فرضت وسائل التواصل الاجتماعي نفسها، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياة الناس اليومية، كما أنها تحولت في زمن كورونا إلى منابر يعبرون من خلالها عن مواهبهم، وفي مقدمتها تطبيق "تيك توك"، الذي أسهم في صناعة نجوم لهم جمهورهم الافتراضي الذي يتابعهم نفسه.
كل الحروب والثورات والأحداث الكبرى التي حصلت عبر التاريخ، نتج عنها تغيير في المجتمعات، وظهور أنماط موسيقية جديدة، لكون الفنون مرآة المجتمع وانعكاساً له. ولأن أزمة كورونا العالمية، شكلت منعطفاً كبيراً ومفصلياً في حياة الناس، فمن الطبيعي أن ينتج عنها، نوع جديد من الفن، نلمسه من خلال انتشار أغان لفنانين مغمورين عبر تطبيق "تيك توك" ويرددها الناس بقوة.
واللافت في ظاهرة فناني "تيك توك" أنها تتيح الفرصة أمام مئات بل آلاف الفنانين حول العالم لكي يقدموا فنهم، من دون عراقيل وبسهولة لا متناهية. فما مصير هؤلاء، وهل ستبقى شهرتهم محصورة في إطار السوشيال ميديا وجماهيريتهم وهمية، كما الوسائل التي يستخدمونها، أم أنهم سيتمكنون مستقبلاً، من فرض أنفسهم على الساحة الفنية ومنافسة نجومها الحاليين، في الغناء والحفلات؟
ما قبل كورونا وما بعدها
الفنان بلال الزين الذي يعيش في السويد، منذ ثلاث سنوات، رأى "أن كورونا غيرت كل شيء وجعلت الإنترنت جزءاً أساسياً من حياة الإنسان، بسبب الحجر الصحي. لكن الإنسان يعتاد على كل شيء، وعندما تنتهي كورونا لن يعود كما كان عليه قبلها، لأنه وصل إلى مرحلة يستطيع معها، بواسطة هاتف صغير يحمله بيده أن يستخدم تطبيقات مختلفة. عند بداية أزمة كورونا، نصح الخبراء الناس بالاتجاه نحو المشاريع التي ترتبط بالإنترنت، وهذا ما حصل فعلاً، حين تهاوت شركات صغيرة مقابل صعود لافت في "فيسبوك" و"أمازون". شخصياً، أنا أعتبر أننا نعيش حرباً بيولوجية، وكورونا هي الخطوة الأولى فيها وستليها خطوات أخرى. أما فنياً، وحتى قبل كورونا، فإن محطات التلفزة بدأت تستعين بالفنانين الذين لديهم أعلى نسبة مشاهدة ومتابعة عبر "السوشيال ميديا" التي تحولت إلى معيار، مما إلى تراجع وسائل الإعلام لمصلحة السوشيال ميديا".
ويشير الزين إلى أنه يؤيد السوشيال ميديا في العالم العربي، ويفسر السبب قائلاً "لأنها عادلة في التعاطي مع الفنانين على عكس وسائل الإعلام. محطات التلفزة لم تكن تبرز إلا السيئين على شاشاتها، أما السوشيال ميديا، فإنها تعطي الفرصة للجميع وبشكل متساوٍ. ويبقى الأمر مرتبطاً بثقافة المجتمع، لأنه عندما تضرب أغنية سخيفة، فهذا يعني أن المجتمع سخيف وسطحي، ولا يكفي أن نقول محمد عبد الوهاب ووديع الصافي وفيروز يقدمون فناً راقياً، بل يجب أن نضيف إليهم المستمعين، لأنه عندما كان هناك فن راقٍ كان هناك أيضاً مستمع راقٍ. أحياناً يقال لن يأتي فنانون بحجم تلك الأسماء وهذا غير صحيح، لأن الله الذي خلقهم يمكن أن يخلق من هم بموهبتهم، ولكن المستوى الثقافي هو الذي تراجع".
إلى ذلك، يعتبر الزين أن من يطلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي كـ"يوتيوب" و"تيك توك" هم فنانون حقيقيون، لديهم جمهور كبير، والمتعهدون سوف يستعينون بهم في الحفلات. وإذا تمكنوا من تحقيق الاستمرارية وتراكمت نجاحاتهم، فهم قادرون على منافسة النجوم الموجودين حالياً على الساحة". ثم تساءل "في الأساس هل هناك فنانون موجودون على الساحة! ما عدا أولئك الذين يعيشون على أسمائهم، بعد تكبير شركات الإنتاج لهم. وفي الحقيقة بعض المغمورين الذين يطلون عبر السوشيال ميديا يعملون أكثر من كبار النجوم الحاليين".
ونوه الزين بأن الموسيقى بعد كورونا صارت أكثر تنوعاً، مضيفاً "لم يعد هناك تحكم بنوع معين، يقدمه الفنان على محطة تلفزيونية لأن صاحبها صديق له، بل أصبحت الفرصة متاحة للجميع. هناك من يقول إن السوشيال ميديا تضيء على الصالح والطالح، وأنا أقول لا بأس، لأن محطات التلفزة كان تبرز الطالح فقط".
