بحسب التقديرات العلمية، فإن الانبعاثات الكربونية تقلل معدل عمر الإنسان بما يقارب سنة ونصف. بالنسبة لي، لا أريد فقط أن يزيد معدل متوسط الأعمار في السعودية، بل أريد لأقراني ممن يشكلون أكثر من 70 في المئة من إجمالي السكان أن يعيشوا أعمارهم الممتدة وسط بيئة، جميلة، صحية، نظيفة، مشعة بالاخضرار.
قبل أيام، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن مبادرتين: "السعودية الخضراء"، و"الشرق الأوسط الأخضر". الأولى لزراعة 10 مليارات شجرة داخل حدود المملكة خلال السنوات العشر المقبلة، والثانية لزراعة 40 مليار شجرة في منطقة الشرق الأوسط. بعد ساعات من الإعلان، توالت الاتصالات الهاتفية بين القيادة السعودية وقادة الدول في منطقة الشرق الأوسط لبحث المبادرة والانطلاق بتنفيذها.
ما تفعله الرياض حالياً، هو الدفع بخطة تشجير العالم، التي طُرحت سابقاً في المنتدى الاقتصادي العالمي بزراعة تريليون شجرة بحلول 2050، لكن المبادرة السعودية ليست محصورة بحدود المملكة فقط، بل تمتد إلى أنحاء منطقة الشرق الأوسط، التي يقع ضمن نطاقها الجغرافي معظم منتجي ومصدري النفط، كالكويت وقطر والعراق والإمارات وليبيا والجزائر وغيرها من الدول.
تقع على عاتق هذه الدول المنتجة للنفط، ومنها السعودية ـ التي تعتبر في المقدمة باعتبارها ثاني منتج للنفط في العالم وصاحبة أكبر ثاني احتياطي عالمي من النفط وهو مصدر ثروتها ودخلها الأساس إلى جانب كونها عضو مؤسسة في أوبك - مسؤولية تخفيض الانبعاثات الكربونية والمساهمة في زيادة معدلات الطاقة النظيفة في العالم. ومن هذه المسؤولية ينبع العمل على جعل العالم أكثر اخضراراً، واتخاذ إجراءات سريعة وفعالة للمحافظة على البيئة، وذلك أفضل من التعويل فقط على الوعي الفردي لتحقيق هذا الهدف الجليل. فتلك ـ شئنا أم أبينا ـ هي مهمة حكومات الدول، لا سيما تلك المتسببة بالانبعاثات الضارة كالدول المنتجة للنفط والغاز.
قبل ثلاثة أعوام، أعلنت السعودية إنشاء قوات خاصة للأمن البيئي، مهمتها الحفاظ على البيئة الخضراء ومنع قطع الأشجار للاحتطاب، والحفاظ على الحيوانات الفطرية من الانقراض. لم يتم التعامل بجدية مع الأمر في البداية، لكن إعلان عقوبات رادعة تتضمن غرامات مالية، جعل الالتزام به ملموساً. اليوم أصبح هناك هاجس أكبر وأشد قلقاً من أنشطة الصيد الجائر أو غير المشروع والاحتطاب.
هذه المبادرة، وقبلها القرار الملكي بإنشاء مجلس للمحميات الطبيعية، جاءا في الوقت المناسب لوضع حد لسلوك كان يمكن لتماديه أن يمثل جريمة بحق الطبيعة وبحق الأجيال المقبلة.
كانت لي فرصة زيارة إحدى المحميات، محمية الملك عبدالعزيز، قبل شهرين. في طريقنا إلى هناك، بمشهد متناسق: التصحر على الجانب الأيمن من الطريق، وزيادة معدلات اللون الأخضر على يسار الخط المتجه من العاصمة الرياض إلى روضة التنهات – منطقة صحراوية ربيعية تكثر فيها النباتات البرية ومنطقة تنزه معروفة – وقدمت لي تلك الرحلة مثالاً عملياً على قدرة البشر، حكومات وأفراداً، على إحداث الفارق بين اللونين الأصفر والأخضر في مكان واحد.
مثل هذه الأدلة على الأرض، تجعل المطالبة بتوسيع نطاق النباتات، وحمايتها، مسؤولية جمعية وفردية لإقامة السد الأول في وجه العواصف الرملية، التي تكلف سنوياً خسائر في منطقة الشرق الأوسط تقدر بـ 13 مليار دولار، وتتسبب مع الاحتباس الحراري والانبعاثات الكربونية في تقليص متوسط معدل الأعمار للمواطنين بما يقارب سنة ونصف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حتى اللحظة فإن حصة إنتاج الطاقة النظيفة في منطقة الشرق الأوسط كلها لم تتجاوز 7 في المئة وهو رقم ضئيل جداً، وقالت السعودية في مناسبات عدة إنها تستهدف أن يكون إنتاجها من الطاقة النظيفة بحلول 2030 ما يقارب 50 في المئة.
البعض يرى هذا الهدف كطموح مشروع من أجل بيئة أفضل، لكن في حقيقة الأمر يمكن أن ننظر إليه باعتباره شجاعة من دولة تتحمل النصيب الأول في العالم العربي من انبعاثات الكربون وهي السعودية، وذلك بما يعادل 1.3 في المئة من الانبعاثات الكربونية على مستوى العالم، يليها مصر عربياً بنسبة 0.7 في المئة.
حين بدأت جائحة كورونا مطلع العام الماضي، وبدأت معظم دول العالم بفرض حظر عام ومنع تجول في مارس (آذار) 2020، رصدت دراسة نشرتها دورية Nature Climate Change تراجع انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة 17 في المئة. لكن مع تخفيف الإجراءات التي فرضها الوباء العالمي، عادت معدلات الانبعاث إلى ما يقارب الأرقام السابقة. وهذا دليل على أن الحلول الوقتية غير مفيدة.
50 مليار شجرة، أي ما يعادل 5 في المئة من الهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة، هو المشروع الذي بدأت السعودية بقيادته في منطقة الشرق الأوسط.
كشاب سعودي ومن منطقة الشرق الأوسط، لا أريد أن أرى بلادي خضراء وبانبعاثات كربونية أقل، بل أريد العالم كله أخضر.