يعكف البرلمان المغربي على دراسة مقترح قانون تقدم به حزب التقدم والاشتراكية نهاية مارس (آذار) الماضي يطالب بتسجيل الاسماء الامازيغية في سجلات الحالة المدنية، عبر تعديل بعض مواد قانون الحالة المدنية مثل المادة 21 التي تنص على أن لكل شخص الحق في اكتساب اسم شخصي، وأنه يتعين أن يكتسي الاسم الشخصي الذي اختاره من يقدم التصريح بالولادة، قصد التقييد في سجلات الحالة المدنية هوية مغربية، واعتبر مقترح القانون أن "الأسماء الأمازيغية جزء لا يتجزأ من الأسماء والهوية المغربية".
واعتبر مقترح القانون الذي حصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منه أنه "في إطار إقرار دستور عام 2011 بالتعدد، وما راكمته الحركة الامازيغية في مجال الترافع من أجل تمكين الآباء من تسجيل أسماء أبنائهم لدى مصالح الحالة المدنية والقنصليات، بشكل يحترم اختياراتهم وخصوصياتهم الثقافية باعتبار أن الاسم الشخصي يكتسي أهمية بالغة في حياة الانسان".
الاعتراف بالهوية الامازيغية بالدستور
اضاف المقترح انه "كما اعتنى المشرع المغربي بأسماء المواليد وأصدر قانوناً خاصاً بنظام الحالة المدنية، إذ نصت المادة 21 منه على ضرورة أن يكتسي الاسم الشخصي الذي اختاره من يقدم التصريح بالولادة قصد التقييد في سجلات الحالة المدنية طابعاً مغربياً ... وألا يكون من شأنه ان يمس بالأخلاق أو النظام العام، لكن تطبيق هذه المادة يخضع أحياناً لتفسيرات ضيقة من قبل الإدارة ويعتبر نوعاً من ممارسة الشطط في استعمال السلطة، ما حرم العديد من المواطنين من اختيار أسماء أبنائهم بكل حرية وبما ينسجم مع المقتضيات الدستورية والقانونية".
وعانى الأمازيغ لعقود من مشكلة رفض وضع بعض الاسماء الامازيغية في سجلات الحالة المدنية لمواليدهم، ما دفع بعض المدافعين عن القضية الامازيغية، من أجل تفادي هذه المعضلات، للمطالبة بالاعتراف بالهوية الامازيغية في الدستور. ويشكل الأمازيغ السكان الأصليين لمنطقة شمال أفريقيا، وتشير المصادر التاريخية الى أن وجودهم في تلك المنطقة يرجع إلى مرحلة ما قبل الميلاد حيث عاصروا العهد الفرعوني في مصر.
التسمية واشتقاق التسمية
يعتبر الكاتب الامازيغي محمد شفيق في كتابه 33 قرناً من تاريخ الأمازيغيين أن "كلمة أمازيـغ مشتقة بحسب ما هو متوفر من القرائن، من الفعل "يوزغ" أي غـزا، أو أغار، ويرى بعـض اللغويـين أن "أمازيغ" اسم مشـتق من فعل آخر قد يكون هو الفعل "إزيغ" أو الفعل "يوزاغ" وهـو افتـراض مبني علـى الخلط بين ثلاثة أفعال أخرى، هي "ياغ" بمعنـى أصاب أو اعترى، و"يـاغ" أو "يوغ" بمعنـى أخذ أو نال أو سـقط أو اشـتعل أو أضـاء، و"يووغ" بمعنى رعـى أي فـي معنى انتجـع، وعلى أي حال، "أمازيغ" اسـم يعني النبل والشـهامة، وقد يكون ذلك ناتجاً عن مجرد الاعتزاز بالنفـس من قبـل إمازيغن، لأن الشـعوب تتخذ عادة أنسابها عنواناً للعزة والمناعة".
برابرة
تتعدد تسميات الأمازيغ ومنها "بربر" او "برابرة"، يقول محمد شفيق في كتابه "كانـت الشـعوب قديماً قليلـة التواصل بينهـا، وكانت تعتبر أن مـن لا يفصـح عمـا يريد فـي لغتها هـي لا يمكـن أن ينعت إلا بالُعجمـة، أي بالخـرس والبكامة، ولـذا كان للعرب عجمهم، ولليونـان عجمهم، هـم "البارباري" Barbari وكان للأمازيغيين عجمهـم أيضاً، هـم "إكناون".
وكان اليونانيون يطلقـون اسـم "بارباري" علـى غيرهـم من الشـعوب، بدءاً باللاتينيين، ولما أخذه عنهم الرومان صاروا يسـمون به كل شعب خارج عن المجال الحضـاري اليوناني اللاتيني، فمن المحقق أن الأمازيغيين كانوا "بارباري" في نظـر الرومان، وكانوا ينعتون بذلك النعت، لا سـيما انهم قاوموا روما مقاومة شـديدة حربياً وثقافياً".
