قد لا يكون مايلز كوبلاند أشهر من عمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، ولكنه قد يكون أول من كتب عن مجالات عملها وتدخلها في تاريخ المنطقة وصناعة التحولات فيها. وهو من أبرز من أرخوا لعملية ولادة هذا الجهاز الأميركي الكبير بعد الحرب العالمية الثانية الذي أصبح أحد أبرز أدوات الإدارة الأميركية وأذرعتها وعيونها في العالم كله. وقد ارتسمت حوله الأخبار الكثيرة التي تشبه أحياناً الأساطير المكونة لقدراته وإمكاناته. لا شك في أن في سجلاته الكثير من الإنجازات ولكن فيها أيضاً الكثير من الإخفاقات. سيرة مايلز كوبلاند ليست إلا جزءاً من سيرة هذا الجهاز بنجاحاته وإخفاقاته.
وراثة بريطانيا وفرنسا
ليست سيرة كوبلاند، المولود في العام 1916، مقتصرة على تكوين الـ"سي أي إي" وحدها. إنما هي أيضاً رواية لانتقال مهمة الاهتمام بتاريخ المنطقة وتحولاتها من الاستخبارات البريطانية، والفرنسية بنسبة أقل، إلى الاستخبارات الأميركية، التي ورثت من أجهزة الدول الأوروبية السرية، الدور بكل ما فيه من صعوبات وطموحات وخفايا. لم تكن منطقة الشرق الأوسط داخلة في صلب اهتمامات الإدارة الأميركية، قبل أن تبدأ معالم الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي بالارتسام. قبل السياسة وخرائط الصراعات الأمنية والعسكرية بدأت واشنطن تتطلع إلى الشرق الأوسط، من بوابة النفط مع بدء اكتشافه على نطاق واسع وتجاري في عدد من دول الخليج العربي، لكن بعد ذلك سيصبح الاهتمام شاملاً كل المجالات، بعدما أصبحت المنطقة مجالاً حيوياً للمصالح الأميركية. هذا التحول لا يرتبط حصراً بقيام دولة إسرائيل في العام 1948 على أرض فلسطين بل أتى بعده. والسبب المباشر لذلك انسحاب الاستخبارات البريطانية من عدد من دول المنطقة خصوصاً تركيا واليونان بسبب صعوبات مادية ودعوتها الولايات المتحدة الأميركية للعب الدور وتعبئة الفراغ الذي قد ينشأ قبل أن يأتي السوفيات لملئه. من هنا كانت البداية.
لم ترفض واشنطن هذا الطلب الذي نقلته السفارة البريطانية في واشنطن في فبراير (شباط) 1947، وكان يعني تبديل العين التي تراقب المنطقة. في ذلك التاريخ كان مايلز كوبلاند في قلب هذه المهمة من بين صانعي عملية الانتقال على مستويين: مستوى تطوير عمل جهاز الاستخبارات الأميركية التي صارت لاحقاً وكالة الاستخبارات الأميركية الـ"سي أي إي"، وعلى مستوى عمل هذا الجهاز في منطقة الشرق الأوسط، حيث لعب دوراً بارزاً على الأرض كأحد أبرز المراقبين والمخططين والمنفذين.
العميل الكاتب
كتب مايلز كوبلاند خلال مسيرته المهنية داخل إطار الـ "سي أي إي" وخارجه ثلاثة كتب هي: "لعبة الأمم" و"تحت العباءة والخنجر" و"حياة مايلز كوبلاند". من خلالها يمكن التعرف إلى شخصية رجل خدم بلاده بإخلاص، وكشف عن الكثير من الملفات والعلاقات المخفية والمهمات السرية والعلنية. وهو إنما كان يكتب سيرته وسيرة سياسة بلاده التي عمل في خدمتها وتحديد أهدافها وتحقيقها. وإن كان هناك شك في صحة رواياته إلا أنه لم تكن هناك أخرى تناقضها أو تنفيها.
