أشار باحثون في المملكة المتحدة يدرسون وجود صلة محتملة بين النظام الغذائي و(مرض) الخرف dementia، إلى أن تناول اللحوم المصنّعة قد يرتبط بتفاقم خطر الإصابة بهذا الداء.
في المقابل، نبّه أولئك العلماء وزملاء لهم إلى أن نتائج الدراسة تشير إلى وجوب إجراء مزيد من البحوث، وأنه لا يمكن الجزم بوجود صلة بين اللحوم المصنّعة من جهة، ومرض الخرف الذي يعبّر عن شكل من التدهور في وظائف الدماغ من جهة أخرى.
وقد نظر الباحثون في "جامعة ليدز" University of Leeds في بيانات خاصة بـ500 ألف شخص، علماً أنها تعقد مقارنة بين مقدار ونوع استهلاكهم من اللحوم المصنعة، وإمكانية تطويرهم الخرف.
في أوقات سابقة، رُبط استهلاك اللحوم بخطر الإصابة بالخرف، ولكن يعتقد أن هذه الدراسة هي الأولى من نوعها التي تشمل عدداً كبيراً من المشاركين الذين تابعتهم طوال فترة من الزمن، بغية النظر في وجود صلة محتملة بين أنواع وكميات محدّدة من اللحوم وخطر الإصابة بمرض الخرف.
في ذلك المسار، أوضح البروفيسور كيفين ماكونواي، وهو أستاذ فخري في الإحصاءات التطبيقية في "الجامعة المفتوحة" Open University في المملكة المتحدة، أن أي ادعاء بأن تناول اللحوم المصنّعة يمكن أن يسبّب زيادة خطر الإصابة بالخرف "من شأنه أن يذهب أبعد من التفسير المعقول بشأن استنتاجات الباحثين".
وأضاف أن "مشكلة الدراسة تكمن في أنها مستندة إلى الملاحظة، إذ لم يحمل الباحثون المشاركين على تناول كميات مختلفة من اللحوم المصنّعة، لكنهم ببساطة، سجّلوا الأطعمة التي ذكر هؤلاء أنهم تناولوها، وتابعوهم فترة من الزمن، وعند تشخيص إصابة أي منهم بالخرف دوّن الباحثون ذلك، وبحثوا في إمكانية وجود ارتباط بين تشخيص إصابة أي من المشاركين بالخرف من جهة، وكمية اللحوم التي ذكروا أنهم قد استهلكوها". ووفق ماكونواي، "نتائج الدراسة مثيرة للاهتمام، بيد أنها بالتأكيد لا تثبت أي شيء".
وقد نُشرت النتائج التي أصدرتها "مجموعة علم الأوبئة الغذائية" في "جامعة ليدز"، في "المجلة الأميركية للتغذية السريرية" American Journal of Clinical Nutrition.
وفي هذا الشأن، شرحت البروفيسورة جانيت كيد التي أشرفت على الدراسة، أن "أي شيء يمكننا فعله في سبيل استكشاف عوامل الخطر المحتملة التي تؤدي إلى الخرف، ربما يساعدنا في خفض معدلات الإصابة بهذه الحالة الصحية الموهنة".
وترى البروفيسورة كيد أن هذا التحليل "يرسم الخطوة الأولى نحو معرفة إذا كان طعامنا يؤدي دوراً مؤثراً في ظهور هذا الخطر".
واستطراداً، بغية تقصي أي علاقة تربط بين استهلاك أنواع مختلفة من اللحوم وخطر الإصابة بالخرف، درس فريق البحاثة بيانات قدّمها "البنك الحيوي في المملكة المتحدة" UK Biobank الذي يمثّل قاعدة بيانات تضمّ معلومات جينية وصحية متعمّقة تعود إلى 493 ألفاً و888 مشاركاً بريطانياً تتراوح أعمارهم بين 40 و69 سنة.
وبالنتيجة، تضمّنت البيانات التي جمعها "البنك الحيوي" بين 2006 و2010، واعتمدتها الدراسة، عدد المرات التي استهلك فيها المشاركون أنواعاً مختلفة من اللحوم، مع وجود ستة خيارات، بدءاً بعدم استهلاك اللحوم أبداً وصولاً إلى تناولها مرة واحدة أو أكثر يومياً.
وفي ملمح بارز، لم تقيّم الدراسة على وجه التحديد التأثير الذي يتركه اتّباع نظام غذائي نباتي على خطر الإصابة بالخرف، لكنها تضمنت بيانات من أشخاص ذكروا أنهم لم يأكلوا اللحوم الحمراء.
من بين المشاركين، أُصيب ألفان و896 شخصا بالخرف على مدى ثماني سنوات من المتابعة في المتوسط، مع تسجيل نسبة أعلى من الحالات بين صفوف الأشخاص الأكبر سناً والأشدّ حرماناً على الصعيد الاقتصادي والأدنى تعليماً والأكثر إقبالاً على التدخين والأقل مزاولة للأنشطة البدنية والأكثر احتمالاً لأن يكون لديهم تاريخ عائلي من الإصابات بالسكتة الدماغية والخرف، إضافة إلى كونهم أكثر ميلاً إلى حمل أحد الجينات الشديدة الارتباط بالخرف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى نحو مماثل، فمن بين الأشخاص الذين تناولوا كميات أكبر من اللحوم المصنّعة، رجّحت كفة الرجال، والأشخاص الأقل تعليماً والمدخنين وأصحاب الوزن الزائد أو المصابين بالسمنة المفرطة.