الأصول
تتضارب الروايات التاريخية عن أصول الأمازيغ والتي تعتبر معظمها أنهم أتوا من مناطق اخرى خارج منطقة شمال أفريقيا، لكن الدكتور العربي عقون أستاذ التاريخ القديم والآثار بجامعة قسنطينة بالجزائر يرى غير ذلك ويقول "إنّ تكوّن الشعب الأمازيغي أو بالأحرى مختلف المجموعات الأمازيغية، يظلّ قضية شائكة، لأنّ الموضوع طُرح منذ البداية طرحاً سيّئاً وما يمكن تسميته بالنظريّات "الإشهارية" جعلته يستند تقليدياً على الغزو والنزوح والفتوحات والاحتلال، وبالتدريج ذهب الباحثون في كلّ اتّجاه شرقاً نحو الميديين والفرس، وإلى سوريا وبلاد كنعان، ونحو الهند وبلاد العرب الجنوبية، وحتّى شمالاً نحو أوروبا الشمالية وشبه الجزيرة الإيبيرية، والمؤكّد هو أنّه من الصعب أن نجد بلداً لم يقل هؤلاء الباحثون بأنّ الأمازيغ لم يقْدِموا منه".
ويضيف "أمّا الفرضية التي يمكن دخول الموضوع بها فهي: ماذا لو أنّ الأمازيغ لم يأتوا من أيّ بلد؟
والأحرى هو البحث على الأقلّ في الخلط الذي وقع في معطيات الدلالات المختلفة والمتناقضة، وليس أفضل من البدء في فحص الأمازيغ أنفسهم، من البقايا البشرية السابقة للفترة التاريخية وهي الفترة التي كما نعرف كان فيها السكان الحاليون يعيشون في هذا البلد، وينبغي منطقياً الموافقة على أولوية الأنثروبولوجيا، فهذا العلم لا يسمح فقط بتحديد أصالة الأمازيغ ضمن سكّان الجنوب المتوسّطي، بل يسمح أيضاً بتبيان مجموعات الأمازيغ في هذا الربع".
الثقافة الامازيغية
ينفي محمد شفيق مقولة إن البربر لم ينشـئوا ثقافة ذاتية يختصون بها، وقال إنه يعتبر هذا الحكم صائباً من له تصور تقليدي لمفهوم الثقافـة، إذ يجعله ينحصر في حيز المآثر الأدبية المكتوبة، ويعتبـره غير صائب مـن له تصور شـمولي أنثروبولوجي عصري لمفهوم الثقافـة، والواقع أن للأمازيغيين ثقافـة خاصة بهم توارثوها عبـر العصور منذ آلاف السـنين، ويصعب علـى الباحث أن يتتبع مراحـل تطورها في ما يخص الجوانـب المعتمـدة للكتابة، لكنه يستطيع أن يشخص بسهولة كل الجوانب الأخرى، ولا بد في هذا الصدد من التنبيه إلى أن الثقافة الأمازيغية لم تنحصر، منذ ما يقارب من ثلاثـة آلاف عام، في ما هو خاص بهم متوارث عندهم".
لثقافتهم شقان
ويضيف "لثقافـة الأمازيغيـين شـقان، أحدهما خـاص بهم، هو رصيدهـم الأول المتـوارث، بعـض عناصره شـبه مجمـدة لا تزال محافظة على أشكالها التي نشـأت عليها نشـأته الأولى في غابر الأزمـان، كالمعمار والزخرف في الزربية (سجاد) والخزف والوشـم وواجهات المباني، وبعضها يحتمل في وجـوده انه تطور عبر العصور، لكنه احتفـظ مع ذلـك بطابعـه الأمازيغـي المتميز، كاللغـة والأدب الشـفوي والرقص والغنـاء والتقاليد الاجتماعية والسياسـية. وشـق ثقافتهـم الثاني هو ما اخذوه عن الثقافـات الفينيقية واليونانية واللاتينية والعربية الاسلامية والفرنسية والاسبانية، وما أسهموا به في بلورة تلك الثقافات نفسها".
تعريب الأمازيغ؟
بخلاف العديد من الدراسات التي ترى أن العرب الفاتحين لشمال إفريقيا هم من قام بتعريب الأمازيغ، يرى الكاتب الامازيغي محمد بودهان أنهم هم من عرّبوا أنفسهم ويقول "يجدر بنا أن ندرك أن هذا الاستعمال التعريبي للإسلام من طرف الأمازيغ أنفسهم، إذا كان يرجع في البداية إلى خلطهم بين الإسلام والعروبة، فإن سببه الثاني سيكون هو توظيف ذلك الخلط الأول من أجل خلط آخر، هو الخلط بين الإسلام والسياسة، أي السلطة والحكم، والذي تؤكدّه المقولة المشهورة إن "الإسلام دين ودولة".
