شرّعت عدة دول حول العالم استخدام القنب الهندي (الماريجوانا) والحشيش للاستخدامات الطبية أو الترفيهية، وكان آخرها لبنان والمغرب عربياً، وكندا والأورغواي غربياً. وكانت قد سبقتها دول كثيرة في هذا التشريع، منها هولندا وكثير من الولايات الأميركية، للاستخدامين ذاتهما، ولحقتها معظم الدول الأوروبية بهدف طبي.
أقل خطورة
أسهم وضع الأمم المتحدة هذا النوع من المخدرات على لائحة "الأقل خطورة" في إقرار هذه التشريعات، بعد أن كان ترويج الماريجوانا والحشيش واستخدامهما عملاً جرمياً يحاسب عليه القانون في معظم هذه الدول.
وفي 2020 صوتت لجنة المخدرات التابعة للأمم المتحدة لصالح رفع نبتتي الحشيش والقنب من فئة أكثر المخدرات خطورة، تماشياً مع توصية منظمة الصحة العالمية بإزالتهما من الجدول الرابع لاتفاقية 1961 في شأن المخدرات، حين كانا مدرجين مع مادة الهيروين وكثير من المواد الأفيونية الخطرة.
ووجدت المنظمة أن القنب "لا يحمل" مخاطر كبيرة تؤدي إلى الوفاة، وقد أظهر إمكانية علاج الألم وبعض الحالات المرضية مثل الصرع، وهذا ما يجعله بديلاً أفضل عن الأدوية المصنعة.
وبالطبع، فإن دولاً كثيرة شرّعت استخدام هذه النبتة لأسباب غير علاجية، بل بسبب العائدات الضريبية الكبيرة لهذا القطاع ودورها في خلق فرص عمل، وتركيز المزارعين في مناطقهم وتحسين معيشتهم، ومنع التهريب والتجارة غير الشرعية التي تشكل سوقاً سوداء موازية لا تستفيد منها خزانة الدولة بكل مباشر.
القنب بين الماريجوانا والحشيش
الماريجوانا اسم لنبتة القنب الهندي، لكن بعض الدول تصنف الماريجوانا على أنها نبتة القنب الكاملة أو أي جزء منها، بينما دول أخرى تشير إلى أنها جزء من نبات القنب الذي يحتوي على مستويات عالية من رباعي هيدروكانابينول (THC)، والبعض الآخر يعتبره سلالة مميزة من الحشيش.
نشأ اسم ماريجوانا في اللغة الإسبانية المكسيكية، لكن بعض اللغويين يرجعها إلى الأصل الصيني ma ren hua (زهرة بذور القنب). وربما من كلمة "أوريغانو"، فهي تسمى أيضاً في المكسيك باسم "الأوريغانو الصيني".
ودخلت الكلمة اللغة الإنجليزية في أواخر القرن التاسع عشر. وبحسب قاموس أكسفورد بدأ استخدام كلمة "الماريجوانا" في اللغة الإنجليزية الأميركية بشكل كبير في ثلاثينيات القرن الماضي، من قبل معارضي المخدرات الذين أرادوا وصمها باسم "يبدو أجنبياً"، ولربطها سلباً بالمجتمع اللاتيني.
وتشير كلمة "ماريجوانا" بالنسبة إلى الباحثين والمتخصصين إلى الأوراق المجففة والرؤوس المزهرة من نبتة القنب. وفي القوانين والتشريعات والمعاهدات حول العالم تستخدم عبارة "قنب"، عدا في بعض الولايات الأميركية التي تستخدم مصطلح "ماريجوانا"، لتكون أكثر وضوحاً ومباشرة بالنسبة إلى العامة.
أما نبتة الحشيش فتعرف باللغة اللاتينية باسم "Cannabis sativa"، وهي تعني الضوضاء التي تصيب متعاطيها بعد وصول المادة المخدرة إلى ذروة تأثيرها. ويرى بعض الباحثين أن كلمة حشيش مشتقة من الكلمة العبرية "شيش"، وهي تعني الفرح.
