أكد وزير الدفاع الإيطالي لورينزو جويريني عزم بلاده الانخراط بشكل أكبر في عملية "تاكوبا" في منطقة الساحل الأفريقي، ما يطرح تساؤلات حول دواعي التحرك الإيطالي الحالي، إذ يشكل الحفاظ على مصالح روما في ليبيا الهدف غير المعلن من توجهها العسكري في المنطقة.
مهمة "تاكويا"
وتهدف مهمة "تاكوبا" التي تشكلت العام الماضي بقيادة فرنسا، إلى تدريب القوات في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتتكون من قوات خاصة أوروبية. وكانت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي قد أعلنت أثناء الإعداد لتلك المهمة، أن "التغيير في الساحل أصبح واضحاً، إن عملية "برخان" بفضل قوة الدول الخمس المشتركة تحقق منذ فترة، نتائج عسكرية ونجاحات في مكافحة الإرهاب، إضافة إلى استعادة الجيوش المحلية في الدول المعنية السيطرة على مساحة كبيرة من الأراضي من أيدي الارهابيين". وأكدت أنه في سبيل مساعدة تلك الجيوش في تحقيق انتصارات أطلقت فرنسا مهمة "تاكوبا"، التي تتكون من وحدات من دول الساحل وأخرى أوروبية تعمل معاً للقتال.
وتتكون مهمة "تاكوبا" من نخبة من قوات عسكرية أوروبية، تضم 500 فرنسي، 40 من إستونيا، 60 من تشيكيا، 150 من السويد، و200 من إيطاليا، وتهدف إلى تجميع 2000 عسكري، وتزويدهم بسيارات رباعية الدفع ودراجات نارية، لمكافحة الجماعات المسلحة إلى جانب القوات المحلية.
انخراط قديم
ويعود التدخل العسكري الإيطالي في الساحل الأفريقي إلى عام 2013، مع بداية الوجود العسكري الأوروبي في المنطقة، بحجة مكافحة الهجرة السرية التي تتسرب إلى حدودها الجنوبية.
ويذكر الباحث المغربي المتخصص في قضايا الساحل الأفريقي، الواحد أولاد ملود، أن الوجود الإيطالي عسكرياً ليس وليد اليوم بقرار روما المشاركة في عملية "تاكوبا"، معتبراً أن هدف هذه الوحدة العسكرية في الظاهر الدعم العسكري لجيوش المجموعة الخماسية لدول الساحل، لا سيما مالي وبوركينا فاسو والنيجر، لكن هدف هذه الوحدة أعمق من ذلك، ويشير إلى أن إيطاليا موجودة عسكرياً، خصوصاً في النيجر، منذ عام 2013 بذريعة درء منظمات الهجرة السرية الآتية من جنوب الصحراء نحو جنوب المتوسط ثم إلى السواحل الإيطالية، ومن هنا تتمثل دوافع مشاركة إيطاليا في تقديم الدعم الأوروبي إلى فرنسا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح أولاد ملود أنه "لا يمكن إغفال أن ليبيا هي من المستعمرات الإيطالية في أفريقيا، ووجود إيطاليا في وحدة "تاكوبا" يعزز ضمنياً وجودها القريب من ليبيا، ونعلم طبعاً الدور الذي حاولت إيطاليا أن تلعبه في الصراع الليبي، وهي التي ترأس بالتوالي مع اليونان وحدة "إيريني"، التي تعمل على منع السلاح الآتي من وإلى ليبيا عبر المراقبة والرصد والتدخل".
الأهداف المعلنة
وتؤكد إيطاليا أن تدخلها في منطقة الساحل يهدف إلى تحقيق الاستقرار عبر العمل على إنهاء التطرف العنيف، وفي هذا الإطار، شددت نائبة وزير الخارجية الإيطالي، إيمانويلا ديل ري، في وقت سابق، على أن "تحقيق الاستقرار في منطقة الساحل الوسطى أولوية استراتيجية لإيطاليا، بالنظر لموقعها الجغرافي الذي يربط أفريقيا جنوب الصحراء بحوض البحر الأبيض المتوسط".
