على الرغم من الاعتقاد السائد بأن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن كان يطالب الإسرائيليين، الأحد الماضي، 11 أبريل (نيسان)، بعدم التصعيد عسكرياً في البحر مع إيران حتى لا يعرقل ذلك مفاوضات العودة لاتفاق إيران النووي، إلا أن ما كشفت عنه تقارير إعلامية أميركية وإسرائيلية نقلاً عن مصادر استخباراتية بأن التفجير الذي وقع في منشأة نطنز الإيرانية قد يعوق عمل البرنامج النووي الإيراني لمدة تسعة أشهر، أعاد طرح تساؤلات عما إذا كان المفاوضون الأميركيون سيستفيدون من تداعيات هذا الحادث بعدما يدركون أن طهران فقدت ورقة التهديد بزيادة عمليات التخصيب في هذه المنشأة بالتحديد، بالتالي لن يكون هناك إلحاح لعودة أميركية سريعة لاتفاق إيران النووي، فهل صحيح أن واشنطن ستسلك هذا المسار أم أنها لا تزال مصممة على إحياء الاتفاق النووي؟
وفي وقت أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن التفجير الذي لحق بنظام الطاقة الداخلي في منشأة نطنز الإيرانية في عملية إسرائيلية كما يعتقد كثيرون، سببت أضراراً بالغة ستجعل إصلاحه يستغرق تسعة أشهر، حاول المسؤولون الإيرانيون لأغراض سياسية ربما، التخفيف من حجم الضرر الذي أصاب المنشأة النووية الرئيسة لإيران، التي تضم جيلاً جديداً من أجهزة الطرد المركزي يجري تطويره وتركيبه هناك، لكن المؤكد أن الانفجار الأخير سيؤدي إلى تراجع سرعة البرنامج النووي الإيراني لأسابيع أو أشهر، وإن كان من الصعب تقدير ذلك على وجه الدقة أو الجزم بأن الحادث يمثل انتكاسة طويلة الأجل للبرنامج النووي الإيراني.
عجز وفشل إيراني
غير أن الشيء الوحيد الذي يبدو واضحاً هو أن البنية التحتية النووية الإيرانية معرضة للاختراق، فقد كانت منشأة نطنز هدفاً لهجمات متكررة ومتعددة، سواء كانت هجمات إلكترونية أو اعتداءات مباشرة، إذ استُهدفت للمرة الأولى في هجوم سيبراني إلكتروني ضخم عام 2010 شنته أميركا وإسرائيل بحسب ما يقول الخبراء حين هاجم فيروس "ستوكسنت" وحدات التحكم في أجهزة الطرد المركزي، ما تسبب في خروج الأجهزة الحساسة عن السيطرة وتدمير نفسها.
واستهدف هجوم تخريبي آخر نطنز في يوليو (تموز) الماضي حين دمر انفجار أحد مصانع تجميع أجهزة طرد مركزي متقدمة في الموقع، وترافقت مع هذه الهجمات سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت العلماء النوويين الإيرانيين طوال العقد الماضي، والتي كان آخرها قتل العالم الذي أسس البرنامج النووي العسكري الإيراني قبل عقود في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ومع ذلك ظل النظام الإيراني غير قادر على حماية منشآته النووية وعلمائه البارزين على الرغم من علمه باستهداف خصوم إيران هذه الأصول المهمة، وهو ما يعني فشلاً استخباراتياً خطيراً.
تأثير متوقع
لكن ما يهم طهران الآن هو مدى تأثير هذا الحادث في المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة في فيينا حول احتمال عودة متبادلة للاتفاقية النووية لعام 2015، فبينما يأمل بعض الإيرانيين في ألا يؤدي الهجوم الأخير إلى إفساد محادثات فيينا على اعتبار أن كلاً من الولايات المتحدة وإيران ترغبان في العودة إلى الاتفاقية بطريقة تخدم مصالحهما الخاصة، وأن الشبكة النووية الإيرانية تعرضت للهجوم من قبل، ولا يزال الطرفان قادرين على صياغة خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، إلا أن فريقاً آخر من المتشككين في النوايا الأميركية ربما يعتقدون أن الهجوم الأخير على منشأة نطنز تم بالتنسيق والتعاون بين الولايات المتحدة وإسرائيل على الرغم من نفي واشنطن المتكرر بأنها لم تكن أبداً طرفاً في هذا الهجوم أو كانت على علم مسبق به.
