Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجاسوس الصيني الذي حاول التقرب من الأمير أندرو جزء من لعبة أكبر وأخطر

تعمل شبكة التجسس الصينية بصورة دؤوبة لتمهيد الأرضية - ليس لضرب المملكة المتحدة - بل لضمان سلبية مواقف لندن إذا دخلت الصين في حرب ضد الولايات المتحدة الأميركية.

ملخص

يرى كاتب المقال أن الجاسوس الصيني الذي حاول التقرب من الأمير أندرو هو جزء من استراتيجية أكبر تهدف إلى ضمان حياد المملكة المتحدة في حال نشوب حرب بين الصين والولايات المتحدة، حيث تسعى الصين عبر شبكتها من المصرفيين والأكاديميين والمسؤولين إلى إرسال رسالة مفادها أنها ليست تهديداً، بل تسعى إلى نظام عالمي أكثر عدلاً، في الوقت الذي تسعى فيه إلى دفع حلفاء الولايات المتحدة نحو إعادة التفكير في مواقفهم.

يحب الرئيس الصيني شي جينبينغ الأمراء. فالرئيس الصيني نفسه هو واحد منهم. فهو كان وصل إلى السلطة من خلال نسبه ودهائه السياسي باعتباره نجلاً لأحد القادة الثوريين القدامى.

لكن على رغم أنه يتقاسم شعوراً بالاستحقاق يناسب أي ملك، لم تكُن هناك كيمياء بين شي وآل وندسور [العائلة الملكية البريطانية] عندما أقام في قصر باكنغهام كضيف لدى الملكة الراحلة.

إن تعامل الصينيين مع الشخصيات الأجنبية لا يستند إلى المشاعر، بل إلى عوامل المنفعة والمصلحة. والرئيس شي معروف عنه حبه لأمرائه، سواء كان هؤلاء تجاراً أو منتمين إلى أي من العائلات الملكية الصغيرة، خصوصاً من المغرورين أو الجشعين، أو الحمقى. وعادة ما يفضل أن يحملوا الصفات الثلاث تلك آنفة الذكر. وربما يمكننا أن نستحضر أمثلة على ذلك.

من المغري تجاهل الحلقة الأخيرة التي تتعلق بالأمير أندرو وعميل صيني غامض مزعوم واعتبارها مجرد سخافات. كما يمكننا أيضاً اعتبار المعجبين بتصرفات الرئيس شي في بريطانيا من أمثال ما يقوم به أعضاء نادي 48 الذي يعود لمجموعة من رجال الأعمال على أنه يصب في خانة ما يدعو إلى السخرية أيضاً.

لا يسعني قراءة تقرير عن هذه الألاعيب من دون أن أتذكر الاستقبال الذي حظي به إمبراطور الصين في رواية أنتوني ترولوب "الطريقة التي نعيش بها الآن" التي تنتقد الجشع والحماقة في القرن الـ19.  يجلس الإمبراطور، بدعوة من المحتال الرئيس في الرواية، أوغسطس ميلموت، في صمت وغموض فوق حشد من الممولين والمضاربين الذين لا يعرفون شيئاً عن الصين ولكنهم يأملون في تحقيق مكاسب شخصية. وبطبيعة الحال، ينتهي كل شيء بصورة سيئة بالنسبة إليهم، والأسوأ من ذلك بالنسبة إلى ميلموت، المحتال الذي اشترى مقعده في البرلمان والذي ينتهي به الأمر بتسميم نفسه.

لكن السخرية ليست كافية عندما يتعلق الأمر بأولئك الذين يسعون إلى استخدام أو بيع تأثيرهم في الآخرين اليوم. فالرئيس شي والحزب الشيوعي الصيني غير مهتمين ببيع بعض قطع إضافية من وسائل الاتصالات غير الموثوقة أو باختلاس بضعة ملايين من خلال الفوز بمناقصة عامة تسهم في توفير كلف التعليم لأبنائهم المحظوظين. إنهم أبعد ما يكون بكثير من الاهتمام بذلك.

إن أفضل الطرق لتفهم ما تنوي الدولة الصينية الوصول إليه، هو أن ندرك أن الهدف من سياستها ليس استخدام السم (ضد منافسيها)، بل التخدير. فقد أتقنت إدارة عمل الجبهة المتحدة التابعة للحزب الشيوعي تكتيكات الخداع في أربعينيات القرن الـ20 عندما أقنعت كثيراً من الليبراليين والمثقفين الصينيين بأنها لا تشكل أي تهديد لهم.

