كشف بنك "راند ميرشانت آر أم بي"، أن العودة المرتقبة لمصر إلى مؤشر "جي بي مورغان" لسندات حكومات الأسواق الناشئة قد تجتذب تدفقات جديدة بقيمة 4.8 مليار دولار ويرفع الجنيه المصري بما يصل إلى 5 في المئة أمام الدولار. وتعمل مصر، التي استُبعدت من المؤشر في أعقاب انتفاضة 2011، منذ أكثر من عامين على إعادة إدراجها. وقال نيفيل مانديميكا الاقتصادي لدى "آر أم بي"، إن إعادة إدراج مصر متوقعة بحلول النصف الثاني من العام الحالي.
وقال "آر أم بي"، في مذكرة بحثية حديثة، إن أداء مصر كان جيداً في ما يتعلق بتحسين أساسيات الاقتصاد الكلي بعد أن انتهت من برنامج تمويل مع صندوق النقد الدولي في 2019 وحققت فوائض أولية مطردة في الموازنة مهدت الطريق لتقليص نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح أن القيمة الإسمية الإجمالية لسندات مصر المستحقة خلال أكثر من عامين ونصف تبلغ 28.2 مليار دولار، بما يستوفي معايير الانضمام للمؤشر. وسيعطي ذلك لمصر وزناً يبلغ اثنين في المئة على المؤشر، وسيحول بعضاً من أصول تحت الإدارة بنحو 240 مليار دولار. ولفت إلى أن العوائد تميل إلى الانخفاض 130 نقطة أساس في المتوسط قبل الإدراج.
احتياطي قوي لدى البنك المركزي المصري
في الوقت نفسه، هناك مجموعة من المؤشرات تدعم هذه التوقعات، حيث تمكنت مصر من الحفاظ على احتياطي النقد الأجنبي في ظل تراجع كبير في احتياطيات غالبية البنوك المركزية على مستوى العالم، بعد الاعتماد على خزائن البنوك المركزية والاحتياطيات في تمويل التوسع في الإنفاق العام وخطط التحفيز التي تم إطلاقها خلال الربع الأول من العام الماضي مع احتدام أزمة فيروس كورونا وتداعياته الخطيرة على جميع اقتصاديات العالم.
يقول خبير الاقتصاد الكلي الدكتور عماد كمال، إن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نفذته الحكومة المصرية منذ أول نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2016، أسهم في تعزيز القدرات المالية لمصر، ودعم خزينة البنك المركزي بمبالغ ضخمة وبخاصة من تحويلات المصريين العاملين في الخارج، التي ارتفعت بنسب كبيرة منذ تعويم الجنيه المصري مقابل الدولار وتحرير سوق الصرف بشكل كامل.
وتوقع في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أن تواصل الاحتياطيات لدى البنك المركزي المصري ارتفاعها في ظل توقعات بعودة نشاط السياحة، وأيضاً قيام البنك المركزي بتثبيت أسعار الفائدة، ما يجعل السوق المصرية أكثر جذباً للاستثمارات وتدفقات النقد الأجنبي خلال الفترة المقبلة، ما يعزز بالفعل من أداء العملة المصرية مقابل الدولار الأميركي.
وكان سعر صرف الدولار في السوق المصرية في حدود 8.88 جنيه قبل التعويم، وبمجرد صدور قرار تحرير سوق الصرف ووضع سعر استرشادي للدولار عند مستوى 13 جنيهاً، قفز سعر صرف الدولار إلى مستويات تقترب من 20 جنيهاً بمنتصف عام 2017. لكن السياسات التي اعتمدها البنك المركزي المصري خلال السنوات الماضية دفعت إلى تعزيز أداء العملة المصرية مقابل الدولار الذي لا يتجاوز سعره في الوقت الحالي مستوى 15.70 جنيه في غالبية البنوك المصرية.
حيازة الأجانب بأدوات الدين المصرية تنتعش
وفي مذكرة بحثية حديثة، قالت رضوى السويفي، رئيسة قطاع البحوث لدى "فاروس" القابضة، إنه "بينما تدعم أرقام التضخم خفض أسعار الفائدة بنحو 25-50 نقطة أساس، قد يدفع ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية، والمخاطر المتعلقة بخروج محافظ الاستثمار الأجنبية من الأسواق الناشئة، لجنة السياسة النقدية إلى إبقاء أسعار الفائدة من دون تغيير".
