مع تجديد التحالف الدولي لمكافحة "داعش" عزمه مواصلة الحرب على التنظيم الإرهابي، تزداد المخاوف من أن تقوى شوكة هذا التنظيم في العراق، على إثر وقف التحالف عملياته هناك منذ العام الماضي، وكذلك في مناطق أخرى كالساحل الأفريقي.
وأقيم التحالف الدولي ضد "داعش" في سبتمبر (أيلول) عام 2014، وتلتزم الدول الأعضاء، التي وصل عددها إلى 83 دولة، "بمواجهة تنظيم داعش على مختلف الجبهات وتفكيك شبكاته ومجابهة طموحاته العالمية، إضافة إلى الحملة العسكرية التي ينفذها التحالف في سوريا والعراق، يلتزم التحالف بتدمير البنى التحتية الاقتصادية والمالية للتنظيم، ومنع تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب عبر الحدود، ودعم الاستقرار، إضافة إلى استعادة الخدمات الأساسية العامة في المناطق المحررة من داعش ومجابهة دعايته الإعلامية".
تأكيد مواصلة الحرب
وجدد وزراء خارجية المجموعة المصغرة للتحالف الدولي ضد "داعش"، خلال اجتماع افتراضي في 30 مارس (آذار) الماضي، تأكيد عزمهم المشترك على مواصلة محاربة "داعش" في العراق وسوريا، وتهيئة الظروف لتحقيق الهزيمة الدائمة لهذه الجماعة الإرهابية، كما أكد التحالف ضرورة حماية المدنيين، وشددت الدول المشاركة في التحالف على التزامها تعزيز التعاون لضمان عدم قدرة "داعش" والجماعات التابعة له على إعادة تشكيل أي جيب إقليمي أو الاستمرار في تهديد أوطانها وشعوبها ومصالحها.
الوضع في العراق
وقرر التحالف الدولي في يناير (كانون الثاني)، من عام 2020 تعليق أنشطته العسكرية في العراق، بدعوى التركيز على حماية القواعد التي تستضيف أفراد التحالف.
يأتي ذلك في أعقاب قيام إيران بقصف قاعدتين عسكريتين تستضيفان قوات أميركية في العراق، رداً على اغتيال الولايات المتحدة القيادي في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وعقب تصويت البرلمان العراقي لصالح قرار يطالب الحكومة بإنهاء وجود القوات الأجنبية على الأراضي العراقية، ويثير تجميد التحالف نشاطه هناك مخاوف من أن يقوي ذلك من شوكة تنظيم "داعش"، خصوصاً بعد عودته للقيام بهجمات موجعة في العراق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وخلص الأستاذ الأميركي الباحث في المجال الاستراتيجي، أنتوني بفاف، إلى أنه "في حين أحرزت قوات الأمن العراقية تقدماً كبيراً في وجه داعش، تواصل هذه الجماعة الإرهابية عملياتها وتزعزع الاستقرار في أجزاء في البلاد، كما تسهم الميليشيات المسلحة المدعومة من إيران في الوضع الأمني غير المستقر، من خلال المشاركة في أنشطة جرمية، وتستهدف الجنود الأميركيين المتخذين من القواعد العراقية مقراً لهم وتمارس بعض هذه الجماعات عمليات السلب والابتزاز، وتهاجم على نحو متكرر الأشخاص والمجتمعات الذين تشعر أنهم يعارضونها، ولغاية الآن لم تكن خطوات الحكومة العراقية والمساعدة العسكرية الخارجية مناسبة لتبديد هذه المخاوف بالكامل".
ويؤكد الخبير الأميركي أن التدخل الإيراني والتحزب في العراق، ترافقهما قدرات تواصل سيئة من جهة الولايات المتحدة وشركائها، قد أسهمت كلها في تشويش وضع قوات التحالف الدولي، معتبراً أن النقاش بشأن وضع هذه القوات مسّيس إلى حد كبير، ما يحول دون نقاش عام منفتح وصادق وشفاف بشأن دور الدعم الأمني الدولي.