أعطيَ كوبلاند صفات كثيرة أهمها أنه كاتب بارع صاحب عقلية إستراتيجية وذكية. عندما خضع لاختبار الدخول إلى الـ "سي أي إي" سئل: من تكره؟ أجاب: "إذا أردتني أن أُسكت شخصاً معيناً سأكون مسروراً لفعل هذا الأمر، ولكن لا تطلب مني أن أكرهه". أصيب مايلز بالسل في طفولته ما انعكس ضعفاً على بنيته الجسدية حاول أن يعوضه باللجوء إلى المكر والحيلة. في الجامعة كان يكتب سراً شعارات مزوّرة، ولكن كلّف بالبحث عمن يكتبها. إضافة إلى ذلك كان مولعاً بالموسيقى. أتقن العزف على البوق وعمل فترة عازفاً في فرقة موسيقية وجنى مالاً وفيراً وقيل عنه إنه كان موسيقياً بالفطرة. لكنه يعترف أن اتجاهه إلى العزف إنما كان من ضمن المحاولات للتهرب من الجندية. وهو كان يعتبر أنه من أسوأ الجنود في العالم. انتسب إلى الحرس الوطني في نوفمبر (تشرين الثاني) 1940 ولكنه كان يتمتع بذكاء حاد. عندما خضع لاختبار الذكاء نال علامة عالية أهلته للانتقال إلى دائرة الخدمات الإستراتيجية، ثم إلى دائرة الاستخبارات في الحرب العالمية الثانية، التي صارت بعدها وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية، وعمل في قسم الشرطة فيها الذي صار قسم مكافحة التجسس.
أستاذ التجنيد
أجرى مايلز تدريبات خاصة على كيفية تجنيد العملاء، ومن أولى المهام التي كُلف بها كانت انتحال شخصية عملاء ألمان يحاولون تجنيد مخبرين يعملون لمصلحتهم. نتيجة هذه الخبرات التي اكتسبها وضع لاحقاً أسس ومفاهيم "كيفية تجنيد عميل وإداراته".
في العام 1942 خلال الحرب، أُرسل إلى لندن بثياب مدنية في مهمة استخباراتية على متن باخرة تجارية متجهة إلى أوروبا. ومن لندن انتقل إلى باريس وكان من أول الأميركيين الذين دخلوا إليها بعد تحريرها، كانت المهمة التأكد من رواية انتحار هتلر قبل أن تتطور مع الفريق الذي يعمل معه، إلى البحث عن العلماء الألمان وكشف التطورات التكنولوجية التي عملوا عليها، ونقلها إلى بلاده كي لا تقع في يد السوفيات. وقد قدم نتيجة عمله ومتابعته ثلاثة خيارات للتعامل معهم قسّمهم إلى ثلاث فئات هي: من يجب تركه، ومن يجب تجنيده، ومن يجب اعتقاله. وكانت مهمة المواجهة مع السوفيات هي الأكبر بعد انتهاء الحرب مع الألمان.
زميل الرئيس بوش الأب
في سبتمبر (أيلول) 1945 التحق بوحدة الخدمات الإستراتيجية التي كان يرأسها جورج بوش الأب الذي صار رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في العام 1989. ومن هناك انطلقت مسألة ضرورة إنشاء مؤسسة للاستخبارات من أجل ضمان عدم حصول عملية بيرل هاربر ثانية، العملية التي فاجأ فيها اليابانيون القاعدة الأميركية هناك ودمروها وكانت السبب المباشر لدخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية وتغيير مجراها ونتائجها. وقال وقتها الرئيس هاري ترومان إنهم امتلكوا معلومات عن احتمال التعرض للهجوم، ولكن لم تكن لديهم القدرة على التصرف للحؤول دونه أو مواجهته.
في يوليو (تموز) 1947 أصبحت وكالة الـ"سي أي إي" مؤسسة رسمية، وأُدرج اسم مايلز كوبلاند ضمن قائمة 200 شخصية من مؤسسيها. عمل بداية على مسألة تجنيد عملاء للتجسس على السوفيات، وكانت الفكرة الأساسية التي تحكم هذه المواجهة تقوم على وجوب مقاتلتهم وهم ضعفاء قبل أن يمتلكوا القنبلة النووية، ولذلك وُضعت خطة أولية مدتها ثلاثة أعوام من العام 1947 حتى العام 1950.
