تواصل الحكومة المصرية بالتنسيق مع عدد من دول العالم لليوم الرابع على التوالي محاولاتها لتعويم سفينة الحاويات العملاقة "إيفر غرين" لإعادة فتح قناة السويس أمام حركة التجارة الدولية، وسط تساؤلات وعلامات استفهام كبيرة تدور حول كيفية جنوح السفينة ودورانها بشكل غير مألوف عن حوادث سابقة ما أدى إلى انسداد المجرى الملاحي.
أعلن رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، في بيان صباح اليوم الجمعة، ارتفاع نسبة إنجاز أعمال التكريك إلى نحو 87 في المئة بواسطة الكراكة المصرية "مشهور" لإزالة الرمال المحيطة بمقدمة سفينة الحاويات البنمية بمعدلات تقترب من 17 ألف متر مكعب من الرمال. وأوضح أن الكراكة بدأت أمس العمل على بعد 100 متر من السفينة، قائلاً، اقتربنا اليوم حتى بعد 15 متراً، ومن عمق ابتدائي نصف متر وحتى عمق تكريك بلغ حالياً 15 متراً.
وأكد أن أعمال التكريك تتم بمراعاة أقصى معايير الأمان الملاحي بالحفاظ على مسافة آمنة تقدر عند أقرب نقطة مسموح بها للاقتراب بنحو 10 أمتار من السفينة، مشيراً إلى أننا لن نتمكن من التكريك بعد هذه المسافة، ولكننا سنستعيض عن ذلك بالانهيارات الترابية التي ستتم من تلقاء نفسها.
وفي تعليق مقتضب قال المتحدث الرسمي لقناة السويس جورج صفوت لـ"اندبندنت عربية"، إن الهيئة تستأنف تجارب الشد بواسطة كل من القاطرتين "بركة 1" و"عزت عادل" بعد انتهاء أعمال التكريك. موضحاً استهداف ما يتراوح بين 15 و20 ألف متر مكعب من الرمال.
مسار غريب
وكشفت صور نشرتها وكالة "نوفوستي" الروسية بالأقمار الصناعية، اليوم الجمعة، عن مسار غريب سلكته سفينة الحاويات "إيفر غرين" العالقة في قناة السويس قبل دخولها والجنوح. وقالت الوكالة، إنه وفقاً للصور اتبعت السفينة مساراً مثيراً للجدل في البحر الأحمر، وتُظهر أنها سلكت مساراً دائرياً وغير مفهوم قبل أن تدخل ممر القناة.
وأظهرت صور أخرى نشرتها "بلانيت لاب"، اليوم الجمعة، عشرات السفن المتوقفة لحين إتمام عمليات تعويمها، وإعلان إعادة فتح القناة بعد تعليق الحركة فيها مؤقتاً وفقاً لـ"سي أن أن".
وكانت هيئة قناة السويس، أعلنت في وقت سابق أن الحادث "يعود بشكل أساس إلى انعدام الرؤية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية نظراً لمرور البلاد بعاصفة ترابية، بلغت معها سرعة الرياح 40 عقدة، ما أدى إلى فقدان القدرة على توجيه السفينة ومن ثم جنوحها"، وكانت السفينة البنمية العالقة، التي يبلغ وزنها 224 ألف طن في طريقها إلى ميناء روتردام في هولندا عندما خرجت عن مسارها. وقالت الشركة المشغلة للسفينة في بيان إن طولها يبلغ 400 متر تقريباً عالقة عبر ممر تجاري حيوي عند الكيلو 151 في قناة السويس.
تفريغ الصندوق الأسود للسفينة
وقال المحقق البحري الربان السيد شعيشع، الذي يعمل ضمن فريق لجنة التحقيق التي شكلتها قناة السويس للحادث، إن السفينة "إيفر غرين" من أكبر الحاويات في العالم وكانت تبحر في اتجاه الشمال من البحر الأحمر صوب البحر المتوسط في ظل أجواء مناخية صعبة وعاصفة ترابية تسببت في انعدام الرؤية بشكل كبير. وأوضح أن دور المحقق في الوهلة الأولى قبل تفسير الموقف ولماذا جنحت السفينة بهذا الشكل في مسار غير مألوف، هو الاطلاع على تفريغ كافة المواد والكاميرات والصندوق الأسود داخل السفينة بأسرع وقت ممكن، الأمر الذي طالب به الحكومة المصرية.
وأكد أنه في الفترة الأخيرة تطورت التكنولوجيا العالمية البحرية وطالتها تقنيات الجيل الرابع، خصوصاً في الصناديق السوداء داخل السفن العملاقة الحديثة على غرار السفينة البنمية، مشيراً إلى أنه في المجمل يحتوي حالياً على ما لا يقل عن 15 معلومة عما دار داخل السفينة قبل وأثناء وبعد الحادث كما سيكشف الاتصالات والأوامر المتبادلة بين ربان السفينة وقناة السويس.