في الوقت نفسه، فقد انتعشت الحيازات الأجنبية في أدوات الدين المصرية وتخطت مستويات ما قبل جائحة "كوفيد-19"، إذ وصلت إلى 29 مليار دولار بحلول نهاية الشهر الماضي. فيما ظلت العائدات الحقيقية لأسعار الفائدة في السندات بالجنيه المصري -أو العائد المعدل للتضخم- من بين أكثر العائدات الحقيقية ارتفاعاً في العالم، وفقاً لما قالته السويفي لـ"إنتربرايز"، مضيفة أن مصر "محمية نسبياً" ضد ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأميركية.
وذكرت "بلومبيرغ"، أن المديرين الذين يتخلصون من ديون الأسواق الناشئة يتشبثون بمصر على ما يبدو. إذ يبيع صندوق "لوميس" للاستثمار في ديون الأسواق الناشئة، بأصول تبلغ 296.6 مليون دولار تحت إدارته، الأوراق المالية المحلية من روسيا وإندونيسيا. لكنه مع ذلك، احتفظ بحيازاته في أدوات الدين المصرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن حتى الآن، يبدو أن عائدات السندات الأميركية تتجه نحو الاستقرار، عقب أن كشف تقرير عن وزارة العمل الأميركية ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك بنسبة 0.4 في المئة خلال فبراير (شباط)، متماشياً مع التوقعات، وذلك بعد زيادة بنسبة 0.3 في المئة في يناير (كانون الثاني). واستقرت العائدات القياسية للسندات بنحو 1.5 في المئة بعد أن قفزت لأعلى مستوى لها خلال عام إلى أكثر من 1.6 في المئة خلال تعاملات الأسبوع الماضي.
تخفيف الإجراءات الاحترازية
أيضاً، توقعت "أتش سي" للأوراق المالية، المزيد من الاستقرار للجنيه المصري مقابل الدولار خلال الفترة المقبلة. وذكرت أنه منذ منتصف العام الماضي قامت الحكومة المصرية بتخفيف الإجراءات الاحترازية الخاصة بـ"كوفيد-19"، كما سلطت الضوء على عدم استعدادها لفرض أي حظر تجول أو إغلاق خلال موجة الوباء الثانية.
وأشارت إلى أنه على الرغم من ذلك، ظل النظام الصحي تحت السيطرة، مما ساعد مصر على تسجيل نمو إيجابي في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 3.6 في المئة في السنة المالية 2019- 2020، في حين توقع صندوق النقد الدولي أن تسجل جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نمواً سلبياً في إجمالي الناتج المحلي لعام 2020.
بينما كان نمو إجمالي الناتج المحلي للسنة المالية 2019- 2020، مدعوماً بنمو في الاستهلاك النهائي قدره 5.4 في المئة، متوقعة نمو إجمالي الناتج المحلي للسنة المالية 2020-2021 بنسبة 2.8 في المئة، مدعوماً بنمو إجمالي الاستثمارات بنسبة 6.2 في المئة. لكنها في الوقت نفسه، رجحت أن تؤدي عائدات السياحة المتدنية إلى عجز أكبر في الحساب الجاري بنسبة 4 في المئة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2020- 2021 من 3 في المئة تقريباً في السنة المالية 2019- 2020.
وعلى الرغم من ذلك، توقعت "أتش سي"، أن تحقق مصر فائضاً في الميزان التجاري النفطي في السنة المالية 2020- 2021، كما رجحت زيادة تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 10 في المئة على أساس سنوي للسنة المالية 2020- 2021.
وذكرت أنه لا تزال التدفقات المستفيدة من فوارق الأسعار في مصرجذابة، حيث تتيح معدل فائدة حقيقي في مصر للاثني عشر شهراً المقبلة عند 4.1 في المئة. ولذلك ترى "أتش سي" تدفقات مالية قوية، والتي - جنباً إلى جنب مع إصدارات السندات الدولية وقروض صندوق النقد الدولي - ستمول سداد تكلفة ديون مصر وتساعد ميزان المدفوعات على تحقيق فائض قدره 1.70 مليار دولار متوقع في السنة المالية 2020- 2021، من عجز قدره 8.59 مليار دولار في السنة المالية 2019- 2020.