يقول تقرير جديد صادر عن منظمة العفو الدولية، "أمنستي"، أن عاملات المنازل المهاجرات تتعرض في لبنان لانتهاكات "مخزية" لحقوق الإنسان بسبب القوانين التي تؤطر عملهن، وفقا لتقرير جديد.
وخلص تحقيق أجرته "أمنستي" على مدى شهر إلى أن نظام الكفالة للمهاجرات الذي "ينطوي على إساءة المعاملة بطبيعته" هو السبب في سوء معاملة عاملات المنازل في البلد.
وكشفت الشهادات التي تم جمعها من أكثر من 30 عاملة منزلية يعشن في لبنان وجود "أنماط كبيرة ومتسقة من إساءة المعاملة" بما في ذلك الاتجار بالبشر، والامتناع عن صرف الرواتب، والإيذاء البدني واللفظي، وفرض قيود على حرية التنقل والحرمان من الطعام.
ويربط نظام الكفالة، الشائع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، الإقامة القانونية للعمال المهاجرين بأرباب العمل، ما يمنحهم "سيطرة كاملة" على حياة العمال. ووصف ناشطون نظام الكفالة بنظام العبودية الحديثة.
وقالت هبة مرايف، مديرة المكتب الإقليمي لبرنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، "إن من المثير للغضب أن تتجاهل الحكومات اللبنانية المتعاقبة مجموعة الانتهاكات التي تتعرض لها عاملات المنازل المهاجرات في أماكن عملهن.
وفي ظل نظام الكفالة تحوَّلت تلك المنازل الخاصة في العديد من الحالات إلى أكثر من سجون للعاملات اللائي تجري معاملتهن بازدراء صادم أو بقسوة بالغة".
يعيش في لبنان حوالي 250 ألف عامل منزلي مهاجر، قدم معظمهم من إثيوبيا والفيلبين وبنغلاديش وسريلانكا. ويتحدر أغلبهم من بيئات فقيرة ويعملون في منازل خاصة لإرسال الأموال لعائلاتهم في أوطانهم، وفي غالب الأحيان لا يدركون الظروف التي قد يواجهونها في لبنان قبل التوجه إليه.
وفرضت كل من إثيوبيا ونيبال والفيليبين حظراً على عمل مواطنيها في لبنان بسبب ارتفاع مستوى سوء المعاملة. لكن كثيرين يجدون طريقة للالتفاف على الحظر، وما زالت أعداد كبيرة تتوافد للبحث عن عمل هنا.
في 2017، كشف تقرير لمجلة "نيو هيومانيتاريان،" نقلاً عن شخصيات رسمية في الحكومة اللبنانية، أن معدل الوفيات في صفوف عاملات المنازل المهاجرات في لبنان بلغ حالتيْ وفاة أسبوعياً. وتشير الأرقام إلى وفيات طبيعية وإلى شيوع حالات الانتحار والوفيات الناجمة عن محاولات الفرار الفاشلة، وغالباً ما تقفز العاملات في هذه المحاولات من شرفات الشقق.
وأجرتْ منظمة العفو الدولية في تحقيقها مقابلات مع 32 من عاملات المنازل المهاجرات، إلى جانب مسؤولين ديبلوماسيين وأصحاب عمل ومكاتب استقدام العاملات.
وقالت "إيفا"، وهي عاملة منزل فيلبينية عمرها 38 عاماً، لمنظمة العفو الدولية إنها كانت معزولة في منزل صاحب العمل لمدة ثلاث سنوات قبل أن تتمكن من الفرار "لم يُسمح لي بالتحدث مع أي شخص. إذا فتحت النافذة ولوّحت إلى فلبينيات أخريات، كانت صاحبة العمل تسحب شعري وتضربني.
حبستني في المنزل لمدة ثلاث سنوات ولم أخرج أبداً".
وواجهت "ماري"، وهي أثيوبية عمرها 33 عاماً، حالة مشابهة من العزلة مع صاحبة عمل مسيئة لمدة سنة كاملة: "عاملوني كحمارة واحتجزوني في المنزل ... لم ُيسمح لي بالتحدث مع الجيران أو استخدام الهاتف. كما لم ُيسمح لي بالاتصال بعائلتي لمدة سنة.
