مجموعة من العوامل تصنع هذه الظاهرة الخطيرة والمؤلمة في المجتمعات العربية، والمسماة "زواج القاصرات".
و"القاصرات"، بحسب العرف هن الإناث اللواتي لم يبلغن بعد، أما بحسب أكثر القوانين المعمول بها فهن اللواتي قلت أعمارهن عن 16 عاما.
هؤلاء القاصرات هن "بطلات" مرغمات لمأساة تراجيدية لم يخترن الانخراط فيها، لكنهن سرعان ما يتركن دور "البطولة" الافتراضي، ليصبحن ـ مرغمات أيضا ـ ضحايا منتهكات، صاغرات لظروف عيش لم يخترنها هي نفسها "شروط موت".
تلك الشروط التي تعتبر نتيجة طبيعية، للعادات والتقاليد، وللجهل الصحي، ولغيبة القوانين، ولغلبة الفقر، ولانحلال النواظم الاجتماعية... كلها أو بعضها تجتمع، لكي تصنع الظاهرة/ الصاعقة المسماة "زواج القاصرات"
"اندبندنت عربية" تستقصي مؤشرات هذه الظاهرة في عدد من المجتمعات العربية، من خلال التحقيق التالي:
ظاهرة متأصلة في المجتمع اليمني
فيما فتيات العالم يتجهن كل صبيحة إلى فصول الدراسة، تغادر قريناتهن اليمنيات أعشاشهن كعصافير مخذولة، إلى فصول من المعاناة في بيوت زواجهن المبكر الذي لا تقوى عليه أجسادهن الذاوية، هرباً من رمضاء الحرب، إلى نار المسؤولية المبكرة.
كما هي حال الطفلة وداد ذات الـ8 أعوام، التي ملأت قصتها اليمن، بعد ما دفعت حياتها ثمناً لزواجها من رجل في عمر جدها تسبب في إزهاق روحها ليلة دخوله بها، بعد أن تعرضت لنزيف حاد أنهى عذابها، وكاشفة الستار عن حالات مماثلة لمئات أخريات، خصوصاً مع استمرار الحرب الدائرة في البلاد منذ ست سنوات.
أرواح مزهقة
لم تكن وداد الضحية الأخيرة، إذ أكد عدد من المؤسسات الحقوقية المحلية والدولية أن تزويج الطفلات في اليمن تسبب في إزهاق أرواح العشرات منهن.
وقبل أشهر قليلة، أثارت قضية تزويج أب يمني لطفلته التي لا يتجاوز عمرها ثماني سنوات بـ200 ألف ريال يمني (نحو 350 دولاراً) بعقد موثق رسمياً في مناطق سيطرة الميليشيات غضباً عارماً في أوساط اليمنيين، الذين اعتبروها وسيلة "اتجار بالبشر" وشرعنة للعبودية، قبل أن يسارع الأهالي وبعض المنظمات الحقوقية على وقع الغضب الشعبي، إلى إلغاء مراسم الزواج.
ضحايا وقلة حيلة
وعلى الرغم من أن زواج القاصرات ظاهرة متأصلة في المجتمع اليمني، فإن سعير الحرب التي طالت مناحي الحياة كافة، ضاعفت من تفشيها على نطاق واسع جراء الأوضاع الكارثية التي خلفتها على نحو قد يدفع إلى إحداث تغيير في تركيبة الأسرة اليمنية ذات الطابع الاجتماعي المحافظ.
وأمام تغول الظاهرة، سعت شخصيات ومؤسسات حقوقية معنية بالدفاع عن حقوق الطفل إلى حماية الفتيات ومنع هذا النوع من الزواج، ولكن من دون إحداث تغيير جوهري في واقع الظاهرة التي تشهد تنامياً مطرداً.
ووفقاً لبيانات صدرت عن الأمم المتحدة والحكومة اليمنية، فهناك نحو 14 في المئة من الفتيات اليمنيات يتزوجن، وهن دون الـ15 عاماً، و52 في المئة منهن، يتزوجن وعمرهن 18 عاماً.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن اليمن يشهد 8 حالات وفاة يومياً لقاصرات، بسبب الزواج المبكر والحمل والولادة.
