توقع تقرير حديث أن تواجه أرباح البنوك المصرية مزيداً من الضغط خلال العام الحالي، وهو ما يرجع إلى بيئة أسعار الفائدة المنخفضة والزيادة في الديون الرديئة عندما يرفع البنك المركزي المصري إجراءات الدعم التي كان أعلن عنها مع بداية تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد. وتوقعت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، استمرار الضغط على أرباح البنوك، وهو ما يرجع بشكل مباشر إلى تراجع أسعار الفائدة وارتفاع مخصصات القروض مع إنهاء تدابير دعم المقترضين.
يأتي ذلك في الوقت الذي أثبت القطاع المصرفي المصري قدرته على التماسك في ظل اعتماد الحكومة المصرية عليه خلال العام الماضي، بعدما قام البنك المركزي المصري بتمويل خطة تحفيز ضخمة.
أرباح البنوك تتراجع في عام الجائحة
البيانات الرسمية تشير إلى تراجع أرباح القطاع المصرفي المصري إلى 58 مليار جنيه (3.706 مليار دولار) خلال عام 2020 مقابل نحو 83 مليار جنيه (5.303 مليار دولار) خلال عام 2019. وارتفعت مؤشرات العائد على متوسط الأصول لدى متوسط القطاع إلى 1.8 في المئة مقابل 1.4 في المئة، لكن تراجع العائد على حقوق الملكية إلى 23.4 في المئة مقابل 19.2 في المئة، فيما ارتفع صافي هامش العائد إلى 4.1 في المئة مقابل 3 في المئة في 2019.
ووفق بيانات البنك المركزي المصري، فقد سجل صافي إيرادات البنوك المصرية من الفوائد 161.8 مليار جنيه (10.338 مليار دولار) مقابل 154.95 مليار جنيه (9.9 مليار دولار)، فيما ارتفعت المصروفات إلى 193.9 مليار جنيه (12.389 مليار دولار) مقابل 106.6 مليار جنيه (6.811 مليار دولار).
وتراجعت أرباح أكبر 5 بنوك إلى 27.79 مليار جنيه (1.775 مليار دولار) خلال 2020 مقابل 41.67 مليار جنيه (2.662 مليار دولار) خلال عام 2019، وذلك بعدما سجل صافي الدخل من العائد لديها 83.2 مليار جنيه (5.316 مليار دولار) مقابل 80.47 مليار جنيه (5.141 مليار دولار).
فيما انخفضت أرباح أكبر 10 بنوك إلى 39.4 مليار جنيه (2.517 مليار دولار) مقابل 58.79 مليار جنيه (3.756 مليار دولار)، وذلك نتيجة ارتفاع مصروفاتهم إلى 92.9 مليار جنيه (5.936 مليار دولار) مقابل 71.9 مليار جنيه (4.594 مليار دولار) خلال عام 2019.
قيمة القروض المتعثرة تسجل 3.4 في المئة
وذكرت وكالة "فيتش"، أن جودة القروض ما زالت مستقرة حتى الآن، حيث استقرت قيمة القروض المتعثرة في ميزانيات البنوك خلال الجائحة، بمتوسط بلغ 3.4 في المئة في القطاع بأكمله بنهاية الربع الثالث من 2020، وذلك بفضل قرارات البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة، إلى جانب إجراءات مواجهة فيروس كورونا والتي تضمنت تأجيل تحصيل أقساط الديون.
لكن هذا الوضع يمكن أن يتغير مع إنهاء الإجراءات العاجلة للتحفيز الاقتصادي، حيث توقعت الوكالة أن ترتفع نسبة الديون الرديئة إلى 4 في المئة من إجمالي القروض بنهاية 2021 مع إنهاء العمل بالإجراءات التي أعلن عنها البنك المركزي لتخفيف أعباء الديون عن المقترضين.
وقامت البنوك المصرية خلال العام الماضي بتجنيب مبالغ ضخمة في ميزانياتها العمومية كمخصصات من أجل التحوط ضد أي تخلف من جانب المقترضين عن سداد مديونياتهم في ظل تداعيات الجائحة، وهو الأمر الذي لعب دوراً رئيساً في تراجع أرباح البنوك المحلية بنسبة 20 في المئة خلال النصف الأول من 2020 مع تأثرها بارتفاع مخصصات خسائر القروض.
وأكدت "فيتش"، أن زيادة الاعتماد على إقراض الحكومة وكبار المقترضين كنقطة ضعف بالنسبة إلى البنوك. وأضافت "لا نتوقع أن يؤدي ارتفاع الديون الرديئة إلى تآكل رؤوس الأموال، ولكن تظل الرسملة نقطة ضعف من الجانب الائتماني بالنظر إلى التعرض الكبير لدى البنوك للقروض السيادية وأيضاً لكبار المقترضين الأفراد".
وكشفت الوكالة أن الأوضاع المالية للبنوك المصرية ظلت متماسكة خلال الجائحة، على الرغم من تراجع الأرباح التشغيلية التي سجلتها من القروض والعمليات الرئيسة. ويرجع هذا إلى أن جزءاً كبيراً من دخل البنوك يأتي من الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، كما أن نسبة الديون إلى الودائع لدى البنوك منخفضة بالمعايير الدولية.
في الوقت نفسه، فإن السيولة الأجنبية لدى البنوك المحلية عرضة أيضاً للصدمات الخارجية، حيث تراجع صافي الأصول الأجنبية لدى البنوك المصرية بنسبة 45 في المئة على أساس شهري في مارس (آذار) 2020 مع بدء الجائحة، مع قيام البنوك بإتاحة كميات كبيرة من السيولة الدولارية إلى المستثمرين الأجانب الذين سحبوا 18 مليار دولار خلال شهر واحد. ومع ذلك، واصل صافي الأصول الأجنبية في القطاع المصرفي التعافي منذ ذلك الحين، ولكنها ما زالت عرضة للتدفقات الخارجة لرؤوس الأموال.
