فتحت بورصة إسطنبول تعاملاتها على هبوط مؤشراتها بأكثر من خمسة في المئة، فيما واصل سعر صرف الليرة التركية الهبوط باتجاه 8.4 ليرة للدولار الأميركي. جاء ذلك عقب قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إقالة نائب محافظ البنك المركزي التركي بعد 10 أيام من إقالة محافظ البنك، لأنه رفع أسعار الفائدة ليعين أحد الموالين له كرابع محافظ للمركزي خلال أقل من عامين.
ولم تفلح خطط اقتصادية أعلن عنها الرئيس أخيراً في استعادة ثقة الأسواق والمستثمرين الأجانب، على الرغم من دعوة أردوغان هؤلاء المستثمرين، الإثنين، للعودة إلى الاستثمار في تركيا، متعهداً بمواصلة الإصلاح الاقتصادي، ومؤكداً لهم أنهم سيجنون فوائد استثماراتهم بسرعة.
وكانت الأسواق التركية شهدت خروجاً للاستثمارات الأجنبية منذ قرار الرئيس إقالة محافظ البنك المركزي في 20 مارس (آذار) الحالي، وذلك بعد أشهر قليلة استعاد فيها المحافظ المقال بعض الثقة برفع معدلات الفائدة حتى وصلت إلى 19 في المئة، على عكس رغبة أردوغان الذي يرى أن رفع سعر الفائدة يزيد التضخم، على عكس كل قواعد الاقتصاد المعروفة عالمياً.
تحوط الأتراك
وجدد الرئيس التركي دعوته للشعب التركي لتحويل مدخراته من الذهب والعملات الأجنبية إلى العملة المحلية، التي فقدت ما يقارب نصف قيمتها منذ العام 2018. ومنذ أزمة الليرة السابقة من العام ذاته وأردوغان يطالب الشعب بذلك، لكن يبدو أن الأتراك يتحوطون بالذهب والدولار خوفاً من انهيار قيمة الليرة.
وبحسب تقديرات وكالة بلومبيرغ، يخزن الأتراك كميات من الذهب "تحت البلاطة" وصلت إلى نحو 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي التركي، كما يحتفظون بمدخرات بالعملات الأجنبية من الدولار واليورو، لمواجهة التذبذب المستمر في سعر الليرة الذي يضعف قيمة ثرواتهم.
وعلى الرغم من أن محافظ المركزي الجديد صرح بأنه لن يخفض أسعار الفائدة بسرعة، إلا أن الأتراك مثلهم مثل المستثمرين الأجانب يتوقعون أن يفعل ذلك في أقرب فرصة. ويأتي تغيير نائب محافظ البنك، وكذلك إقالة رئيس صندوق الثروة السيادي التركي، ليزيد شكوك الأتراك والأجانب في السوق.
وتنقل صحيفة "الفاينانشيال تايمز" عن نائب رئيس حزب المستقبل المعارض، كريم روتا، وهو مصرفي سابق قوله، "يواجه الاقتصاد التركي مشكلات ضخمة من عجز الموازنة إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى عجز الحساب الجاري إلى سعر صرف العملة، لكن المشكلة الأكبر هي فجوة الثقة. وطالما لا يستطيع أردوغان سد تلك الفجوة، فلا يمكن أن تؤخذ أي من هذه الخطط على محمل الجد".
أخطار تصنيف
بعد إقالة محافظ البنك المركزي واستبداله بنائب سابق في حزب أردوغان، أصدرت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني مذكرة تشير فيها إلى احتمال تعديل تصنيف ديون تركيا في المراجعة المقبلة، وكانت آخر مراجعة في شهر فبراير (شباط) الماضي، وضعت تركيا عند تصنيف "BB-" مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وأشارت وكالة "رويترز" إلى أن مؤسسات التصنيف الائتماني الرئيسة الأخرى قد تحذو حذو فيتش. ويقدر الدين الأجنبي قصير الأجل المستحق مدفوعات خدماته من أقساط وفائدة بنهاية العام 180 مليار دولار، ومستحقات الدين الخارجي خاضعة لنسب الفائدة المحددة وقت الاقتراض، ولا تتأثر بنسبة الفائدة المحلية التي تدفع على أساسها مستحقات الديون المحلية، وبالتالي فإن خفض سعر الفائدة التركية لو تم لن يؤثر في حجم تلك المستحقات على الحكومة التركية بالنسبة للدين الأجنبي، لكنه قد يسهل على الحكومة الاقتراض من السوق المحلية بسعر فائدة أقل، لكن في هذه الحال فإن تدهور سعر صرف الليرة سيجعل دفع مستحقات الدين بالدولار أكثر كلفة مجدداً. وكانت الحكومة التركية طلبت تمديد أجل إعادة هيكلة القدر الأكبر من ديونها الشهر قبل الماضي.
