تمثل سلسلة جبال وتلال حمرين الممتدة بين ثلاث محافظات عراقية شمال البلاد وهي ديالى وصلاح الدين وكركوك، قاعدة أساسية ومهمة لانطلاق هجمات "داعش" على مناطق واسعة من هذه المحافظات وصولاً إلى أطراف العاصمة بغداد.
وعلى الرغم من نجاح القوات العراقية في خفض معدلات هجمات التنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية في المحافظات الثلاث، من خلال سلسلة من العمليات العسكرية المدعومة من طيران التحالف الدولي، إلا أن التنظيم لا يزال قادراً على شن هجمات بين الحين والآخر تستهدف مناطق جلولاء وخانقين، وأطراف المقدادية في ديالى، ومحيط الحويجة في كركوك، وأطراف قضاء طوز خرماتو والجزيرة، وأطراف بلد، والدجيل في محافظة صلاح الدين.
وأسفرت هذه الهجمات خلال الأشهر القليلة الماضية عن مقتل وإصابة العشرات من عناصر الأجهزة الأمنية من الجيش والشرطة، إضافة إلى "الحشد الشعبي" وعدد من المدنيين، لكنها بدت محدودة قياساً بما شهده مطلع عام 2020 ونهاية عام 2019 من ارتفاع في معدل عمليات "داعش".
مقتل 60 مسلحاً
وفي عملية جديدة للقوات العراقية قتل خلالها أكثر من 60 مسلحاً من التنظيم في قصف جوي استهدف مخابئ تابعة لهم في سلسة جبال حمرين.
وقال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة يحيى رسول، في بيان له، إن "قوات جهاز مكافحة الإرهاب (نخبة الجيش) زوّدت الطائرات المقاتلة العراقية بالمعلومات حول أماكن مخابئ عناصر "داعش" في سلسلة جبال حمرين".
وأضاف أن الطائرات العراقية قصفت مواقع ومخابئ التنظيم في المنطقة الجبلية بتاريخ 25 مارس (آذار)، ودمرتها بشكل كامل.
وأشار إلى أن قوات جهاز مكافحة الإرهاب تتبعت عناصر التنظيم الفارين من جبال قره جوخ الحدودية بين نينوى وأربيل، من دون أن تقوم باستهدافهم لحين اكتشفت مخابئهم في سلسلة جبال حمرين.
وبيّن أن القوات الأمنية نفذت عملية تفتيش وتطهير السلسلة الجبلية المحيطة ببحيرة حمرين والمناطق المحاذية لها شمال السعدية في قاطع عمليات ديالى، وأنها عثرت على عدد من الأوكار لإرهابيي "داعش" تحتوي على كميات من الأسلحة والمتفجرات.
تقدم مهم
ويقول مدير مركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية معتز محي عبد الحميد إن المعلومات التي حصلت عليها القوات الأمنية من خلال إلقاء القبض على قيادات "داعش" مكّنتها من إحراز تقدم في جبال مكحول الوعرة والتي تضم مغارات تم إنشاؤها إبان نظام صدام حسين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف عبد الحميد "أن سلسلة جبال حمرين ومكحول تقع في حدود ثلاث محافظات، تبدأ من ديالى باتجاه صلاح الدين وتنتهي بكركوك، مبيناً أن مؤسسة مختصة بصنع الأسلحة وتطويرها حملت اسم "هيئة التصنيع العسكري" في زمن النظام السابق قامت بحفر أنفاق وخنادق بتقنيات عالية الدقة وبأعماق كبيرة تحت الأرض، واستخدمت هذه المغارات في تجارب الأسلحة وخزنها، وتمت تجربة المدفع العملاق في تلك المنطقة في حينها".
دعم التحالف الدولي
ويضيف أن المسلحين استخدموا هذه المغارات وهم يعلمون جيداً طبيعة الأرض ومداخل ومخارج تلك المغارات وهي توفر ملاذاً جيداً لهم، وهم يعلمون جيداً الطرق التي ممكن أن يسلكونها في الهرب عند مباغتتهم من قبل الأجهزة الأمنية، لافتاً إلى أن العمليات العسكرية السابقة لم تنجح في ملاحقتهم، ولذلك استعانت الأجهزة الأمنية بقوات التحالف الدولي.