ويتابع "فإذا كان الخلط الأول بين الإسلام والعروبة يُغري الأمازيغي على التنكّر لأمازيغيته وانتحال الانتساب إلى العرب حتى "يصحّ" إسلامه، بحسب اعتقاده الخاطئ نتيجة وقوعه ضحية وعي زائف، فإن الخلط الثاني بين الإسلام والسياسة سيشجّعه على الانتحال نفسه، لكن من أجل ممارسة مهام سياسية وقيادية، وبلوغ مواقع السلطة والحكم، وهكذا أصبح انتحال النسب العربي ليس فقط شرطاً لـ "صحّة" إسلام الإنسان الأمازيغي، دائماً بحسب اعتقاده الخاطئ، بل شرطاً لاحتلاله مناصب السلطة السياسية".
العروبة والسياسة
ويضيف "ومع مرور الأيام وتوالي الممارسة، سيطغى الخلط بين الإسلام والسياسة على الخلط بين الإسلام والعروبة، إذ لم يعد هذا الخلط الأخير سوى وسيلة لخدمة الخلط الثاني، فحتى يكون الأمازيغي مسلماً عليه، دائماً بحسب اعتقاده الخاطئ نتيجة استلابه ووعيه الزائف، أن يتخلّى عن أمازيغيته ويعلن أنه عربي النسب والحسب، وهو ما يؤهله لممارسة الوظائف السياسية كأن يكون حاكماً أو أميراً أو سلطاناً. فالعلاقة بين العناصر الثلاثة (الإسلام، العروبة والسياسة) تعطي المعادلة التالية بما أن الإسلام لا ينفصل عن العروبة (الخلط بين الإسلام والعروبة) ولا ينفصل عن السياسة (الإسلام دين ودولة، أي أنه الأساس الذي تقوم عليه الدولة)، فالنتيجة أن العروبة لا تنفصل عن ممارسة السياسة، أي أنها الأساس الذي تقوم عليه الدولة والسلطة السياسية".
ترسيم الامازيغية
قام المغرب ولأول مرة بجعل الامازيغية لغة رسمية للبلاد الى جانب العربية، وذلك في دستور 2011، في حين يتساءل الكاتب الامازيغي محمد بودهان في كتاب "في الهوية الامازيغية للمغرب" ما إذا كان جعل الامازيغية لغة رسمية مطلباً سياسياً أم ثقافياً فقط؟ و يقول "ظلت الحركة الثقافية الأمازيغية، ولمدة طويلة، تطالب بالترسيم الدستوري للغة الأمازيغية كأعلى سقف مطلبي لها، وهو ما كان يعتبر مطلباً ذا مضمون سياسي واضح، تجاوزت فيه الحركة الأمازيغية المطالبة برد الاعتبار للغة والثقافة والتراث والتاريخ الأمازيغيين، إلى المطالبة بالترسيم الدستوري للغة الأمازيغية كأسمى اعتراف سياسي بالأمازيغية من طرف أسمى قانون في الدولة الذي هو الدستور".
ليست... مطلباً سياسياً
ويضيف "لكن هل هذا المطلب، أي ترسيم اللغة الأمازيغية، هو فعلا مطلب سياسي؟ أم أنه لا يخرج، كغيره من المطالب الأخرى، عن دائرة ما هو ثقافي؟ المعروف أن المطالب السياسية هي تلك التي ترمي إلى الوصول للسلطة السياسية وممارسة الحكم، كما عند الأحزاب السياسية التي توصف بـ "السياسية" لأن هدفها هو السلطة السياسية. فهل الترسيم الدستوري للغة الأمازيغية يعني أن الحركة الأمازيغية ستصبح حاكمة ومالكة للسلطة السياسية؟ الجواب طبعا لا. إذا، مطلب ترسيم اللغة الأمازيغية ليس في الحقيقة مطلباً سياسياً، بل هو مجرد وسيلة، ليس للوصول إلى السلطة السياسية كما في المطالب السياسية الحقيقية، بل لتوفير الحماية القانونية للغة الأمازيغية التي هي عنصر ثقافي ولا علاقة مباشرة له بالحكم والسياسية.
ويتابع "وعليه، فإن هدف هذا المطلب "السياسي" ليس سياسياً، بل هو ثقافي ولغوي، ولهذا قررت السلطة الترسيم الدستوري للغة الأمازيغية ما دام هذا الترسيم لا ينتج عنه أي تغيير في الهوية العربية للسلطة السياسية الحاكمة بالمغرب، وإن كان يشكل حماية دستورية قوية للغة الأمازيغية".