وبحسب تقرير للمركز الدولي للدراسات، حل اليمن في المرتبة 13 من بين أسوأ 20 دولة في زواج القاصرات، وتصل نسبة الفتيات اللاتي يتزوجن دون الثامنة عشرة إلى 48.4 في المئة.
الحرب وعوامل أخرى
للوقوف على العوامل المؤثرة في اتساع رقعة الظاهرة، يشير أحمد القرشي، رئيس منظمة "سياج" لحماية الطفولة في اليمن، إلى تضافر جملة من الأسباب التي أنتجتها الحرب، مثل النزوح والفقر وحاجة الأسرة إلى المال.
ونتيجة لاستمرار الحرب، يوضح أن ظاهرة تزويج الصغيرات ارتفع بشكل كبير منذ عام 2014.
وتطرق إلى عوامل أخرى منها عدم وجود نظام يحمي حقوق الأطفال وتوقف المحاكم والنيابات والشرطة عن أداء مهامها في غالبية المناطق اليمنية، بخاصة الريفية منها، إضافة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتوقف دفع مرتبات الموظفين.
سجال مع رجال الدين
وفي كل مرة يحشد فيها القطاع الحقوقي والإنساني جهوده لوضع حد للظاهرة وحماية الضحايا ممن هربن من أهاليهن، يشهد اليمن سجالاً مع رجال الدين الذين لا يرون حرجاً في زواج القاصرات.
كما يعتبرون كل من يطالب بتحديد سن للزواج وحماية الطفولة متعدياً على حقوق الآخرين الشخصية، على الرغم من تحديد قانون الأحوال الشخصية في جنوب اليمن قبل الوحدة سن الزواج بـ16 عاماً، وفي شمال البلاد بـ15 عاماً.
ونتيجة ذلك، دخل قطاع واسع من النشطاء والحقوقيين في جدال واسع مع بعض رجال الدين عقب الكشف عن قصص تزويج قاصرات في اليمن.
قوانين بلا دولة
عقب ضغوط إعلامية مارستها جهات حقوقية وإنسانية فاعلة، حددت اليمن سناً أدنى لزواج الفتيات. ففي يناير (كانون الثاني) من عام 2015، أقرت الحكومة ألا يقل عمر الفتاة عن 18 عاماً في دستور جديد وضعته البلاد. غير أن اشتعال الحرب التي سببها الانقلاب الحوثي منع فرض تطبيق هذا التشريع مع تعطيل الدستور.
ووفقاً للبيان الذي أصدرته، أخيراً، مجموعة عمل تابعة لمجلس الأمن الدولي، فإن استمرار الحرب في اليمن، هو أحد الدوافع الرئيسة التي تسهم في ارتفاع أعداد زواج الأطفال.
كما تصف "يونيسف" أي زواج قبل عمر الـ18 عاماً على أنه انتهاك لحقوق الإنسان.
محاذير صحية
ولاستيضاح الآثار الصحية المترتبة على ضحايا هذا النوع من الزواج، تقول طبيبة النساء والتوليد الدكتورة ياسمين عبيد إن زواج الفتاة في عمر صغير يعرضها لمشكلات صحية ونفسية عدة نتيجة عدم النضوج الجسدي وقلة الوعي.
وتوضح أن الفتاة التي يتم تزويجها في هذه السن تكون أكثر عرضة للتمزق المهبلي والنزيف الحاد الناتج من أول يوم في العلاقة الزوجية، والذي ربما يستدعي تدخلاً طبياً حرجاً، فضلاً عما يلحقه من صدمة نفسية قاسية قد تستمر وتشكل عائقاً في العلاقة الزوجية مستقبلاً.
وتشير عبيد إلى أن الدراسات الطبية تؤكد أن العلاقة الجنسية في سن مبكرة تزيد من حدوث الإصابة بسرطان عنق الرحم، كما أن "الحمل المبكر وما يصاحبه من مشكلات كثيرة يعرض الجنين للإسقاط والولادة المبكرة الناتجة من الالتهابات والانقباضات الرحمية المتكررة".