وتشير الدراسات إلى أن احتجاز العاملات في المنازل من قبل أصحاب العمل أمر شائع في لبنان. وأظهرت دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية في 2016 أن 22.5 في المئة من مجموع أصحاب العمل الذين شملهم المسح احتجزوا العاملات داخل المنازل دائماً أو أحياناً.
وأشارت منظمة العمل الدولية إلى أن النسبة الحقيقية قد تكون أعلى بكثير بسبب الوصم الاجتماعي المرتبط بالاعتراف بالممارسة. كما وجدت الدراسة أن 18 في المائة من أصحاب العمل يعتقدون أن لهم الحق قانونا في القيام بذلك.
ووجد تقرير أمنيستي أن عزلة عاملات المنازل واعتمادهن على صاحب العمل يعرضهن لخطر العنف البدني والجنسي. وقالت ست نساء من بين 32 امرأة من عاملات المنازل المهاجرات اللائي قابلتهن منظمة العفو الدولية، إنهن تعرضن لإساءة المعاملة الجسدية، من قبيل الصفع أو الضرب أو الخنق أو شد الشعر ورطم الرأس بالجدار.
ولفت التقرير إلى أنه "تأكيداً على عدم توازن القوى بين أصحاب العمل وعاملات المنازل المهاجرات، قالت كثيرات منهن إنهن تعرضن بوجه خاص لمثل هذه الإساءة عندما حاولن تحدي أصحاب العمل"، بحسب التقرير.
وعلى الرغم من ارتفاع مستويات سوء المعاملة، تخشى كثير من عاملات المنازل المهاجرات الذهاب إلى الشرطة، لأن نظام الكفالة يربط الوضع القانوني للعامل بصاحب العمل، وبالتالي فإن مجرد الهروب من صاحب العمل المسيء يمكن أن يعرضهن لخطر الاعتقال.
وأجرت منظمة العفو الدولية مقابلة مع ثماني نساء "هربن مما وصفنهن ببيئات عمل تعسفية أو العمل القسري أو الاتجار" لكن لم يرفعن دعاوى قانونية بسبب خطورة ذلك على وضع إقامتهن.
تمكنت إيفا من الفرار من صاحب عملها بعد ثلاث سنوات من سوء المعاملة عندما نسي إقفال باب المنزل، لكنها تعيش بلا وثائق منذ هروبها. "منذ 2014 وأنا أقيم بدون وثائق وأعمل بصورة غير قانونية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وإذا أردت العودة إلى الوطن فيجب أن أدفع غرامات التأخير، ولكنني لا أملك المال اللازم لذلك. لا أشعر بالأمان في الخروج لأنني لا أملك أية وثائق، وأخشى أن تقتادني الشرطة إلى السجن".
وقال ممثل لأحد مكاتب استقدام عاملات المنازل لمنظمة العفو الدولية إنه من غير المرجح أن يجد ضحايا الإساءة العدالة في النظام القانوني اللبناني.
"لا يمكنك تحقيق العدالة لعاملات المنازل المهاجرات في قضايا العنف في لبنان. ونحن جميعا نعلم أن الجناة لا يعاقبون على ما يقترفونه. ويعلم الأشخاص الذين يرتكبون مثل هذه الأفعال أنهم يتمتعون بالسلطة وأن القانون لا يمسهم".
وفي ردها على التقرير، قالت وزارة العمل اللبنانية إنها أعدت مشروع قانون جديد يتعلق بحماية عاملات المنازل المهاجرات، وأنها بصدد إنشاء فريق عمل لتقديم توصيات لإصلاح نظام الكفالة.
وقالت أمنيستي إن وزير العمل اللبناني، كميل أبو سليمان "رد رداً إيجابياً" على التقرير، ودعت منظمة العفو الدولية الحكومة اللبنانية إلى "إنهاء نظام الكفالة وتوسيع نطاق حماية العمال لعملات المنازل المهاجرات".
© The Independent