لو فكرتم بالصورة النمطية للمرأة العزباء، لا شك في أن بريدجيت جونز ستخطر في بالكم. ربما تذكرونها وهي ترتدي ملابس النوم المتناسقة من الفلانيل وتردد كلمات أغنية جيمس أونيل "وحدي" All By Myself وبقربها قنينة نبيذ فارغة وصحن ممتلئ بأعقاب السجائر، أو ربما تذكرونها وهي تتلوى من الخجل حين يكتشف دانييل كليفر سروالها الداخلي "الضخم".
ومع أن كتاب هيلين فيلدينغ الأكثر مبيعاً، مذكرات بريدجيت جونز، نُشر منذ ربع قرن في العام 1996، وتلاه بعد خمس سنوات الفيلم المقتبس عنه للمخرج ريتشارد كورتيس، فمعظم الأمور التي وردت فيه عن نظرة المجتمع إلى المرأة العزباء، سواء عن قصد أم بغير قصد، ما زالت تؤثر في النساء اليوم، إذ كشف استطلاع للآراء من العام 2020 أن بريدجيت جونز هي البطلة السينمائية الأكثر تأثيراً على الإطلاق.
وعلى الرغم من أن جونز ما زالت محبوبة، غير أنها لا تشكل فعلياً انعكاساً للعصر الحالي. وفيما يسعى الفيلم جاهداً للسخرية من بعض الأفكار النمطية المحيطة بالعزوبية، إلا أنه يتبنى العديد منها.
منذ البداية يبدو أن الفيلم ينوي السخرية من النظرة النمطية إلى النساء العازبات باعتبارهن حزينات ووحيدات. أتذكرون مشهد بريدجيت جونز، وحيدة في منزلها، تشاهد فيلم الانجذاب القاتل Fatal Attraction؟ أو عندما تُصور مع كثير من الإيحاءات الجنسية عند ارتدائها زي الأرنب مثل فتيات بلايبوي، أو في مشهد "هل التنورة غائبة عن العمل بداعي المرض؟"، في محاولة بائسة للإيقاع برجل؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن بريدجيت تراقب نفسها باستمرار، وتعد السعرات الحرارية التي تتناولها وتسجل وزنها، وهي تضغط على نفسها لكي تمارس الرياضة أكثر وتخفف من شرب الكحول وتغير بعض النواحي في شخصيتها سعياً إلى العثور على الحب الرومانسي.
وتقول إيا هوغ أوتفت Ea Høg Utoft، باحثة شؤون المساواة بين الجنسين في مركز الدراسات الدنماركي للأبحاث وسياسات الأبحاث، "هذا تصوير للعزوبية باعتبارها مشكلة تنتظر حلاً". والأكثر من ذلك هو تلميحه إلى أنه في حال فشلت بريدجيت في العثور على شريك (تحذير من إفشاء القصة: تجد بريدجيت شريكاً) فهي وحدها المُلامة.
والتضخيم يطال هذه النقطة كذلك من حيث كون عزوبية بريدجيت، تماماً مثل حال كاري برادشو في مسلسل الجنس والمدينة Sex and the City مرادفاً للإفراط في شرب الكحول والتدخين، كما لو أن العزوبية من المخاطر الصحية، بحسب ما تشير الدكتورة أنثيا تايلور، الكاتبة وكبيرة المحاضرين في قسم دراسات الجنس الاجتماعي والثقافة في جامعة سيدني. وتضيف، "عندما عُرض الفيلم في العام 2001، تحولت بريدجيت إلى صورة كاريكاتورية في الصحف، وغالباً ما استخدمت صور من الفيلم في مقالات تتحسر على زيادة عدد النساء العازبات إلى جانب قصص تبث الذعر الأخلاقي من انخفاض نسب الخصوبة وحتى دمار الحياة العائلية".