أهداف نبيلة
كانت الحكومة اللبنانية قد كلفت قبل سنوات المكتب الاستشاري الدولي "ماكنزي أند كومباني" إعداد خطة تحفيز اقتصادي، فجاء من ضمن التقرير اقتراح "إنشاء مناطق لزراعة الحشيش لأغراض صحية وفي إطار قانوني".
وجاء في الاستشارة أن هذه الزراعة قد تدر ما يزيد على 500 مليون دولار سنوياً على الخزانة اللبنانية. وبالطبع، فإن هذا المبلغ صغير مقارنة بالواقع، إذ إن تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن هذه الزراعة تدر ما يفوق مليار دولار على لبنان حتى قبل تشريعها قانونياً.
ويرى بعض المحققين اللبنانيين في هذه الزراعة أن شرعنتها من أجل الاستخدامات العلاجية "لن يعني" أنها ستقتصر على هذا الأمر، بل سيشمل تجارتها وترويجها نحو أوروبا كما كان الحال دائماً، وهذا ما سيدر على منطقة البقاع خصوصاً، ولبنان عموماً، أموالاً ضخمة غير منظورة حسابياً بالنسبة إلى جامعي الضرائب في الحكومة اللبنانية.
وعلى الرغم من أن زراعة الحشيش وتجارته كانتا تعدان عملاً يخالف القانون في لبنان، ويجرم كل المساهمين في مثل هذه الأعمال، فإن لبنان كان يصنف الدولة الرابعة عالمياً في إنتاج "حشيشة الكيف"، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
والحشيش اللبناني يصنف من بين الأفخر بسبب نوع التربة والمناخ، حيث يزرع في سهول منطقة البقاع الخصبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويفيد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، بأن لبنان كان خلال فترة الحرب الأهلية المصدر الرئيس للمخدرات في منطقة الشرق الأوسط، وكان ينتج سنوياً ألف طن من الحشيش وما بين 30 و50 طناً من الأفيون المكون الأساسي للهيروين.
ويعيد معظم الباحثين والمحققين الاجتماعيين سبب انتشار هذا النوع من الزراعة في لبنان إلى إهمال المناطق البعيدة عن العاصمة والأطراف، وتهميشها اقتصادياً بسبب المركزية الفولاذية في لبنان، والمتركزة في العاصمة بيروت، ومنها منطقة البقاع الشمالي.
ويبلغ عدد العاملين في زراعة الحشيش في منطقة البقاع نحو 60 في المئة من السكان، وتتوارث هذه الزراعة عبر الأجيال، كونها الأكثر ملاءمة للأرض والمناخ. فزراعة الحشيش كانت تدر في الثمانينيات على منطقة بعلبك - الهرمل ما يقارب المليار و500 مليون دولار سنوياً. تتوزع على شبكة ضخمة من المستفيدين، بدءاً من المزارع، وانتهاءً بالتجار الكبار والسياسيين والميليشيات الحامية وضباط الجيش السوري المنتشر في المنطقة حينها.
مع نهاية الحرب الأهلية في لبنان عام 1990، أطلقت الحكومة اللبنانية برنامج استئصال المخدرات بالتعاون مع برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، وبفضل الوعود التي قدمتها برامج المساندة الحكومية والدعم المالي العالمي، توقف الفلاحون عن زراعة الحشيشة.
وبحلول 1994 أعلن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة أن سهل البقاع خالٍ من المخدرات، وقدرت تكلفة عدم العودة إلى إنتاجها بـ300 مليون دولار أميركي، لكن المبلغ الذي جرى تسليمه للمزارعين حتى حلول عام 2001 لم يتخط الـ17 مليون دولار، لذا سرعان ما فشل البرنامج، وذلك بحسب تقرير لحسين حمود أستاذ كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية. فعادت زراعة الحشيش إلى سابق عهدها من كر وفر وتهريب وتجارة غير مشروعة ومحاكمات وسجون قبل أن يجري تشريع زراعتها في مجلس النواب اللبناني في أبريل (نيسان) 2020.
