اهتزت الجزائر على وقع خطر الانفصال والانقسام بظهور بوادر صراع هوية أثاره أحد أبرز الشخصيات التي تقود فكرة انفصال منطقة القبائل عن الجزائر، وهو المغني والناشط السياسي فرحات مهني، الممنوع من دخول الجزائر، بعد إلقائه محاضرة عبر سكايب في جامعة مولود معمري، في محافظة تيزي وزو. وكانت المحاضرة بعنوان "نضال القبائل ضد الاحتلال الجزائري". ما خلف موجة من الانتقادات والتخوف على حد سواء، خصوصاً في ظل الوضع الذي تعيشه البلاد.
ضد "الإحتلال الجزائري للقبائل"
أثار الانفصالي مهني المقيم في فرنسا موجة استياء واسعة، وأعاد ملف انفصال القبائل وصراع الهوية الذي أخمد ناره الحراك الشعبي الذي كشف عن وحدة الجزائريين. وما زاد من تخوف الجزائريين ظهور مهني، في هذه الفترة التي تعيش فيها البلاد وضعاً استثنائياً وكأنها أمام احتمالين، إما الديمقراطية واحترام الحريات أو انقلاب الأمور وتدحرجها في اتجاه مزيد من التضييق أو الانقسامات والتوترات.
وفي الوقت الذي تمسكت فيه وزارة التعليم العالي، بمنع إلقاء محاضرات في الحرم الجامعي حول الحراك الشعبي، راوغ مهني، ولجأ إلى تقنية الفيديو، مكرراً شعاراته أن "القبائل ليست جزائرية، والجزائر ليست أمة، بل صناعة استعمارية". ودعا إلى إنهاء ما سماه الاحتلال الجزائري لمنطقة القبائل، في تحد كبير للسلطات والوحدة الوطنية، وبررت الوزارة فشلها بأن تنظيم المحاضرة جاء من قبل الطلاب المحسوبين على المنظمة الانفصالية "الماك"، وليس من قبل الجامعة، وأن هؤلاء الطلاب وحدهم من قام بفتح المدرج وإقامة المحاضرة.
خط أحمر
اعتبرت المنظمات الطالبية والنقابات وعدد من الشخصيات، أن ما حدث خطير. وارتفعت الدعوات إلى اتخاذ إجراءات ضد المتورطين.
يرى المحلل السياسي رابح لونيسي أنه يجب ألا ينسى الجزائريون أن "النظام وفرحات مهني كلاهما عميل لفرنسا"، وبالتالي هناك عملية خبيثة لإنقاذ النظام برعاية فرنسية. يتابع أن "أكبر عدو للجزائر ووحدتها هو هذا النظام المستعد لإشعال حرب أهلية كي يحمي مصالحه ويبقي على استعبادنا"، مشيراً إلى أنه "لم يكن هدف هجمات الذباب الإلكتروني مؤخراً على بعض المناطق الجزائرية إلا لنشر الكراهية بين الجزائريين". ويخلص إلى أن وحدة الجزائر مرتبطة بالقضاء على هذا النظام واقتلاعه من الجذور.
ويصف كل من الإعلامي سمير بغالي، والحقوقي عمار رخيلة، الحادثة بـ"السابقة الخطيرة، الغرض منها ضرب الحراك"، ويعتبران أن "السكوت على ما حدث سيفتح الباب لانزلاقات أخطر".
محاسبة المتورطين
وتخوّفت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، على لسان الأستاذ الجامعي مصطفى مغزاوي، من "غياب الدولة إلى الحد الذي يجد أمثال هؤلاء الفرصة للتصريح والجهر بالخيانة العظمى". ودعا إلى فتح تحقيق قضائي وأمني.
ووجه مدير "مركز الحوار" محمد يعقوبي، رسالة إلى وزير الجامعات، جاء فيها "عيب ومنكر ما حدث في جامعة تيزي وزو، الخائن فرحات مهني يحدث الطلاب على المباشر عن أكل لحوم مليون ونصف مليون شهيد وعن تفتيت عظامهم، عن خرافة الاستقلال وعن خطيئة التقسيم وعن شمس العروبة والإسلام التي يجب أن تغيب في منطقة القبائل".
وطلب "توضيحات كي لا يتكرر ما حدث".
أما الوزير السابق محيي الدين عميمور فقال إن "ليس الوزير هو من يجب أن يتحرك ولا سلطات الأمن، فتجربة 1980 لا تنسى"، سائلاً "أين هم عقلاء المنطقة ومجاهدوها ومثقفوها ووطنيوها؟ أليس ما يحدث يصب في مصلحة من يقولون إن هناك عملية توزيع أدوار تستهدف خداعنا أطول وقت ممكن، كي تتمكن فرنسا من ترسيخ وجودها عبر جماعتها. أليس هذا أول الطريق نحو تكرار مأساة التوتسي والهوتو في بلادنا؟".
وشدد أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية، عبد القادر الجزائري، المقيم في إسبانيا، على أن "الجزائر تعيش منعطفاً تاريخياً، وكل منعطف محفوف بالمخاطر، وهناك من يريد استغلال الأحداث للدعوة إلى الانفصال من جديد".
أما إطلالة مهني فتندرج، وفق الجزائري، في إطار إلهاء الحراك.