ارتفاع نسبة زواج القاصرات في سوريا
في المقابل، لطالما تتلخص حالات زواج القاصرات في المجتمع السوري بكلمة تتردد بكثرة هي "السترة" من دون النظر لعواقب تزويج اليافعات، وهن ما زلن في عمر الزهور بل إن مجتمعات ريفية يندرج ضمن عاداتها وتقاليدها الاجتماعية الزواج المبكر، ولا بد من تزويج الفتيات القاصرات حتى وإن لم يبلغن سن الرشد.
من جهة ثانية، لن يرحم المجتمع من تخطت منهن عتبة 18 سنة، وتسري الأحاديث حول أي فتاة في هذه السن أو تخطته ولم ترتبط إلى أن العنوسة تداهمها وتهدد حياتها الاجتماعية.
حال زواج القاصرات من عمر 13 إلى 16 عام أخذ في التزايد بسبب الحرب، بدوافع متعددة نفسية واجتماعية ومادية، أو لجوء الأب لتزويج ابنته مبكرا حفاظاً عليها من الخطف في مناطق شهدت توترات ونزاعات، لا سيما المناطق التي شهدت سيطرة تنظيمات متشددة، كتنظيم "داعش".
وساد في ذلك الوقت زواج الأطفال في مناطق انتشار التنظيم بشكل غير مسبوق، ومعه فرض التنظيم ذاته عادات وتقاليد اجتماعية أكثر صرامة أسهمت في زواج القاصرات وحثت عليه.
وتشير الإحصائيات عن زيادة زواج القاصرات في سوريا إلى 14 في المئة، بينما كانت قبل الحرب 7 في المئة. وأشارت منظمة "يونيسف" إلى أن 70 في المئة من اللاجئين السوريين هم من الأطفال والنساء، لا سيما في مخيمات النزوح التي يرتفع فيها معدل الزيجات من هذا النوع، إما في سوريا أو بدول الجوار، وزادت النسبة بعد أن اضطرت هذه العائلات لتزويج الفتيات في سن صغيرة في فترة الحرب.
ولا يوجد إحصاء دقيق في مخيمات نزوح الداخل السوري أو دول الجوار حول ما يتعلق بزواج القاصرات، بخاصة عدم امتلاك العائلات النازحة وثائق رسمية للأحوال الشخصية المتعلقة بها، إلا أن وزارة العدل في النظام السوري قدرت نسبة ارتفاع زواج القاصرات إلى 13 في المئة.
صدر في سوريا القانون رقم 13 للأحوال المدنية في 25 مارس (آذار) الماضي ليحل محل القانون القديم الصادر في 2007 وعده مراقبون أكثر تطوراً من السابق، ووضع حداً لزواج القاصرات، وحسم القانون مسألة تعد من أكثر المسائل تعقيداً في المجتمع السوري بما يخص زواج القاصرات.
ولفت الانتباه المحامي والمتخصص في القانون الجزائي، محمد دوبا لـ"اندبندنت عربية" عن مواد حددها القانون الجديد حد وبشكل نهائي وقطعي لهذا النوع من الزيجات المبكرة، واصفاً القانون الجديد بالعصري والمنصف.
وقال "لقد أنهى القانون الحديث حالة الفوضى في القانون القديم، إذ كان يحق للقاصر فوق 15 تزويج نفسها في حال وافق ولي أمرها من الزواج، بينما في القانون الجديد لا يمكنها الزواج إلا إذا بلغت 18 عاماً".
وأضاف "لقد لاحظنا قبل صدور القانون الجديد حول الأحوال المدنية ازدياداً في حالات الطلاق بعد عمليات تزويج القاصرات بعمر 13 عاماً، وبعد عام من الزواج يقع الطلاق... ونرصد يومياً في المحاكم الشرعية أربع دعاوى طلاق مقابل دعوة زواج واحدة، وزادت الأزمة بشكل مطرد".
وتوقع المحامي انخفاضاً في نسبة الزواج المبكر في المستقبل القريب، ويعزو ذلك إلى كونه غير مسموح ويعاقب عليه القانون.