بينما كان والد شي جينبينغ يقاتل في الجيش الأحمر الذي زحف نحو بكين، كان رفاقه في "العمل الموحد" يضعفون إرادة خصومهم حتى انهارت جيوشهم المنافسة واندحرت. النصر من دون إطلاق رصاصة هو أكبر جائزة في الاستراتيجية العسكرية الصينية التقليدية.

ماذا يعني هذا اليوم؟، يعني أن الصين تحضر الأرض بعناية – ليس من أجل مهاجمة المملكة المتحدة، بل لضمان حيادها في حال نشوب حرب ضد الولايات المتحدة.

هذه إذاً هي المهمة الموكلة إلى جيش بكين من المصرفيين والتجار والأكاديميين والمسؤوليين وأعضاء مراكز الأبحاث: نقل رسالة مقنعة بلطف عبر شركائهم أن الصين ليست تهديداً، بل تسعى فقط إلى نظام عالمي أكثر عدلاً وتطمح ببساطة للحصول على حقوقها بصورة تتفق مع رؤية شي جيبينغ و"صديقه" الرئيس فلاديمير بوتين بوصفها "تغييرات لم يشهدها العالم منذ مئة عام".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير إشاعات إلى أن الرئيس شي كان رفض دعوة دونالد ترمب إلى حضور حفل تنصيب الرئيس المنتخب الشهر المقبل (وهو أمر يمكن اعتباره خطوة ذكية من ترمب). كانت مشاركته ستخفف التوترات بين القوتين الكبريين. ولكن ذلك كان ليشكل مجرد هدنة لا أكثر.

هناك مفكرون في بكين يخططون، كما يفعل المخططون، لليوم الذي تُطلق فيه الطلقات في البحار قبالة الصين. دعونا نتخيل ذلك.

ربما يقوم قائد مدمرة بحرية صينية بتوجيه أسلحته نحو قطعة بحرية عسكرية أميركية بواسطة رادار توجيه النيران لمدة دقيقة أكثر من اللزوم (وقد سمعت عن سيناريو حقيقي من هذا النوع من الحكومة اليابانية). تدخل قواعد الاشتباك حيز التنفيذ، وتطلق الصواريخ، وفي اللحظة التالية تجد السماء مليئة بالطائرات الحربية.

سيحدث كل هذا بسرعة كبيرة لدرجة أن الأميركيين أمضوا ساعات في محاولة إقناع الجانب الصيني بالموافقة على تثبيت خطوط اتصال مباشرة بين جيوش البلدين. لكن الصينيين كثيراً ما كانوا مترددين في الاستجابة لذلك،  كثيراً ما كان الغموض مبدأ حربياً بالنسبة إليهم.

لا تخطئوا الفهم ، إذا كانت الولايات المتحدة في حال حرب مع الصين في الصباح، فإن بريطانيا ستكون مشاركة في الحرب في فترة بعد الظهر. ستُطلب على الفور تبادلات استخباراتية، واستخدام قاعدة دييغو غارسيا المثيرة للجدل في المحيط الهندي، والمرافق في قبرص، وفي النهاية مخزونات منطقة إيست أنغليا العسكرية.

لن تتمكن هذه البلاد من قول "لا". لكن ربما تتردد للحظة قاتلة. وهذه هي بالضبط لحظة التردد التي ستنفق الدولة الصينية من أجلها موارد استخباراتية غير محدودة، ونفوذاً يتم العمل على استثماره للاستفادة منه في وقت ما في المستقبل البعيد، أي القدرة على جعل حلفاء الولايات المتحدة يعيدون التفكير. وإذا حدث ما لا يمكن تصوره، فإن الأوروبيين والآسيويين سيتطلعون إلى بريطانيا لأخذ الإشارة منها لأنها ستكون من بين أول من يلبي النداء.

وهذا هو السبب تحديداً الذي قد يدفع كلاً من رئيس الوزراء ووزير الخارجية ووزيرة الخزانة الذين لا يعرفون مجتمعين سوى القليل عن الدولة الصينية إلى اللجوء ربما إلى الكاتب أنطوني ترولوب لتذكيرهم بنقاط ضعف المملكة المتحدة نفسها.  وعليهم لذلك ألا يتركوا لدى الرئيس شي جينبينغ أي شكوك حول الالتزامات البريطانية حيال حلفائها.

من عادة الأمراء وحماقاتهم أن تنتهي بصورة سيئة، لكن المهمة العليا للحكومة هي التأكد من عدم حدوث ذلك هذه المرة.

مايكل شيريدان هو مراسل الشؤون الخارجية والمحرر الدبلوماسي لصحيفة "اندبندنت" منذ فترة طويلة، هو مؤلف كتاب "الإمبراطور الأحمر" الذي نشرته دار هيدلاين برس.

© The Independent

المزيد من آراء