هل هناك عيوب فنية؟
وأشار المحقق البحري إلى أن الصندوق الأسود يوضح أيضاً إذا ما كانت هناك عيوب فنية في السفينة ذاتها أدت لجنوحها قبل أن تدخل قناة السويس، لافتاً إلى أنه لا يمكن أن تجنح السفينة بهذا الشكل دون أسباب سواء فنية أو أخطاء بشرية.
وأضاف أن الصندوق الأسود سيكشف أيضاً هل كان هناك عيوب فنية في إدارة وتوزيع الحاويات على جسم السفينة، مؤكداً أن اصطفاف وتوزيع الحاويات على السفينة يتم وفقاً لحسابات هندسية تتعلق بطولها وعرضها، ولا يتم توزيعها بشكل عشوائي، لافتاً إلى أن توزيع الحاويات والبضائع داخلها قد يتسبب في جنوحها عند تغير مسارها أو زيادة سرعتها.
وقال، إن التفسير المنطقي الأولي يفيد بأن قبطان السفينة حاول أثناء الملاحة داخل قناة السويس في تلك الأجواء المناخية الصعبة رفع درجة سرعة السفينة في ظل سرعة الرياح العالية، مشيراً أنه في تلك الحالات يسعى أي ربان سفينة إلى الحفاظ على تمركز السفينة لتكون في منتصف خط المجرى الملاحي للقناة في الأحوال الطبيعية، وأن الصورة العامة لجنوح السفينة بهذا الشكل الدائري غير المألوف في الحوادث البحرية خصوصاً في ظل ضخامة السفينة، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها لم تستجب لتوجيهات الربان في ظل زيادة سرعتها وانحرفت درجتين يميناً أو يساراً، فحاول أن يرفع السرعة بشكل أكبر فاستجابت السفينة، ولكن اصطدمت مقدمتها بهذه السرعة في قاع وجانب القناة فدارت حول نفسها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول تأثر المجرى الملاحي بمجرد جنوح سفينة قال، إن طولها وضخامتها مع زيادة السرعة لأكثر من اللازم في ظل سرعة الرياح تسبب في انغراس مقدمتها في القاع وجانب الممر بهذه السرعة، ما حركها دائرياً بهذا الشكل لتسد المجرى الملاحي وتمنع مرور السفن.
وتوقع نائب رئيس هيئة قناة السويس الأسبق اللواء عبد القادر درويش أن تستمر أزمة قناة السويس لأكثر من أسبوع، موضحاً، أن شكل السفينة الجانحة مع ضخامتها وطولها يشير إلى أن الأمر سيطول إلى أكثر من 7 أيام، لافتاً إلى أن أحد حلول تعويم السفينة هو التجريف أسفلها وتفريغ حمولتها من الحاويات، مع أن مصادر في مجال الشحن تقول إن إنزال الحمولة قد يكون عملية لوجيستية طويلة ومعقدة نظراً لحجم السفينة ووضعها.
تركيا وأميركا تعرضان المساعدة
وعرض عدد من دول العالم تقديم يد العون إلى الحكومة المصرية، حيث قال وزير النقل التركي عادل قرة إسماعيل أوغلو، صباح اليوم، إن أنقرة على استعداد لإرسال سفينتها "نانه خاتون" للمساعدة في حل توقف حركة الملاحة في قناة السويس. ضمن محاولات تبذلها في الآونة الأخيرة لإصلاح علاقاتها المتوترة مع مصر بعد سنوات من العداء.
وقال قرة إسماعيل أوغلو لقناة "أن تي في"، "لقد نقلنا عرضنا لمساعدة أشقائنا المصريين، وإذا وصلنا رد إيجابي منهم، فإن سفينتنا (نانه خاتون) واحدة من بين السفن القليلة في العالم التي يمكنها القيام بأعمال من هذا النوع". وأضاف أن أنقرة لم تتلق رداً بعد، لكنها على أهبة الاستعداد للتحرك وفقاً لمونت كارلو.
وقالت هيئة قناة السويس، اليوم الجمعة، إنها تتطلع للتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في جهود تعويم سفينة الحاويات الجانحة التي تعطل حركة الملاحة منذ ثلاثة أيام. وأشارت في بيان لها أنها "تثمن ما تقدمت به الولايات المتحدة الأميركية من عرض للمساهمة في تلك الجهود، والتطلع إلى التعاون معها في هذا الصدد تقديراً لهذه المبادرة الطيبة التي تؤكد علاقات الصداقة والتعاون التي تربط بين البلدين".