وتابع عبد الحميد أن الجهد الاستخباراتي كشف مكان وجود الإرهابيين ما أسهم في القبض على قيادات "داعش" والحصول على وثائق مهمة عن طبيعة المنطقة، معتبراً أن مقتل هؤلاء القيادات دليل على أن الجهد الاستخباراتي تم استثماره من خلال التنبؤ بالجريمة قبل وقوعها، وهذا ما يدعو للتفاؤل في تغيير الخطط السابقة .
الخطر في سهل نينوى
كما شدد على أهمية استمرار الضغط عبر هذه الحملة العسكرية ولا تقتصر بحملة واحدة، كاشفاً عن دعوات لتشكيل قوات خاصة مدربة على القتال بمثل هذه الأماكن الوعرة، ما يتطلب تدريباً إضافياً مكثفاً للقوات الأمنية العراقية.
وهناك أماكن أخرى يوجد فيها تنظيم "داعش" مثل سهل نينوى، تضم مخابئ ووديان وكهوف لجأ إليها الإرهابيون بعد تحرير الموصل بحسب عبد الحميد، الذي شدد على ضرورة وجود قوة عسكرية في تلك المنطقة مع تنشيط الجهد الاستخباراتي والعمل المنظم من القوات المحلية، لا سيما أن هناك قرى في سفوح تلك الجبال قد يساعد سكانها القوات الأمنية.
الطائرات المسيرة
بدوره يرى المتخصص في المجال العسكري مؤيد الجحيشي أن إمكانية القضاء على "داعش" المنتشر في المناطق الوعرة في كل من جبال مكحول وحمرين، تتم عبر سلسلة من العمليات العسكرية تستخدم خلالها الطائرات المسيرة .
ويضيف أن القوات الأمنية العراقية عندما حررت مناطق العراق من التنظيم، تركت بؤر توتر لـ"داعش" لم يتم تحريرها لحد الآن سواء في تلال مكحول وبادوش أو حمرين أو في مناطق ديالى"، متسائلاً حول سبب ترك تلك المناطق من دون تحرير مع وجود الترسانة الكبيرة من الأسلحة التي لدى الأجهزة الأمنية العراقية.
ويشير الجحيشي إلى أن مؤسسات أمنية كبيرة في الدولة العراقية تستلم موازنات كبيرة من أجل القضاء على التنظيم الإرهابي، وبذلك هي تستخدم شماعة "داعش" للحصول على مزيد من الأموال من موازنة الدولة.
الهجمات ارتفعت منذ 2017
ويقول الصحافي والناشط من ديالى عبدالله جاسم إن هجمات "داعش" في بعض مناطق محافظة ديالى ارتفعت بعد انسحاب قوات البيشمركة الكردية من مناطق شمال ديالى، وتسلمها من قبل الجيش العراقي و"الحشد الشعبي"، خصوصاً في قرية أم الحنطة بأطراف ناحية جولاء.
ويضيف أن التنظيم استخدم في مناطق شمال ديالى الهجمات غير المباشرة مثل تفجير العبوات والقنص، بسبب قلة إمكانيته وعدم وجود دعم له داخل هذه المناطق، كاشفاً أن التنظيم شن 26 هجوماً بالعبوات والقنص والكمائن منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية فبراير (شباط) الماضي.
الفراغ بين بغداد وأربيل
ويشير جاسم إلى أن القوات الأمنية نجحت في تدمير مضافات لتنظيم "داعش" في مناطق أطراف جولاء وخانقين خلال سلسلة من العمليات العسكرية في الأسابيع الماضية، لافتاً إلى أن التنظيم يستغل الفراغ الأمني الموجود بين حدود الحكومة المركزية وحدود إقليم كردستان لشن هجماته، خصوصاً في ظل عدم وجود تنسيق كبير بين الطرفين.
وتوقع جاسم انخفاض هجمات التنظيم خلال الفترة القليلة المقبلة بسبب استمرار العمليات العسكرية ضده، وما تمثله من ضغط كبير يمنعه من تنفيذ هجمات بشكل مريح كما كان في السابق.