"بوتشيلي" في العلا أمام حضور محدود وتاريخ ممتد

"مسرح شيده الأنباط في مملكة دادان قبل نحو 3000 عام وصوت قادم من عصر النشأة الأولى للأوبرا الإيطالية من القرن السابع عشر"، يبدو أن هذه هي الجملة التي تصف ليلة الثامن من أبريل (نيسان)، حين استضافت السعودية أشهر مطربي الأوبرا العالمية، الإيطالي أندريا بوتشيلي، في محافظة العلا شمال غربي البلاد، والتي جاءت لتكسر جمود الخوف بالموسيقى في منطقة الحِجر، أول موقع سعودي يصنفه اليونسكو في قائمته للتراث العالمي.

ففي عصر "كورونا" الذي أرعب العالم بأسره، انطلقت حنجرة بوتشيلي في حفل باذخ في الهواء الطلق وبين الجبال العتيقة ونقوش أزمنة الحضارات القديمة، كانت الأمسية الأولى التي تقام ولأول مرة بموقع تاريخي قديم، لكنها لم تكن الأولى للأوبرالي العالمي بل الثالثة على التوالي، بعد أن أقام نسختين في مسرح المرايا المجاور للمنطقة الأثرية.

حفل بـ300 شخص

ووفقاً لما تقتضيه أنظمة البلاد المتشددة تجاه كورونا وتدابيره، اقتصر الحفل الأوبرالي على 300 شخص فقط، لكن الملايين من خلف الشاشات كانوا على موعد مع النجم الإيطالي الذي قضى ظهيرة ذلك اليوم بين نقوش المدينة التي يعود تاريخها لآلاف السنين، والتي أطلقت بالأمس مبادرة "رحلة عبر الزمن"، تهدف لإعادة إحياء المدينة وتأهيلها سياحياً واستثمارياً، ضمن خطط انطلقت منذ 2017 حين أُنشئت "الهيئة الملكية لمحافظة العلا"، من أجل استثمار عراقة قرون ما قبل الميلاد في القرن الواحد والعشرين.

بدأ الحفل في الساعة العاشرة بتوقيت السعودية، وكان الإيطالي الكفيف الذي قالت عنه أمه ذات يوم إن "الموسيقى هي الشي الوحيد الذي يريحه"، محاطاً بفرقته الموسيقية في الهواء الطلق بين الجبال والنقوش الأثرية وأضواء خافتة بين أقدم مقابر الأرض العتيقة، وهو مسرح طغت عليه الطبيعة وطقوسها ولم يكن للإنسان فيه سوى الصمت والرحلة عبر الزمن.

شارك الستيني المثير الذي دعا ابنته للغناء معه، مجموعة من الموسيقيين من فرقة "الفيلهارمونية" العربية، وفنانون آخرون أمثال لورين ألريد، وابنه ماتيو بوتشيلي، السوبرانو فرانشيسكا مايونتشي، مع الموسيقي يوجين كون.

بوتشيلي الذي قادته أقدار أغنيته الشهيرة Sogno نحو الشهرة العالمية عام 1999، يأتي إلى العلا السعودية بعد أشهر من إحيائه حفلاً قال عنه موقع "يوتيوب"، إن عدد من شاهده وقت العرض في أبريل (نيسان) 2020، بلغ 2.8 مليون عند الذروة، وهو "أكبر جمهور لحفل مباشر للموسيقى الكلاسيكية في تاريخ يوتيوب".

عن موقع الحفل

وتنتشر في المدينة التي استضافت الحفل آلاف من النقوش الأثرية التي أصبحت محط أنظار السياح وعلماء الآثار، وهي ما اكسبت المدينة أهمية كبرى والتي يعود تاريخ بعضها إلى عام 644 ميلادية.

بوتشيلي أثناء جولته في آثار العلا صباح اليوم (الهيئة الملكية بالعلا)

كما تحظى المدينة الأثرية بأهمية بالغة في خطط التنمية القائمة اليوم، وهي التي لم تكن حتى سنوات قريبة كما كانت عليه بعد "شتاء طنطورة" وفعاليات المناطيد الملونة.

حفلات "العلا" تأتي كعامل جذب سياحي وترفيهي، كما أن هيئة العلا الملكية ووزارة السياحة في البلاد قامتا بتجهيز منتجعات برية وفنادق عصرية، حين استقطبت في الموسمين الماضيين مشاهير من أنحاء عالمية مختلفة، كانوا قد غنوا على مسرح "مرايا" الشهير.