في هذا الصدد، ذكر البروفيسور ماكونواي أنه "بحسب باحثي الدراسة، فإن الأشخاص الذين تناولوا كمية أكثر من اللحوم المصنّعة كانوا أكثر ميلاً (مثلاً) إلى أن يكونوا مدخنين وأقل تعليماً ومن أصحاب الوزن الزائد، ويتناولوا كمية قليلة من الفواكه والخضراوات". وقد أُشير إلى تلك العناصر كعوامل خطر للإصابة بالخرف في بحوث سابقة.
بناء عليه، وفق ماكونواي، "إذا تبيّن أن الأشخاص الذين يتناولون كميات كبيرة من اللحوم المصنّعة أكثر عرضة للإصابة بالخرف، فقد يُعزى ذلك إلى تلك الاختلافات الأخرى في عوامل الخطر، وليس إلى استهلاكهم لحوماً مصنّعة [بحدّ ذاته]".
وعلى مسار متصل، أشار الباحثون إلى أن استهلاك شريحة رفيعة واحدة من اللحم المقدّد تزن 25 غراماً ارتبط بزيادة خطر الإصابة بداء الخرف بـ44 في المئة.
في المقابل، أورد البروفيسور ماكونواي أنه "يبدو من المبالغة جداً القول إن استهلاك 25 غراماً من اللحوم المصنّعة يومياً، أي حوالى شريحة رفيعة من اللحم المقدّد يومياً، يرفع خطر الإصابة بالخرف بنسبة 44 في المئة. ولكن، كيف جرى تحديد ما هو خطر الإصابة بالخرف في سياق هذه الدراسة؟ نعم. لقد تابع العلماء زهاء 500 ألف شخص، ولكن أقل من ثلاثة آلاف منهم أُصيبوا فعلاً بالخرف خلال فترة الدراسة. بعبارة أخرى، جرى تشخيص ستة من بين كل ألف شخص بالخرف"، وفق ماكونواي.
واستفاض البروفيسور في شرحه، "تصوَّر مجموعة من ألف شخص على غرار المشاركين في الدراسة. إذا تابعناهم طوال ثماني سنوات، وهو متوسط وقت المتابعة في الدراسة، سيُشخّص ستة منهم بالخرف. والآن، تصوّر أن تناول اللحوم المصنّعة عامل يفاقم خطر الإصابة بالخرف بالمقدار الوارد في الدراسة، وتخيّل الآن أن جميع الأشخاص البالغ عددهم ألف شخص تناولوا 25 غراماً إضافياً من اللحم المقدّد يومياً لمدة ثماني سنوات".
في هذه الحال، وفق ماكونواي، "سيرتفع عدد المصابين بالخرف من ستة إلى ثمانية أشخاص. في الواقع، ثمة بعض من الشكّ الإحصائي بشأن هذا الرقم، بمعنى أنه قد يتراوح بين 7 و10 مصابين بالخرف. لذا، فإن كل تلك الكمية الإضافية المستهلكة من اللحم المقدّد ستزيد عدد حالات الخرف، في مجموعتنا المكوّنة من ألف شخص، بنسبة تتراوح بين حالة وأربع حالات. إنها زيادة، بيد أنها صغيرة جداً من وجهة نظري".
وفي نتائج أخرى ضمن الدراسة، وجد الباحثون أيضاً أن عدد الرجال الذين شُخّصت إصابتهم بالخرف أكثر من عدد النساء في المجموعة التي شملها البحث. وكذلك أشارت النتائج إلى أن مخاطر تناول اللحوم المصنّعة لا تتغيّر سواء كان لدى الشخص استعداد وراثي للإصابة بالخرف، أو غير ذلك.
وفي نفس مماثل، رأت هويفنغ تشانغ، الباحثة الرئيسة في الدراسة وطالبة دكتوراه في "كلية علوم الأغذية والتغذية" في "جامعة ليدز"، أن النتائج تحتاج إلى مزيد من التأكيد.
ووفق رأيها، "في جميع أنحاء العالم، يتزايد انتشار الخرف، ويمكن للنظام الغذائي كعامل قابل للتعديل أن يؤدي دوراً في ذلك".
تذكيراً، ثمة 50 مليون حالة خرف حول العالم، مع تشخيص حوالى 10 ملايين حالة جديدة سنوياً. ويشكّل مرض "ألزهايمر" حوالى ثلثي الحالات، فيما يمثّل الخرف الوعائي ربعها.
(عُدِّلت هذه المقالة بهدف إضافة تعليقات البروفيسور كيفين ماكونواي، أستاذ فخري في الإحصاءات التطبيقية في "الجامعة المفتوحة" في المملكة المتحدة)
© The Independent