متى يظهر تأثير خفض أسعار الفائدة؟
كان بنك الاستثمار "فاروس"، قد توقع في مذكرة بحثية حديثة، أن يظهر أثر خفض أسعار الفائدة بـ 400 نقطة أساس خلال 2020 بواقع 300 نقطة في مارس الماضي، ثم 50 نقطة في سبتمبر (أيلول) الماضي، و50 نقطة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، خلال عام 2021، وسيساعد الشركات على بدء التوسع في الاقتراض لتمويل الإنفاق الرأسمالي في استثمارات وتوسعات جديدة، ولكن طفرة الاقتراض ستؤتي ثمارها خلال عام 2022 بمساعدة ديناميكيات الاقتصاد الكلي، كما يمكن أن يؤدي ارتفاع الاقتراض بغرض الإنفاق الرأسمالي إلى تعزيز معدلات استخدام الأصول لدى البنوك إذا تجاوز معدل نمو الإقراض بها معدل نمو مصادر تمويلها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوقع تراجع مخصصات البنوك للاستثمار في أذون وسندات الخزانة هذا العام، وهو ما يرجع جزئياً إلى التقليص المتوقع لعجز موازنة الدولة هذا العام، ما يعني انخفاضاً في إصدارات الدولة من أدوات الدين. فيما يأتي جزء كبير من دخل البنوك من الاستثمار في أدوات الدين الحكومية، وكثير منها راكمت من استثماراتها في السندات طويلة الأجل في ظل ذروة الجائحة خلال الربع الثاني من 2020. وساعدت تلك الخطوة البنوك في الحفاظ على قوة أساساتها المالية، حتى مع زيادة المخصصات المجنبة لخسائر القروض المتوقعة، بناءً على التوقعات بموجة من القروض المتعثرة والمعدومة.
ومع توقعات البنك المركزي المصري بمواصلة دورة التيسير النقدي خلال عام 2021، فمن المتوقع أن يقع صافي هوامش الفائدة تحت الضغط هذا العام وحتى 2022. وقال "فاروس"، إنه إذا تمت إضافة ما سبق إلى ارتفاع الضرائب والرسوم الجديدة، فإن هذه المعطيات تشير إلى أن نمو أرباح البنوك سيتباطأ.
وأشار إلى تعديلات قانون ضريبة الدخل لعام 2019، والتي رفعت فعلياً من سعر الضريبة الذي تدفعه البنوك على أرباحها من الاستثمار في أذون وسندات الخزانة، وهو أحد الضغوط الرئيسة على نمو أرباح البنوك هذا العام، إلى جانب المساهمة التكافلية في منظومة التأمين الصحي الشامل، واقتطاع واحد في المئة من الأرباح السنوية للبنوك لصالح صندوق دعم وتطوير القطاع المصرفي، و0.5 في المئة من قيمة ودائع البنوك يجري تكوينها على مدى الـ10 سنوات المقبلة وتخصص لصالح صندوق تمويل إجراءات تسوية أوضاع البنوك المتعثرة.
وذكر أن رسوم المساهمة التكافلية للتأمين الصحي والأرباح المقتطعة لصالح صندوق دعم وتطوير القطاع المصرفي لن تؤثر كثيراً على ربحية البنوك، وذكر أن الاندماجات هي إحدى النتائج المحتملة لقانون البنك المركزي الجديد، والذي رفع متطلبات الحد الأدنى لرأس مال البنوك التجارية إلى خمسة مليارات جنيه (0.320 مليار دولار)، بدلاً من 500 مليون جنيه (32.051 مليون دولار).
نظام مصرفي مستقر في 2021
في المقابل، كانت وكالة "موديز" قالت إن النظام المصرفي المصري سيبقى مستقراً خلال 2021، حتى لو تعرضت الربحية للضغوط جراء ارتفاع خسائر القروض وانخفاض الدخل من الفوائد. وأوضحت أن ربحية البنوك المصرية ستظل جيدة مقارنة بنظرائها، مرجعة ذلك إلى قرار البنك المركزي بشأن تجميد توزيعات الأرباح، وهو ما تراه المؤسسة كافياً لامتصاص نمو الأصول المرجحة بالمخاطر، والحفاظ على نسب رأس المال مستقرة بما سيعوض الأرباح المنخفضة.
كان البنك المركزي قرر عدم السماح للبنوك بإجراء توزيعات نقدية من الأرباح السنوية أو المحتجزة القابلة للتوزيع على المساهمين. وتوقعت "موديز" ارتفاع معدلات القروض المتعثرة، مع تباطؤ النشاط التجاري والاستهلاك المنخفض، والاضطرابات في قطاعي السياحة والإنشاءات، والتي تؤثر في قدرة المقترضين على السداد، بالتالي ستسبب ارتفاعاً في القروض المتعثرة والتي عادة ما تسجل 3.9 في المئة في المتوسط.
وأوضحت أن خفض أسعار الفائدة خلال 2020 بواقع 400 نقطة أساس سيؤدي إلى تقليص هوامش صافي الفائدة، ما يضع البنوك تحت الضغط. وأكدت أن البنوك تحتفظ بنحو 20 في المئة من أصولها في صورة نقدية وأرصدة متداولة بين البنوك، إضافة إلى 39 في المئة أخرى في السندات الحكومية، وعلى الرغم من ذلك ستواجه البنوك المملوكة للدولة نقصاً في السيولة بالعملات الأجنبية، لافتة إلى أن البنوك لديها ودائع كبيرة من العملاء بما يكفي لتمويل الإقراض.