أما في المغرب فبعد طول نقاش في المجتمع المغربي ومداولات عديدة بين المشرعين والسياسيين المغاربة امتدت على عقود، أقر البرلمان والحكومة المغربيان مشروع قانون يسمح باستخدام الحشيش والقنب الهندي في الاستعمالات المشروعة، وعلى رأسها تحضير المواد الطبية والعلاجية وذلك في فبراير (شباط) 2021.
وكانت الحكومة المغربية قد أعلنت أن جائحة كورونا قد أدت إلى زيادة نسبة الفقر في المجتمع المعربي سبعة أضعاف، فكان هذا التشريع بمثابة الخشبة التي تنقذ الغريق.
وعدا عن أهداف الحكومة المغربية من تحسين حياة المزارعين وتثبيتهم في أرضهم ووقف نزيف النزوح نحو المدن المكتظة أساساً، هدف مشروع القانون أيضاً إلى إخضاع الأنشطة المتعلقة بزراعة وإنتاج وتصنيع ونقل وتسويق وتصدير واستيراد القنب الهندي ومنتجاته لنظام الترخيص، مع خلق وكالة وطنية يعهد لها التنسيق بين كل القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والشركاء الوطنيين والدوليين من أجل تشكيل سلسلة زراعية تعنى بالقنب الهندي، ولتحقيق الفائدة لصالح خزانة الدولة، وسحب البساط من تحت تجار السوق السوداء.
الدول المشرعة
سمحت بعض الدول بتسويق واستخدام "الماريجوانا" لدواعٍ طبية مثل ألمانيا وتركيا واليونان وأوكرانيا والأرجنتين. فمن المعروف أنه يخفف الألم، ويعمل كموسع للقصبات والأوعية.
أما في فرنسا، فلم يرخص استهلاك الحشيش أو الماريجوانا سوى في حالات خاصة ومعزولة، على الرغم أن النواب الفرنسيين يدرسون منذ 2015 مشروع قانون يشرع البيع بالتجزئة لمواد وأدوية مستخلصة من القنب الهندي في مواقع مرخص لها، مثل السجائر.
وقد قررت الأوروغواي وكندا في 2018 تشريع تجارة وتدخين الحشيش وبيعه تحت إدارة ومراقبة السلطات. بينما أبقت الولايات المتحدة الحظر على بيع واستهلاك القنب على المستوى الفيدرالي. إلا أن 29 ولاية أميركية رخصت استخدامه لدواعٍ طبية و8 ولايات شرعت تدخينه. ففي كاليفورنيا ونيفادا وآلاسكا وكولورادو يمكن شراء وتعاطي الحشيش بكل حرية، لكن في إطار الكميات المسموح بها.
الأثر الاقتصادي
حقق قطاع القنب الهندي والماريجوانا بعد تشريعه في عدد من الدول لأغراض طبية وترفيهية، كما في ولاية كاليفورنيا الأميركية، أرباحاً مالية كبيرة وعائدات ضريبية هائلة. ويرى كل المستثمرين أن هذه السوق ستنمو بشكل كبير خلال السنوات المقبلة، وها هي تجذب عشرات مليارات الدولارات حول العالم على شكل استثمارات في هذا القطاع.
ووفق دراسة لمكتب "آرك فيو ماركت ريسيرش"، بلغت مداخيل زراعة وتجارة هذه النبتة "القانونية" في الولايات المتحدة 6.9 مليار دولار في 2016، متقدمة 30 في المئة على مداخيل 2015، وقد تبلغ 21.6 مليار دولار بحلول 2021.
وأعلنت "كونستيلايشن براندس"، ثالث أكبر شركة أميركية مصنعة للنبيذ عزمها استثمار 4 مليارات دولار في هذا القطاع في صفقة مشتركة مع "كانوبي غروث"، الشركة الأولى لإنتاج القنب الهندي لأغراض علاجية وطبية في أميركا الشمالية.
وتضاعفت أرباح شركة "كانوبي غروث" الكندية بعد التشريع 660 في المئة في 2017. وهذه المؤسسة الكندية التي أسست في 2013 مدرجة في بورصة "وول ستريت" الأميركية، بحجم نحو 5.5 مليار دولار، وفي بورصة "تورنتو" بنحو 7.09 مليار دولار.