في أغسطس (آب) عام 2010 اكتشف أُمناء متحف محمد محمود خليل وحرمه المُطل على نيل القاهرة عند تفقدهم لمقتنياته، اختفاء لوحة "زهور الخشخاش" للفنان الهولندي الشهير فان غوخ. مثّل الحادث حينها مادة خصبة لوسائل الإعلام المصرية والعالمية، ليس لقيمة اللوحة المادية فقط والتي كان يتخطى ثمنها حينها الـ50 مليون دولار، ولكن أيضاً للملابسات الغامضة التي أحاطت بحادثة السرقة والسهولة التي تمت بها. فقد استطاع اللص انتزاع اللوحة من إطارها الخارجي في ذروة ساعات العمل بالمتحف، وفي غفلة من القائمين عليه ووسط غياب تام لأي أجهزة إنذار أو مُراقبة. على خلفية هذا الحادث تمت إقالة مسؤولين في وزارة الثقافة المصرية، وحوكم عاملون وموظفون بتهمة الإهمال. وعلى رغم كل هذه الإجراءات والتحقيقات، والضجة الإعلامية التي أثيرت حينها، وتضارب التصريحات والتخمينات لم تظهر اللوحة المُختفية حتى اللحظة، وتوارت سيرة اللوحة شيئاً فشيئاً.
أغلق المتحف حينها حتى تتم مراجعة إجراءات التأمين الخاصة به، وظل منذ ذلك التاريخ مغلقاً على ما يضم من مقتنيات ثمينة، حتى أعيد افتتاحه أخيراً ليستقبل الزوار من جديد. وقد صرحت وزيرة الثقافة المصرية إيناس عبد الدايم أن المتحف "يُعد إضافة ثرية للبنية الثقافية لمصر باعتباره من أهم المواقع المُتخصصة، بحيث يضم مجموعات نادرة من المقتنيات التى تُشكل جزءاً من إبداعات الحضارة الإنسانية"، مؤكدة أن المتاحف بمختلف تصنيفاتها تُمثل الذاكرة الحافظة لصفحات مشرقة من التاريخ ولها تأثيراتها الإيجابية فى تنمية الوعي وبناء الشخصية.
شملت أعمال التطوير في المتحف، كما يقول رئيس قطاع الفنون التشكيلية المصري خالد سرور، كافة الأعمال والمعالجات الإنشائية من شبكات التكييف والتهوئة ومنظومة الكهرباء والمياه ومكافحة الحريق وتطوير نظم الإطفاء، إلى جانب تحديث نظم الأمن والمراقبة وتطوير محطة الطاقة الرئيسية، وتحديث التجهيزات ككل، بما فيها منهج العرض المُتحفي.
متحف مهم
ويُعد متحف محمد محمود خليل واحداً من أهم المتاحف الفنية في مصر نظراً لمجموعته النادرة، فهو يضم العشرات من الأعمال الفنية للعديد من فناني أوروبا تغطي فترة ما قبل الحداثة وما بعدها. يتجاوز عدد اللوحات المعروضة في المتحف الثلاثمئة لوحة، إضافة إلى أكثر من خمسين تمثالاً. بين هذه المعروضات أعمال هامة لإدوار مانيه ورينوار وسيزان وفان غوخ وغوغان ورمبرانت وكوربيه، إضافة إلى مجموعة نادرة من اللوحات الاستشراقية والقطع الخزفية الثمينة. بين مقتنياته مثلاً توجد خمس لوحات لرائد الانطباعية الفرنسي كلود مونيه، وثلاث لوحات لغوغان، بينها لوحة "الحياة والموت" وهي واحدة من أشهر أعماله. وتوجد أيضاً خمسة أعمال للنحات الفرنسي الشهير أوغست رودان، بينها تمثال للكاتب الفرنسي المعروف بلزاك، وثمة مجموعة من اللوحات الهامة لكل من سيوران وبيسارو.
يعود تاريخ هذا المتحف إلى بدايات القرن العشرين، فقد شُيد عام 1905 كمقر ريفي للمصرفي الفرنسي الشهير رافييل سوارس، ثم انتقلت ملكيته بعدها إلى أحد أمراء أسرة محمد علي وهو الأمير عمر طوسون، والذي باعه بدوره كما يقول الباحث المصري في تاريخ القاهرة سمير رأفت، إلى المحامي والسياسي المصري الصاعد وقتها محمد محمود خليل. كان خليل حقوقياً ورجل أعمال وسياسياً بارزاً، عين وزيراً للزراعة ثم رئيساً لمجلس الشيوخ المصري في أربعينيات القرن الماضي. أغرم خليل أثناء دراسته في باريس بفتاة فرنسية كانت تدرس الموسيقى وهي إيميلن هيكتور التي تزوجها في ما بعد ورافقته للإقامة في قصره الجديد، وظلت وفية لذكراه بعد وفاته. إلى جانب ذلك كان الرجل مولعاً بكل ما هو فرنسي، وهو ما يبدو في اختياراته للأعمال الفنية التي جمعها وزوجته طوال حياتهما. تحول القصر بعد وفاة الزوجين إلى متحف تنفيذاً لوصية الزوجة، ثم أُفرغ من محتوياته في عهد الرئيس المصري أنور السادات لينضم إلى مقر سكنه، وأعيدت إليه الأعمال مرة أخرى عام 1979.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما أول المقتنيات الثمينة التي اشتراها صاحب القصر فكانت لوحة للفنان الفرنسي الشهير أوغست رينوار، والمسماة "ذات ربطة العنق من التل الأبيض" وهي واحدة من بين أهم الأعمال المعروضة داخل المتحف اليوم، وكان خليل قد اشتراها من إحدى غاليريهات باريس عام 1903 لقاء مبلغ أربعمئة جنيه مصري، وهي لوحة ذات حجم متوسط مرسومة بالألوان الزيتية على القماش. تمثل اللوحة سيدة شابة ترتدي ربطة عنق من التُل الأبيض يشوب وجهها الحمرة. وتعددت مقتنيات خليل بعدها، وساعده في ذلك اندلاع الحربين العالميتين واضطراب حركة السوق الفنية في أوروبا، ما مكنه من اقتناء عديد الأعمال الفنية لفنانين بارزين بأسعار زهيدة.