى صدق نيته في محاربة الفساد، وهي أمور تتطلب عدم وجود أي استثناء، كما تتطلب منظومة قضائية تتسم بالصرامة والاستقلال.
وتولى ولد عبد العزيز (64 عاماً) الرئاسة في 2008 لولايتين قبل أن يخلفه في أغسطس (آب) 2019 محمد ولد الشيخ الغزواني، مساعده السابق ووزير الدفاع السابق.