وتعتبر بريدجيت قصة تحذيرية، كما لو أن العزوبية حولتها إلى فشل اجتماعي. في بداية الفيلم، تقول والدة بريدجيت لها بسطحية إنها لن تجد أي صديق حميم لو كانت تبدو كما لو أنها "خرجت للتو من معسكر الاعتقال في أوشفيتز"، فتوضح تماماً بالتالي بأن هذا هو الهدف الوحيد المقبول لابنتها، وهناك أيضاً مشهد ذهاب بريدجيت إلى مأدبة عشاء كل الموجودين فيها متزوجون، حيث يدعوها أحد الحضور وهو شخص متعجرف وكريه بالـ "مُسنّة"، ويقول لها "يجب أن تحملي بسرعة" لأن وقتها بدأ بالنفاد، حتى أنه يستخدم عبارة "عقارب الساعة تدق".
بالطبع، في النهاية لا "تفشل" بريدجيت لأنها ترتبط بالسيد دارسي، وهي نقطة اعتبرت الناقدات النسويات أنها تُضعف بالكامل مبدأ نموذج المرأة القوية بسبب تصوير هويتها كعزباء على أنها شكل من أشكال المطهر: مكان تعلق فيه بريدجيت وتدخن علبة تلو الأخرى من سجائر مارلبورو بانتظار أن تجد شريكاً. ومن هذه الناحية، يصور الفيلم العزوبية على أنها حال انتظار، وهو اتجاه لاحظته الدراسة الأكاديمية "العزوبية والانتظار وسوسيولوجية الوقت" لكينيريت لاهاد التي تكتب "تُسأل المرأة العازبة باستمرار إن كانت "ما زالت عازبة" أو يُطلب منها أن تتزوج تالياً أو سريعاً"، وما يعنيه ذلك هو وجود مهلة زمنية لزواجها.
لكن الفيلم يحارب هذه الفكرة في بعض اللحظات. تخبر بريدجيت الحضور في مأدبة العشاء أن زيجة واحدة من بين كل أربع زيجات تنتهي بالطلاق، مثلاً، فيما تُصور صداقاتها على أنها الأساس العائلي الذي تعتمد عليه كما لو أنها غير مُلزمة بتبني التوقعات الاجتماعية، لكن الحب الرومانسي يظل الأثمن. وتضيف الدكتورة تايلور، "لا تفكر أبداً بالعزوبية على أنها طريقة حياة دائمة، خلافاً للعديد من النساء اليوم".
لماذا إذاً ما زلنا نحب بريدجيت مع أنها تمثل أفكاراً نمطية بائدة بالنسبة للنساء المعاصرات؟ فيما يسهُل النظر إلى القيم التي تصورها مذكرات بريدجيت جونز بالنسبة للنساء واعتبارها بائدة، فالعديد منها ما زال موجوداً حتى يومنا هذا. وتلفت الدكتورة تايلور إلى أن "فكرة قيام امرأة باختيار حياة عزوبية مستمرة من تلقاء نفسها ما زالت لا تتصور إجمالاً، وما زالت عزوبيتها تُعتبر محطة على طريق السعادة الأبدية المتمثلة بالزواج والإنجاب". ومن هذا المنظور، ربما تكون صلة بريدجيت بالواقع ببساطة أنها تتعامل مع قضايا تواجهها النساء العازبات حتى يومنا هذا.
وينجح الفيلم في تناول اتجاه اجتماعي متجذر يُعرف باسم تطبيع العلاقات الرومانسية، وهي عبارة وضعتها بروفيسورة الفلسفة إليزابيث برايك ". فهي [العبارة] تصف الاعتقاد السائد بأن الوضع الأفضل للجميع هو الانضواء في علاقة ثنائية رومانسية وحصرية وطويلة الأمد، وأن الجميع يسعى إلى إقامة علاقة كهذه"، كما تكتب على موقعها. وتقول الدكتورة تايلور "تُعطى العلاقات الرومانسية دائماً الأفضلية على كل أنواع العلاقات الحميمة الأخرى".