في خدمة "مبدأ ترومان"
كانت الخلاصة الأساسية التي تم التوصل إليها أنه لا يمكن أن تكون المواجهة عسكرية على قاعدة وضع الدبابيس الملونة على الخرائط العسكرية بل من خلال تزخيم عمل الاستخبارات، وكان الشرق الأوسط من الساحات التي يجب أن يغطيها هذا العمل.
بالتزامن مع تسلم المبادرة من الإنجليز، أعلن الرئيس ترومان في مارس (آذار) 1947 مبدأه القائم على أنه حين يهدد العدوان أمنَ الولايات المتحدة الأميركية وسلامتها، يكون لزاماً على الحكومة الأميركية أن تقوم بعمل ما لوقف هذا العدوان. طبّق هذا المبدأ على اليونان وتركيا بخاصة، تمكيناً لهما من مقاومة المد الشيوعي. وحتى هذه المرحلة لم يكن الأميركيون قد اضطلعوا بعد في قضايا المنطقة، وكان عليهم دراسة أوضاع دولها الجديدة ومعرفة الطرق المناسبة للتدخل. حتى في حرب 1948 التي أدت إلى قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، لم يكن هناك دور أميركي مباشر. وتحقيقاً للأهداف الأميركية الجديدة في المنطقة، كان لا بد من إرسال وحدات استطلاع أمنية واستخباراتية مبكرة، من ضمنها كوبلاند. وكانت سوريا الوجهة الأولى للعمل المباشر. في سبتمبر1947 وصل مع البعثة، كمسؤول عن الدبلوماسية السرية. وفي الوقت نفسه أُرسل أرتشيبالد روزفلت، حفيد الرئيس روزفلت، إلى بيروت كمنسق للسياسات الخاصة في عمل الاستخبارات.
الاتصال بحسني الزعيم
كانت سوريا برئاسة شكري القوتلي. ومهمة البعثة الاتصال به. تم البحث عن تغيير في الوضعية السياسية، وكان الخيار بين أن يحصل انقلاب عسكري بدعم أميركي أو ثورة شعبية يحركها السوفيات. على هذا الأساس تم اتصال البعثة برئيس الأركان حسني الزعيم. في 30 مارس (آذار) 1949 نجح الانقلاب وتسلم الزعيم السلطة. لكن بعد وقت قليل بدأ البحث عن بديل منه، ذلك أنه تغير بعد الانقلاب وبات يشبه رئيس عصابة في رئاسة الدولة كما وصفه كوبلاند. كان البحث في مسألة التغيير في السلطة وضمان مرحلة ما بعدها. فشل المحاولة في سوريا جعل الـ "سي أي إي" أكثر تمهلاً وأقل تهوراً. توصلوا إلى قناعة بأن "بقاء زعيم في الحكم يخدم أهدافنا لا بد من أن يترافق مع تقديم الإساءة لنا، حتى يتمكن من البقاء في السلطة". هذا المبدأ اعتُمد مع أديب الشيشكلي، الذي وصل بانقلاب وخرج من الحكم بانقلاب، بالتزامن مع ثورة 23 يوليو (تموز) بقيادة جمال عبد الناصر في مصر في العام 1952.
العلاقة مع عبد الناصر
بدأ التدخل الأميركي في القاهرة لإحداث تغيير كبير في ظل حكم الملك فاروق وبالتوافق معه، ولكن الرهان عليه فشل بسبب تهربه المستمر والتأكد من أنه ليس الرجل المناسب بسبب تصرفاته غير المسؤولة كما اتضح للبعثة الأميركية. وبحسب كوبلاند بدأ التواصل مع الضباط الأحرار في مارس 1952 أي قبل أربعة أشهر من تنفيذ الإنقلاب، واستمر مع عبد الناصر لمتابعة وصوله إلى السلطة، بعد خلافه مع الرئيس محمد نجيب الذي كانت الاستخبارات الأميركية تعرف منذ البداية أنه ليس إلا الواجهة التي يتغطى خلفها الضباط الأحرار. في الأثناء، كان كوبلاند قد تولى مسؤولية العمل في مؤسسة بوز ألن أند هملتون ضمن فريق يتبع وزارة الخارجية، باسم لجنة التخطيط السياسي للشرق الأوسط، يبحث في تقديم المساعدات لعبد الناصر حتى لا يتجه نحو الروس.