استعادة دعم الناخبين
يقول رئيس مركز إسطنبول إيكونوميكس والدبلوماسي السابق، سنان أولغن، إن أردوغان يحاول بتلك السياسات الاقتصادية "زيادة شعبيته المتراجعة داخلياً، في الوقت الذي يسعى فيه لتسهيل الاقتراض للحفاظ على معدلات النمو الاقتصادي، ويستهدف بالأساس قطاع الإنشاءات حتى الانتخابات المقبلة".
وموعد الانتخابات المقبلة في تركيا سيكون العام 2023، لكن من الممكن أن تجرى في وقت مبكر إذا تم حل حزب المعارضة الموالي للأكراد، الذي تقدم المدعي العام بطلب إغلاقه منتصف مارس الحالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب أردوغان (العدالة والتنمية) يواجه اسوأ معدلات تأييد من الناخبين خلال عقدين، إذ تضعه الاستطلاعات عند 29 في المئة. ويحكم الحزب بأغلبية ضئيلة في البرلمان يضمنها له تحالفه مع الحزب القومي المتشدد الذي يطالب بحل الحزب الكردي.
وتنقل صحيفة "التايمز" عن سنان أولغن قوله إن الاقتصاد يبقى مهما، ويضيف، "تسهيل سياسة الاقتراض وتوفير الائتمان قليل الكلفة يعطيان شعوراً مصطنعاً بالتحسن، فإذا أدى ذلك إلى ارتفاع نسبة تأييد أردوغان وحزبه، فقد يذهب إلى انتخابات مبكرة، لكن على الأرجح سينتهي الأمر بعضّ الأصابع ندماً".
وكتب نائب المدير السابق في صندوق النقد الدولي، ديزموند لاشمان، مقالة في "ناشيونال إنترست" الأسبوع الماضي، قال فيها إن أردوغان يختار أسوأ توقيت لإخضاع تركيا لسياساته الشخصية، بتصوره أن رفع سعر الفائدة يرفع معدل التضخم. ويذهب إلى القول في مقالته بأن أردوغان كأنه "يدمر نفسه وبلده". وكتب، "يقال إن من تريد الآلهة تدميرهم تسلط عليهم عقولهم، ويبدو ذلك صحيحاً تماماً في حال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على الأقل في ما يخص تفكيره الاقتصادي. هي رؤية تحمل كل أمارات الفشل، وستكلفه كثيراً في الانتخابات".
ارتفاع الأسعار
وفي تحقيق مطول لصحيفة "صنداي تايمز"، تنقل فيه آراء مواطنين أتراك عاديين حول ارتفاع الأسعار، تقول عاملة تنظيف في نهاية الأربعينيات من عمرها إنها لم تعدد تتحمل ارتفاع أسعار المواد الأساسية. وعلى الرغم من أنها رفعت أجرها اليومي من 200 إلى 250 ليرة في يناير (كانون الثاني)، إلا أن مرتبها لا يكفي لتوفير حاجات أسرتها الصغيرة. وتقول عايشة أوتورك، "أذهب إلى السوق واشتري ثلاثة اشياء، وأنظر إلى الأسعار فأجدها مرتفعة، وحين أنتقل إلى المحل التالي تكون نقودي نفدت فلا أستطيع شراء ما خرجت لشرائه. البيض وزيت الطبخ وكل شيء يرتفع سعره".
وبحسب الأرقام الرسمية، فإن نسبة التضخم 15.6 في المئة، لكن التقديرات غير الرسمية تضع معدل التضخم عند نسبة أعلى بالقياس إلى أسعار التجزئة، ومن غير المؤكد أن خفض سعر الفائدة سيقود إلى خفض معدل التضخم، فالقاعدة الثابتة لأية سياسة نقدية هي استخدام سعر الفائدة لكبح التضخم.