ولهذا الموضوع تفسيرات اقتصادية وسوسيولوجية بسيطة. فلنأخذ مثال القوانين والسياسات المتعددة التي تفضل الثنائي على العازبين، مما يجعل المعيشة أغلى ثمناً بكثير لمن ليس لديهم شريك في علاقة رومانسية. وفقاً لأحد تحليلات معهد غود هاوسكيبينغ Good Housekeeping Institute يمكن أن تكلفكم العزوبية أكثر من ألفي جنيه سنوياً بسبب زيادة ثمن كل شيء من العطل إلى التأمين.
وقد وجد تحليل أميركي آخر أن النساء غير المتزوجات قد يدفعن خلال حياتهن ما يوازي مليون دولار (حوالي 726325 جنيه إسترليني) أكثر من أقرانهن المتزوجين على الرعاية الصحية والضرائب وغيرها، وهذه بعض من الأسباب الكثيرة التي دفعت المعالجة النفسية بيلا دي باولو إلى الخروج بعبارة "الوحدوية" لوصف المساوئ العديدة التي تتعرض لها النساء العازبات في المجتمع. وفيما لا ينظر فيلم مذكرات بريدجيت جونز جهاراً إلى الوحدوية، فإن خطر هذه الحالة يلوح في كل جوانب حبكة القصة.
ما عادت بطلات العام 2021 شبيهات بريدجيت عموماً: من الأمور التي أصبحت لدينا الآن ولم تكن موجودة في العام 2001 حركة العزوبية الإيجابية مثلاً، وهي غالباً ما ترتبط بشخصيات مشهورة تناصر تمكين المرأة مثل ليزو (وهي تقول في أغنيتها الشهيرة من العام 2017 "الحقيقة مؤلمة" "لا يقلقني وجود خاتم على إصبعي") وإيما طومسون التي اشتهرت بوصف نفسها بأنها "شريكة نفسها" في العام 2019، وهذه حركة تصور عدداً متزايداً من الأشخاص الرافضين للمعايير الرومانسية، والذين يعيدون تعريف العزوبية ليس باعتبارها حال نقص ورغبة، بل حال رضا. ويزيد عدد الكتب التي تبحث في هذه المسألة، ومنها كتاب كاثرين غراي بعنوان فرح العزوبية غير المتوقع " The Unexpected Joy of Being Single" الذي تشرح فيه الكاتبة توقفها عن المواعدة عاماً كاملاً، سعياً إلى تحقيق الرضا عبر العزوبية.
وعلى الرغم من هذا، فمن الواضح أن بريدجيت جونز ما زالت تعكس شعوراً دفيناً لدى العديد من النساء اليوم، ولو كان فقط الخوف الداخلي من قضائهن ليلة الميلاد وحيدات، يشاهدن فيلم "إنها حياة رائعة" It’s a Wonderful Life، ويرمين شاشة التلفاز بفطائر اللحم في حال من السُكر. لكن لا شك في أن الوقت حان كي تظهر امرأة عازبة جديدة على شاشاتنا، يمكنها أن تتحول إلى أيقونة كما هو الحال مع بريدجيت.
على الرغم من زيادة عدد الأفلام والبرامج التلفزيونية التي تحتفي بالنساء العازبات، مثل فيلم "كيف تكونين عزباء" How to be Single وبرامج مثل "المدينة الواسعة" Broad City، فمن النادر إجمالاً أن نرى شخصية بطلة لا يشكل الحب الرومانسي هدفها الأول. وتسأل الدكتورة تايلور، "ألن يكون من الرائع إن صار نموذج المرأة العازبة طبيعياً في الثقافة الشعبية لدرجة تصبح معها المرأة العزباء عادية تماماً وغير لافتة للنظر؟ سيكون ذلك منعطفاً ونقطة تحول حقيقية، لكننا لم نبلغ تلك المرحلة بعد".
© The Independent