دور حلف بغداد
خلال هذه المرحلة أدارت واشنطن العلاقات على أكثر من جبهة في المنطقة. بينما كانت تتولى التنسيق مع عبد الناصر، غطّت إعلان الحلف بين باكستان وتركيا في إبريل (نيسان) 1954 الذي سيتحول بعد عام فقط إلى ما سيسمى حلف بغداد، بعد توسيعه وضم العراق إليه، تحت حكم الملك فيصل الثاني ووصاية خاله الأمير عبد الإله ورئيس الحكومة نوري السعيد، من دون أن يكون رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون بعيداً منه. حصل كل ذلك، بينما كان عبد ناصر تحت نظر الأميركيين يتجه إلى إعلان الوحدة مع سوريا، وقد سُرّع هذا الخيار بعد حرب السويس عام 1956 التي أخرجت عملياً النفوذين الفرنسي والبريطاني من المنطقة، وأحلّت محله كلياً النفوذ الأميركي، بعد تدخل واشنطن لفرض وقف إطلاق النار وسحب القوات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية من سيناء.
بيروت الغطاء التجاري لكوبلاند
في العام 1957 انتقل كوبلاند إلى بيروت للعمل تحت غطاء تجاري، العاصمة التي تحولت إلى ما يشبه المركز التجاري للعالم العربي، توفر كل ما يلزم للنشاط الاقتصادي والمالي المترافق مع الفورة النفطية والبحث عن أسواق عالمية وتوظيفات مالية. وفي حين كان الصراع على أشده بين شمعون وعبد الناصر، أسس كوبلاند مع كيم أيغلبرغر شركة كوبلاند وإيغلبرغر لتقديم الاستشارات والدراسات في ما يتعلق بشركات النفط والمصارف. تحت هذا الغطاء جرى رصد كل ما يجري في المنطقة، خصوصاً مرحلة انتخابات 1957 النيابية في لبنان، التي تحدث كوبلاند عن خطورتها إذ أدت إلى سقوط أبرز زعماء المعارضة للرئيس كميل شمعون، مشيراً إلى التدخل الأميركي كيلا تكون سبباً لإشعال الصراع السياسي والتسريع بانهيار الدولة، التي كانت في نظر مؤلفة من مجموعات متناحرة.
من بيروت، تولى كوبلاند أيضاً مراقبة كيم فيلبي، الذي كانت ترسم حوله الـ"سي أي إي" علامات من الشك لجهة عمله لمصلحة الاستخبارات السوفياتية. ينقل كوبلاند أن رفيقه في الـ"سي أي إي" جيم أنغلتون كان يشك دائماً في عمل فيلبي الذي قال له، بعد مواجهته بهذا الأمر، "لن تجد من يصدق كلامك". وبعد فراره إلى موسكو تولى كوبلاند وفريقه متابعة زوجته لمنعها من اللحاق به، لكنها فعلت.
إلى جانب مكتب وكالة الاستخبارات الأميركية في بيروت، كان السفير دونالد هيث قبل أن يخلفه روبرت ماكلينتوك إضافة إلى مراقبين مستقلين عنه وعن السفارة مثل بيل إيغلاند الذي أرسله البيت الأبيض كمبعوث خاص ليبقى على اتصال بالرئيس شمعون وليشرف على تنفيذ "مبدأ إيزنهاور". كذلك، افتُتح مكتب للعلاقات الحكومية لشركة أنابيب التابلاين، يضم بحسب ما يقول كوبلاند، خيرة الرجال أمثال ساندي كامبل ودايفد دودج، الذي خطف ليصير أحد الرهائن الكثر الذين احتجزهم حزب الله، وذلك بعد عودته إلى بيروت في بداية ثمانينيات القرن الماضي، وتوليه رئاسة الجامعة الأميركية فيها على خطى والده بافارد دودج الرئيس السابق لها.