الفنان سليم عساف يشير إلى تغير في العصر سوف يتغير ويتطور معه كل شيء سوف ينعكس على كل مناحي الحياة وحتى على الفن سلباً وإيجاباً. ويوضح "إيجاباً، لأن من يملك الموهبة لم يعد بحاجة إلى محطة لكي تضيء على موهبته، ربما تظلمه وربما لا، لأنه أصبح له قناته الخاصة، التي يقدم عبرها مادة فنية، يشاهدها الناس عبر هواتفهم، وتكمن الصعوبة في قدرته على الوصول إلى كل الناس عبرها واستمرارية فناني "تيك توك" ترتبط بنجاح أغانيهم وقدرتهم على تقديم الجديد".
موضة الموسم
الفنان ميشال فاضل الذي وصف التيك توك بـ"موضة الموسم"، شدد على أهمية السوشيال ميديا حتى بالنسبة إلى الفنانين لكونها في متناول اليدين، وأضاف "هي تحولت إلى شو بيزنس جديد لهم لأنهم لا يدفعون المال للترويج لأعمالهم، كما كانوا يفعلون في الإذاعات والتلفزيونات. اليوم أصبح بإمكان أي شخص لديه فن جميل أن يقدمه عبر تيك توك، ولم يعد بحاجة إلى شركات إنتاج ودعم مادي للانطلاق فنياً. الحياة تغيرت ومعها تغير الشو بيزنس في المجال الفني، وبفضله أصبح الانتشار أسهل وأسرع".
ورأى فاضل أن الأشخاص الذين يقدمون فنهم عبر "تيك توك" يمكن أن يتحولوا مع الوقت إلى نجوم، موضحاً أن "جمهورهم هو الأفضل والأوفى والأصدق، متعلق بهم ويتابعهم طوال الوقت ولا يمكن أن يتخلى عنهم. وهذا الجمهور ليس وهمياً، بل هو حقيقي وصادق، ويتبعهم إلى حضور حفلاتهم الحية، عندما تختفي كورونا".
وبما أن المستقبل هو لفناني السوشيال ميديا، فهل هذا يعني أن زمن النجوم الموجودين حالياً انتهى كما حفلاتهم الحية، يجيب: "لن يلغي أحدهما الآخر، بل سيوجد كلاهما معاً. كل من يقدم فناً جميلاً لا بد وأن يصل ويصبح لديه قاعدة شعبية".
مواهب مدفونة
الناقد الفني جمال فياض، يؤكد أن "أزمة كورونا لا بد من أن تترك أثراً على مختلف مجالات الحياة، تماماً كما يحصل في الحروب والأزمات الاقتصادية، خصوصاً أنه كان قد سبقها أزمات اقتصادية وسياسية في بعض الدول العربية. مثلاً، مصر تأثرت كثيراً بأزماتها الاقتصادية والسياسية، التي تركت عليها نتائجها السلبية كما الإيجابية". ويتابع "الأغنية الهابطة هي نتيجة التطور التقني، وبفضلها أصبحت بعض الأغاني تصنع إلكترونياً وليس في مطبخ فني، كما كان يحصل سابقاً. لا شك أن كل أنواع الفنون سوف تتأثر كالسينما والدراما التلفزيونية وليس الغناء وحسب، وسوف تتناول العديد من الأعمال الفنية في الفترة المقبلة، أزمة كورونا وتبعاتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يشدد فياض على أهمية تطبيق "تيك توك" لأنه يتيح الفرصة للإضاءة على المواهب من مختلف المجالات، ويضيف "لا شك أنه الوسيلة الأفضل للوصول إلى الناس، لمن يملك الموهبة ولا يحظى بدعم الإعلام. كلنا نعرف أن هناك مواهب مدفونة، تجد نفسها عاجزة عن إبراز موهبتها، و"تيك توك" هو وسيلة كسائر وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى، يستعين بها الأشخاص المغمورون، لكسب الشهرة والنجومية".
وفي المقابل لا يرى فياض أن الغناء عبر "تيك توك" يمكن أن يحل مكان الحفلات الحية، إذ يقول "بل هو مجرد وسيلة جديدة لتحقيق الانتشار للمواهب غير المعروفة. الفرق بين تيك توك وإنستغرام أن الأول يتميز ببعض المؤثرات، كمطابقة الصوت واعتماد طريقة مونتاج مختلفة، ومع الوقت يمكن أن تقلد كل التطبيقات بعضها بعضاً".
وعن إمكانية تحول نجوم "تيك توك" إلى نجوم قادرين على المنافسة، يرى فياض أن الموهبة التي يعرف صاحبها كيف يطورها، وكيف يجعلها تحظى بالإعجاب، لا بد وأن يصل إلى النجومية. ويتابع "يمكن تشبيه تيك توك ببرامج الهواة، ومن يعجب الناس لا شك أنه سيفرض نفسه".