وفي حين يرى باحثون في واشنطن أنه على الرغم من أن هذا الحدث الدرامي الغامض في نطنز سوف يُنظر إليه على أنه يقوض الدبلوماسية، لكن الحقيقة هي أنه سيمنح الفريق المفاوض للولايات المتحدة نفوذاً في المفاوضات المقبلة إذا أرادت إدارة بايدن ذلك.
موقع قوة أميركي
وينبني هذا التصور على أن ورقة إيران التفاوضية كانت وستظل دائماً تتمثل في تهديداتها بأن تصبح دولة نووية وأنها تقترب كل يوم أكثر من معدلات تخصيب أعلى، لكن النظام الإيراني يبدو في الوقت الحالي غير قادر على حماية منشآته النووية أو الحيلولة دون تعطيلها، ومن ثم انتزعت منه هذه الورقة ولو بشكل مؤقت، ما يجعل الفرصة سانحة أمام المفاوضين الأميركيين لإعادة التفاوض على شروط اتفاق إيران النووي من موقع قوة أكبر بحيث يشمل ذلك نطاق الصواريخ الإيرانية، ودور إيران المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، وبخاصة في سوريا ولبنان واليمن والعراق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير السفير الأميركي السابق دنيس روس، إلى إن الحادث الذي وقع في نطنز لن يغير رغبة إيران في رفع العقوبات، لكنه قد يقلل الشعور بالإلحاح لدى إدارة بايدن من أجل العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة المعروفة إعلامياً باسم اتفاق إيران النووي الذي وقعته الأطراف عام 2015، وهكذا فإن تعطيل الجهود الإيرانية الحالية لإنتاج وتركيب أجهزة طرد مركزي أكثر تقدماً سوف يخفف من الضغط الذي يمكن أن تستخدمه إيران في المفاوضات.
توقيت غير مناسب
ويعتبر باحثون وخبراء في مراكز الدراسات الأميركية أن إيران مخترقة ومعرضة للهجوم واقتصادها ضعيف، ما يجعل التوقيت غير مناسب لمنح النظام المتشدد في إيران شريان حياة اقتصادياً من خلال رفع العقوبات عنه في وقت يتزايد قلق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة من أن إدارة الرئيس بايدن الحالية ستتخلى عن نفوذها وتوافق على رفع العقوبات.
ويحذر هؤلاء من عواقب العودة للاتفاق النووي الإيراني بصيغته الحالية التي أقرت عام 2015 من دون إدخال تعديلات كثيرة عليه نظراً لاقتراب موعد انتهاء فعالية كثير من القيود على إيران بدءاً من عام 2023 والتي تشمل القيود المفروضة على الصواريخ الباليستية، تليها نهاية القيود على استخدام أجهزة الطرد المركزي، ثم إمكانية إنتاج اليورانيوم المخصب بدءاً من عام 2024.
عواقب مستقبلية
ويبدو أن المخاوف من اقتراب موعد بدء إيران العمل بعيداً من القيود المؤقتة التي يضعها اتفاق عام 2015 هو ما يجعل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يصعدون جهودهم لمنع إيران من الانتقال لتصنيع قنبلة نووية، ولا يعد هجوم نطنز إلا أحد أبرز الأمثلة على استعداد هذه الأطراف للتصرف بشكل مستقل يعكس مخاوفها المتعلقة بالأمن القومي.
وما يزيد من هذه المخاوف هو استمرار الوساطة التي يقوم بها البريطانيون والفرنسيون والألمان والصينيون والروس في فيينا بين الإيرانيين والأميركيين، والتي قد تؤدي إلى عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الذي قد تتوصل إليه الأطراف في وقت ما من هذا العام بحسب كثيرين من المراقبين.
وإذا استمر شعور حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بالقلق من عودة الولايات المتحدة إلى اتفاق يعتقدون أنه يوفر لإيران فوائد اقتصادية من دون إعاقة طريقها للحصول على سلاح نووي، فمن المرجح أن تستمر التوترات الإقليمية ونمط الهجمات والأعمال الانتقامية بغض النظر عن احتمالات الاتفاق.
وحتى الآن ليس من الواضح ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاق بين الإيرانيين والأميركيين قبل موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية بعد نحو شهرين، لكن ذلك ليس أمراً بالغ الأهمية، لأن امتثال إيران بالاتفاق في حال عودة الولايات المتحدة إليه، هو موقف يحدده في كل الأحوال علي خامنئي المرشد الأعلى الإيراني بصرف النظر عمن سيكون الرئيس الإيراني المقبل.