وساطة مع معارضي شمعون
عندما اغتيل الصحافي نسيب المتني في 8 مايو (أيار) 1958، رسم كوبلاند علامات استفهام حول الحادث الذي فجر الأحداث الدامية ونقل عن شمعون وإيغلاند رأيهما في أن المعارضة هي التي نفذت عملية الاغتيال بسبب تحركها السريع لاستغلال الحادث وتفجير الوضع. كانت واشنطن ضد ما يحصل، مع اختلاف تقييم الموقف بين السفير والـ"سي أي إي". طلب النائبان أميل البستاني وفوزي الحص، من كوبلاند كما يروي، التدخل مع عبد الناصر للتوصل إلى تسوية، فتوجه إلى القاهرة. اقترح عبد ناصر أن يكون لقاء بينه وبين الإدارة الأميركية لحلٍ يعرضونه على اللبنانيين، مقترحاً أن يصير فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية ورشيد كرامي رئيساً للحكومة. كان تقييم الأميركيين للأزمة واقتراح عبد الناصر، أنه يسعى للتغيير بالقوة في الأردن والعراق ولبنان، في حين أن الرئيس شمعون يرغب في تنفيذ "مبدأ إيزنهاور" وتدخل المارينز ضد المتمردين وإقفال الحدود مع سوريا. في النتيجة تدخلت واشنطن بعد الانقلاب ضد النظام الملكي في العراق في 14 يوليو 1958. لإنهاء العنف أرسلت المارينز والمبعوث الدبلوماسي روبرت مورفي. وكان ما عرضه عبد الناصر هو الحل، فانتُخب فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية وشكل الحكومة برئاسة رشيد كرامي.
مع عبد الناصر من جديد
كانت واشنطن ترغب في التعامل مع عبد الناصر وتفضّله على أي زعيم آخر، مع اعتبارها فؤاد شهاب محمد نجيب آخر. يقول كوبلاند، "مبدأ إيزنهاور" انتهى، واستراح عبد الناصر لكن ليس لوقت طويل، إذ انخرط في الحرب اليمنية من دون إدراكه ما ينتظره من صعوبات، وفي حين كانت الطائرات المصرية تشن غارات داخل الأراضي السعودية لم يكن الموقف الأميركي واضحاً في معارضته. لم يمنعوه من التدخل في اليمن، ولم يجبروه على سحب القوات المصرية من هناك.
في العام 1965 التقى كوبلاند بعبد الناصر، حين كانت مصر تواجه خطر الإفلاس. وفي ظل الإنهاك المالي والاقتصادي والنزف العسكري في حرب اليمن دخل في حرب 1967 مع إسرائيل التي تمكنت من احتلال سيناء وتهديد النظام. قبل اندلاع الحرب بأسبوع، التقى كوبلاند مرة جديدة بعبد الناصر. وكان لديه شعور بأن الاستعراض الكبير انتهى، والمخارج ضاقت أمام النظام الذي كان يُعتبر من أكثر الأنظمة حصانة ضد الانقلابات. أخبره عبد الناصر عن خلافاته مع المشير عبد الحكيم عامر، وزير الحربية ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتهديدات السورية بالحرب، فتكون لدى كوبلاند انطباع بأن ناصر لا قدرة له على الانتصار، وسيخسر الحرب ويواجه هجوماً صاعقاً كالذي وقع على قاعدة بيرل هاربر الأميركية في اليابان في الحرب العالمية الثانية، وكان وراء قرار إنشاء وكالة الاستخبارات الأميركية الـ"سي أي إي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحققت توقعات كوبلاند، فحرب 1967 كانت نتيجة تحولات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، منها تأسيس "حركة فتح" في العام 1965 بحيث لحقت بها منظمات فلسطينية أخرى، معتبرة أنها وحدها القادرة على تحرير فلسطين، وعلى هذا الأساس أضحت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وإن عدنا إلى ما قبل هذا التاريخ حيث السباق الأمني بين إسرائيل وأجهزة استخبارات الأنظمة العربية، خصوصاً في مصر وسوريا، وجدنا أسماء كثيرة ارتبطت به، أحدها الجاسوس إيلي كوهين الذي أرسله الموساد إلى دمشق تحت اسم كامل أمين تابت في العام 1961، والذي رُبطت به نتائج حرب 1967، بنسبة معينة جراء المعلومات التي سربها عن جبهة الجولان. قصة هذا الجاسوس ستطوي عمل آخرين متجاوزاً مايلز كوبلاند الذي تقاعد متفرغاً للتجارة وإصدار كتابه "لعبة الأمم" في العام 1970، وكان رمزاً من رموز العمل السري حتى بعد وفاته في العام 1991.