وأشارت إلى أنه "من الضروري أن تعالج دول الساحل، بمساعدتنا، الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار، من خلال تدخلات مستدامة وطويلة الأجل، وزيادة ثقة السكان المحليين في المؤسسات الوطنية بإنفاذ سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان وتعزيز المساواة في الحصول على الخدمات الأساسية"، مضيفة، "على مدى العقد الماضي، ازدادت نقاط الضعف الخطيرة في منطقة الساحل الوسطى في أعقاب تفاعل شرس بين الفقر والتطرف العنيف والصراع وتداعيات تغير المناخ، التي تفاقمت الآن بسبب وباء كورونا، ما أدى إلى تدهور الوضع الإنساني والأمن الغذائي في المنطقة".
الحاجة لدعم أوروبي
وبعد فشل فرنسا منذ عام 2013 في إنهاء الخطر الإرهابي في منطقة الساحل، ومع تزايد معارضة السكان المحللين لتدخلها العسكري، إضافة إلى تعرضها لخسائر مهمة على إثر هجمات الجماعات المسلحة، باتت باريس بذلك تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى دعم أوروبي.
ويخلص الباحث الواحد أولاد ملود إلى القول إن "القوات الفرنسية حصدت خسائر عسكرية في السنوات الأخيرة، وتعرّضت إلى معارضة شديدة اللهجة من نخب أفريقيا على الرغم مما تم التوصل إليه في قمة "أنجمينا"، ودعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى النهوض بالأوضاع الأمنية والتنموية بقصد تقزيم أزمات دول الساحل جنوب الصحراء"، معتبراً أن نجاح عملية محاربة الإرهاب من فشله يرتبط بالاتحاد الأوروبي بشكل عام، وربما هذا ما سعت إليه فرنسا، وفعلاً قد نجحت في الأمر.
ليبيا أولوية استراتيجية
من جهة أخرى، تعتبر إيطاليا مستعمرتها السابقة أولوية في سياستها الخارجية، بالتالي تمكنها المشاركة في مهمتي "تاكوبا" و"إيريني"، في المحافظة على مصالحها هناك، والتي تمرّ عبر المحافظة على استقرار ليبيا.
وكان الاتحاد الأوروبي أطلق، في مارس (آذار)، من العام الماضي، عملية "إيريني" التي تضطلع بمهام مراقبة تطبيق قرار الأمم المتحدة بحظر توريد السلاح إلى ليبيا، وتوثيق الانتهاكات ورفعها للجنة أممية.
وأوضح وزير الدفاع الإيطالي لورينزو جويريني أن بلاده تعتبر ليبيا أولوية استراتيجية، مؤكداً ضرورة دعم مؤسساتها مع احترام سيادتها الوطنية، وعلى أهمية التعاون العسكري، مع التركيز على التدريب وضمان الدعم لإزالة الألغام، مؤكداً في الوقت عينه أن تعزيز عملية "إيريني" الأوروبية من شأنه التقليل من التدخل الأجنبي في ليبيا، وموضحاً أنه "كلما زادت فاعلية "إيريني" قل التدخل الأجنبي الذي من شأنه زعزعة تقدم ليبيا، بالتالي ستكون الحكومة الجديدة قادرة على تحقيق استقلاليتها"، واعتبر جويريني أن الالتزام الإيطالي في ليبيا يمثّل جانباً من المشاركة في أفريقيا، في الوقت الذي يتزايد الاهتمام بمنطقة الساحل.
دعوة لمغادرة القوى الأجنبية
وفي وقت تسعى إيطاليا إلى تعزيز حفاظها على مصالحها في مستعمرتها القديمة، جدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مطالبته برحيل المرتزقة والقوات الأجنبية عن ليبيا، وأعرب في تقرير سلّمه إلى مجلس الأمن الدولي عن قلقه العميق من استمرار وجودها في سرت ومحيطها ووسط ليبيا، مجدداً طلبه من "كل الجهات الفاعلة الوطنية والإقليمية والدولية احترام أحكام اتفاق وقف إطلاق النار، من أجل ضمان تنفيذه بالكامل من دون تأخير، وهذا يشمل الامتثال الكامل وغير المشروط لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة".