من المتوقع أن تؤدي تفاصيل مخطط هز الاستقرار الداخلي في الأردن تباعاً إلى مزيد من الترقب لحين معرفة تفاصيل ما يجري كاملة، ومن المرجح أن يحظى الأردن بالاستقرار بعد ما جرى، خصوصاً في ظل دعم أميركي ومساندة من بعض الدول العربية، إلا أن عمّان في المقابل تحتاج حقيقية إلى دعم مالي لمواجهة تبعات أزمة كورونا، التي تضرب الاقتصاد الأردني بصورة واضحة وتحتاج إلى معالجات.
انقسام الأسرة الهاشمية
ومن المتوقع أن تقدم بعض الدول العربية مساعدات جديدة، في وقت تدور فيه تكهنات حول إمكان أن يجري الملك عبدالله الثاني تغييرات جذرية في دوائر الأمن والاستخبارات، تحوطاً لاحتمال وجود امتدادات للمخطط الذي جرى الإعلان عنه، خصوصاً وسط مؤشرات تتحدث عن احتمال أن تشهد الأسرة الهاشمية حالاً من الانقسام غير المعلن، التي من الممكن أن تؤثر في صنع القرار، تحديداً في حال استثمار جماعة الإخوان المشهد الراهن، والدعوة إلى تجديد حال الحراك الشعبي، وهو الأمر الذي سيتعامل معه الملك عبدالله الثاني بالدعوة لمزيد من التكاتف في مواجهة استهداف البلاد داخلياً، ومحاولة هز استقراره من خلال قوى خارجية.
ويمكن القول إن الأمير حمزة بن الحسين مثّل هاجساً سياسياً للحكومة الأردنية، خصوصاً من خلال سلسلة تغريداته المتكررة التي انتقد فيها إدارة الأوضاع في الداخل الأردني، التي يتردد أنه جرى توجيهه أكثر من مرة من داخل الأسرة الهاشمية تجاه ما كان يقوم به، واعتماده على لغة "النقد الحاد" للأداء الحكومي، خصوصاً أن حمزة شخصية مشهورة في الأردن، تحديداً بين القبائل والأردنيين في المنطقة الشرقية، ويُنظر إليه على أنه متواضع، ومتواصل مع جميع أبناء الشعب الأردني.
كما تشير بعض المزاعم إلى أن هذا المخطط ليس الأول في مسار الوضع الأردني الراهن، وأنه قد سبق أكثر من محاولة سابقة شاركت فيها بعض الأطراف الخارجية، وأدت إلى توتر الأجواء مع بعض الدول العربية، ولم تعلن الحكومة الأردنية تفاصيل ما جرى لاعتبارات أمنية معروفة.
وقد سبق أن بعث الملك عبدالله الثاني منذ عدة أسابيع برسالة إلى مدير المخابرات العامة الأردنية، وجّه فيها بالاستمرار بالعمل وبوتيرة أسرع وخطى ثابتة، وإنجاز عملية التطوير والتحديث، كما وجه دائرة المخابرات العامة لتركيز كل طاقاتها في مجالات اختصاصها المهمة والحيوية للأمن الوطني والعمل الاستخباري المحترف بمفهومه العصري الشامل، وتكريس الإمكانات اللازمة، لتظل عنواناً للكفاءة الاستخبارية في مجال مكافحة الإرهاب والتصدي للمخاطر الأمنية.
توافقات الأمراء وزعماء القبائل
إن المخطط الذي جرى إحباطه لم تدخل فيه بعض العناصر الأمنية من مختلف الأجهزة السيادية فقط، بل أيضاً المكون العشائري، وهذا مكمن الخطورة نظراً إلى اعتبارات متعلقة بالمكون الاجتماعي المعقد في الأردن، وبالتالي فإن الخطورة مرتبطة بتوافقات قد تكون جرت بين بعض الأمراء داخل الأسرة الهاشمية وبعض زعماء القبائل وبطون بعض العشائر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشار إلى أنه يوجد في الأردن عدد من العشائر والقبائل، من أهمها عشائر بني حسن التي تقطن محافظات الزرقاء والمفرق وجرش وسط وشمال شرقي الأردن، وعشائر بني صخر التي يمتد نفوذها من جنوب العاصمة عمّان حتى حدود محافظتي مأدبا والكرك جنوباً ومحافظة المفرق شمالاً والحدود السعودية شرقاً، وعشائر الحويطات يمتد نفوذها في المناطق الجنوبية المحاذية محافظة معان ووادي رم إلى العقبة أقصى جنوب الأردن.
