أدى اعتقال محلل سياسي، أخيراً، إلى إعادة إشعال جدل قديم في العراق بعد 18 سنة من سقوط نظام صدام حسين، في بعض قوانين عهده التي لا تزال تستخدم حتى الآن لإسكات الأصوات المنتقدة.
وأوقفت السلطات، مساء الخميس، في 18 مارس (آذار)، المحلل إبراهيم الصميدعي في منزله بعد ما أثار جدلاً بتعليقات سجلت ونشرت على مواقع التواصل الاجتماعي من دون علمه، ينتقد فيها المراجعة الأخيرة لقانون المحكمة العليا.
وأفرج عنه، مساء الأحد، بعد ما استمعت إليه محكمة في الكرخ في غرب بغداد، لكنه لا يزال ملاحقاً بتهم "التشهير" و"إهانة المؤسسات" ونشر "المعلومات الكاذبة".
وهذه التهم مدرجة في قانون العقوبات العائد لعام 1969 والذي صيغ بعد فترة وجيزة من انقلاب حزب البعث بزعامة صدام حسين واستيلائه على السلطة، وظل من دون تغيير في عام 2003 بعد إعادة كتابة دستور العراق بإشراف أميركيين بهدف تعزيز الحرية والديمقراطية في البلاد، كما قيل في حينه.
قوانين موروثة
ويؤكد مرصد الحريات الصحافية العراقي أن "مذكرات القبض بحق الصحافيين والناشطين وأصحاب الرأي في العراق ما زالت تصدر مستندة إلى مواد قانونية تعود لأكثر من خمسة عقود، وقد تؤدي الإدانة في بعضها إلى عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام".
وقال رئيسه زياد عجيلي، في بيان صحافي، "يجب وضع حد للقوانين الموروثة من الأنظمة الشمولية السابقة والتي تتعارض مع دستور العراق بعد عام 2003".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن الملاحقة القانونية على أساس تلك القوانين تثير قلق النشطاء، لكن التهديدات بحقهم لا تعد ولا تحصى أيضاً. فمنذ بداية انتفاضة شعبية غير مسبوقة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 ، قُتل أو خُطف عشرات النشطاء، بعضهم خُطف بضعة أيام والبعض الآخر ما زالوا مفقودين منذ أكثر من عام من دون أن تقوم الحكومة بشيء لردع مرتكبي هذه الأفعال.
وكتب عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة الذي يعتبر ممثلاً للتيار المعتدل في المعسكر الشيعي، في تغريدة على موقع "تويتر"، "تعرض أصحاب الرأي للاغتيال والاعتقال والخطف يعد تكميماً للأفواه"، مؤكداً ضرورة أن "يكون النقد ضمن السياقات والأطر القانونية لكي يحافظ الجميع على هذا الحق الضروري للحياة السياسية والاجتماعية"، في إشارة واضحة إلى الإجراءات ضد الصميدعي.
وذكرت محكمة الكرخ أن الصميدعي "اعتذر" عن تهمة "إهانة المؤسسات". ومع ذلك، وبموجب المادة 226 من قانون العقوبات، لا يزال يواجه عقوبة بالسجن تصل إلى سبع سنوات مثل أي شخص "أهان علانية البرلمان أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو أي مؤسسة دستورية".
محادثة خاصة
وفي سياق محادثة خاصة، انتقد الصميدعي تصرفات العديد من القادة السياسيين والقضاة، لا سيما في ما يتعلق بقانون المحكمة العليا، ورفع الشكوى في شأنها مجلس القضاء الأعلى.
أما الشكوى الثانية، فرفعتها وزارة الدفاع بموجب المادة 433 المتعلقة بالتشهير والتي تنص على "عقوبة السجن و/أو الغرامة"، وتعتبر "نشر التصريحات في الصحافة" على أنه "من الظروف المشددة". كذلك تقدم مجلس القضاء الأعلى بشكوى ثالثة ضده تتعلق بوقائع تندرج في سياق المادة 210 بشأن "المعلومات الكاذبة".
في فبراير (شباط) 2020، وبينما كانت البلاد في خضم انتفاضة شعبية وتسعى إلى تشكيل حكومة تحل محل حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي استقال من منصبه، كتب الصميدعي في تغريدة أن 30 مليون دولار عرضت من أجل حجز وزارة "لجهة معينة".
وأصدرت مجموعة من النخب السياسية والفكرية والثقافية والإعلامية بياناً طالبت بإطلاق سراح الصميدعي والكف عن استغلال المواد القانونية لتصفية حسابات سياسية.
وأضافت في البيان الذي وقعته أكثر من مئة شخصية "نذكر القضاء والحكومة معاً بأن زمن الديكتاتورية قد ولّى إلى غير رجعة وأن الشعب العراقي الكريم لا يمكن أن يقبل بأي شكل من أشكال التضييق على الحريات وحرية الرأي والتعبير".