ويلفت بفاف إلى أنه من جهة، تشير السرديات الموالية لهذه القوات إلى أن مهمتها الوحيدة تتمثل في دعم القوات العراقية في محاربة "داعش"، أما السرديات المناهضة لهذه القوات، فلا تثق بأن مهمة قوات التحالف الدولي محدودة، وبالتالي تطالب بانسحابها الكامل، ويثير الانسحاب الكامل، بحسب الباحث الأميركي، القلق من أن يؤدي إلى مد "داعش" بكثير من الجرأة، وكذلك إلى توسع العمليات الإيرانية وعمليات الميليشيات المدعومة من إيران الموجهة ضد المعارضين في العراق.
من جهته، اعتبر التحالف الدولي ضد "داعش" أنه في حين أن التنظيم لم يعد يسيطر على الأراضي، وأن ما يقرب من ثمانية ملايين شخص قد تحرروا من سيطرته في العراق وسوريا، فإن التهديد لا يزال قائماً، مجدداً دعمه السلطات العراقية في أعقاب زيادة نشاط "داعش" في الأشهر الأخيرة، بما في ذلك الهجمات الانتحارية المزدوجة التي تمت في بغداد في 21 يناير.
"داعش" يعود إلى سوريا
بعد إعلان قوات سوريا الديمقراطية (المدعومة أميركياً)، في مارس، عام 2019، القضاء على "داعش"، يعود التنظيم منذ أشهر إلى خوض حرب استنزاف ضد القوات النظامية السورية، إذ تم توثيق، بين مارس من عام 2019 وفبراير (شباط)، من عام 2021، مقتل 1270 عنصراً من جيش النظام السوري والمسلحين الموالين له، وأكثر من 700 متشدد، وأشار التحالف الدولي إلى أنه تتعين عليه "مواصلة توخي اليقظة ضد تهديد الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره، للبناء على النجاح الذي حققه، وتواصل العمل معاً ضد أي تهديدات لهذه النتيجة لتجنب الفراغات الأمنية التي قد يستغلها داعش".
التهديد في الساحل الأفريقي
وبعد تضييق الخناق على "داعش" في مناطق عدة من العالم، بدأ التنظيم الإرهابي محاولة وضع موطئ قدم له في أفريقيا، وأسهمت الأوضاع السياسية والأمنية الهشة في الساحل الأفريقي في إيجاد المناخ المناسب لـ"داعش" في أن يتوغل في المنطقة.
وعلى الرغم من العديد من العمليات التي تقودها فرنسا هناك، فإن تأثيرها يكاد يكون طفيفاً، وبالتالي لم تتمكن تلك المهمات من القضاء على الخطر الإرهابي في تلك المنطقة، في ضوء الخسائر التي تكبدتها فرنسا، وكذلك الأخطاء الكثيرة التي قامت بها وأدت إلى سقوط العديد من المدنيين.
وسط هذه الأجواء، أكد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، أنه على الرغم من أن تنظيم "داعش" فقد السيطرة على معاقله في الشرق الأوسط، فإنه ما زال يطمح إلى تجديد نفسه دوماً من خلال حشد المزيد من الدعم والأموال والمقاتلين، بخاصة في مناطق أخرى عبر العالم، مشيراً إلى أن أفريقيا أضحت تمثل هدفاً ومحط تركيز بالنسبة لـ"داعش"، وأنه منذ الاجتماع الأخير للتحالف، أصبح الوضع ينذر بالخطر وما فتئ يتدهور في القارة، حيث ينتشر التهديد الإرهابي الذي وصل في الوقت الحالي إلى الجزء الجنوبي من القارة.
وأشار الوزير المغربي إلى أن عام 2020 كان الأكثر دموية في منطقة الساحل بما مجموعه 4250 قتيلاً، بزيادة نسبتها 60 في المئة، مقارنة بعام 2019، مؤكداً أن معظم الضحايا من المدنيين (59 في المئة)، وحذر بوريطة من كون تنظيم "داعش" بصدد تعزيز وجوده في أفريقيا، من خلال تعاون أقوى مع جماعات إرهابية أخرى وشبكات إجرامية، مشيراً إلى أن عدداً متزايداً من الجماعات تبايع "داعش"
وأعرب التحالف الدولي ضد "داعش" عن قلقه من التهديد الخطير والمتنامي الذي يشكله منتسبو التنظيم الإرهابي في منطقة غرب أفريقيا.