هذا وتتحدث بعض المصادر الأردنية، التي ينتمي إليها جزء من المعارضة، عن أن هناك بعداً خارجياً تورطت فيه بعض الدول، التي أكدت اتساع "مخطط الانقلاب".
هل تقف إسرائيل وراء ما حدث؟
من الواضح أن هناك حرصاً إسرائيلياً على دعم العلاقات مع الأردن على الرغم مما طُرح إعلامياً من مزاعم وجود دور إسرائيلي في الاضطرابات التي جرت في الأردن، لكن في المقابل هناك توقعات بأن تعمل إسرائيل على مسارات عدة لرصد ما يجري، وتأثيره في استقرار نمط العلاقات الإسرائيلية مع باقي الدول العربية التي وقعت اتفاقات سلام معها، خصوصاً الدور المحوري للأردن في عدد من الملفات، وكذلك في الإشراف على المقدسات الإسلامية في القدس وعملية السلام، وهو ما لا يمكن تجاوزه في ظل تنامي العلاقات الأردنية - الأميركية بصورة كبيرة، التي اتضحت في توقيع اتفاق الشراكة بين الجانبين، وهو ما قد لا يروق لبعض دول المنطقة، التي ترغب في لعب دور في الإقليم وتحسين علاقاتها مع الإدارة الأميركية وفق أسس جديدة.
وفي الوقت ذاته، زعمت وسائل إعلام إسرائيلية تورط بعض الدول في ما يجري في الأردن بهدف إبعاد الشبهات عن كتابات زجت باسم تل أبيب في الملف، على اعتبار أن هناك توتراً عاماً في العلاقات، وأن الحكومة الإسرائيلية باتت ترى أن الملك عبدالله الثاني لم يعد "صديقاً مخلصاً" بحسب وصفهم.
كما دخلت على الخط روايات أخرى تزعم ارتباط عدد من رجال المال والأعمال الإسرائيليين بما حدث، وأنه قد يكون هناك ارتباطات بين عمل جهاز الموساد، وما يجري على الأقل في العلم بتفاصيل بعض الأوضاع الأمنية. لكن لم يصدر من تل أبيب، ما يؤكد أو ينفي هذه الاتهامات حتى اللحظة.
مصير التوترات الأردنية
ومع ذلك، يمكن القول إن الأوضاع في الأردن في السياق العام جيدة، وأن البلاد لن تشهد تطورات مفصلية جديدة، وأن البعض يرى أن الملك عبدالله الثاني عليه استيعاب ما يحدث في الأسرة الهاشمية، خصوصاً أن بعض كواليس "المؤامرة" كانت تتحدث عن "تغيير" كان سيجري عبر تنظيم احتجاجات تبدو وكأنها انتفاضة شعبية، تخرج فيها الجماهير إلى الشارع بدعم عشائري ومكون جماهيري.
لكن في المقابل، من المهم القول إن أي محاولة لهز الاستقرار في الأردن ستفشل نظراً لقوة الجيش الأردني والتفافه حول الملك عبدالله الثاني، على الرغم من التقدير بمكانة وموقع الأمراء حمزة بن الحسين، وعلي وهاشم.
إذن فالجيش هو القوة الوحيدة التي لها اعتبار، وتملك القدرة على السيطرة على الوزارات الحكومية وعلى مراكز السلطة والنفوذ في الأردن، لهذا من المتوقع أن تمضي الأمور خلال الأيام المقبلة في اتجاهين، الأول استمرار ملاحقة بعض القيادات الأمنية والعسكرية السابقة والحالية من مختلف الأجهزة مع اتباع استراتيجية التكتم منعاً لمزيد من حال عدم الاستقرار السياسي، والثاني قيام الملك عبدالله الثاني بإعادة ضبط الأوضاع بصورة عامة مع احتمال الإقدام على خطوات تتعلق بالإصلاح السياسي الموعود منذ فترة، مع الدعوة إلى إجراء حوار وطني شامل، يضم كل القوى الداخلية بما فيها "الإخوان المسلمين".
وختاماً، فإن أية محاولة ستواجه بالإخفاق في ظل دعم الولايات المتحدة والقوى الإقليمية التي أعربت عن تأييدها للملك عبدالله الثاني، وأية خطوات ضرورية لضمان أمن الأردن.