حيلة زواج القاصرات بالقانون في ليبيا
في سياق متصل، تنامت خلال العقد الماضي في ليبيا ظاهرة زواج القاصرات، نتيجة لكثير من العوامل المساعدة لتفشيها، لعل أبرزها الظروف الاقتصادية الطاحنة التي مرت بها البلاد، وتراخي الدولة عن التطبيق الصارم للقوانين الخاصة بتحديد السن القانونية للزواج وتعديل بعضها في السنوات الماضية.
وتقع أكثر حالات الزواج للقصر في فئة البنات، وبعضها أثار نقاشات واسعة في المجتمع، تحديداً في حالتين متشابهتين وقعتا خلال السنوات الثلاث الماضية، في بنغازي شرقاً وزوارة غرباً، لفتاتين في عمر الرابعة عشرة، ما جدد المطالبات بمنع حالات الزواج المشابهة، التي تخالف القوانين المحلية والدولية.
جريمة اجتماعية
وتصف المتخصصة والباحثة الاجتماعية أسماء بن حريز هذه الظاهرة بقولها "قبل كل شيء زواج القاصرات جريمة بكل المقاييس، إنسانية وحقوقية واجتماعية".
وتعدد بن حريز الأسباب التي أسهمت في تفشي هذه الظاهرة في المجتمع الليبي، قائلة إنها "عديدة، أهمها الاجتماعية والاقتصادية، فمن الناحية الاجتماعية نظرة المجتمع للأنثى غير المتزوجة، وشبح العنوسة الذي يرهب به بناته، يجعل الأسر تتسابق إلى تزويج بناتها لأول العرسان الذين يطرقون أبوابها".
لكنها، تشدد على أن العوامل الاقتصادية تسهم بقسط أكبر في تنامي حالات تزويج القاصرات "العامل الأهم هو الحالة الاقتصادية، هناك أسر كثيرة تعيش تحت خط الفقر في ليبيا، الزواج يخفف حجم الأسرة على الأقل والأعباء الاقتصادية عليها، وأحياناً يشكل رافداً اقتصادياً جديداً للأسرة بمصاهرة أسر في وضع اقتصادي أفضل".
وترى بن حريز أن "الزواج المبكر مرتبط بشكل كبير بتزايد حالات الطلاق في ليبيا بشكل مطرد، التي تظهر الإحصاءات زيادتها 70 في المئة خلال السنوات الخمس الأخيرة".
ثغرات في تطبيق القانون
من الناحية القانونية، يعتقد المحامي والناشط الحقوقي عبد الحميد بن صريتي، أن "تراخي يد الدولة في فرض القوانين لعب دوراً رئيساً ومباشراً في تفشي ظواهر خطيرة في المجتمع، وتنامي بعضها الآخر، مثل زواج القاصرات وحتى الأطفال".
ويشير إلى أن "تحديد سن الزواج في القانون الليبي خضع إلى تعديلات أكثر من مرة، حيث نص القانون رقم 10 لسنة 1984 على اكتمال أهلية الزواج ببلوغ سن العشرين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتابع، "هذا القانون عدل كثيراً في السنوات التالية، وآخرها في 2015 بالقانون رقم 14 الصادر عن المؤتمر الوطني العام، (البرلمان السابق)، حين عدلت السن القانونية للزواج إلى 18 عاماً".
ويكشف بن صريتي عن ثغرة قانونية استغلت لتزويج من هم أقل حتى من سن الثامنة عشرة، ممن يصنفون في مرحلة الطفولة ودون البلوغ، قائلاً "الثغرة القانونية التي يجري إنفاذ زواج القاصرات في ليبيا من خلالها هو (الإذن القضائي)، وهو أن تعرض الفتاة القاصر دون السن القانونية على قاض لمعرفة أهليتها وملابسات زواجها، ويحق للقاضي بحسب القوانين السارية إجازة زواج القاصر إن رأى أهليتها".
ويؤكد أن "إلغاء إذن القاضي في مسألة زواج القاصرات، سيكون حلاً حاسماً، بحيث يمنع زواج القاصرات من دون السن القانونية نهائياً، ولا يحق لأحد إنفاذه مهما كانت الملابسات والشروط".
أرقام متضاربة
لا توجد إحصاءات رسمية متكاملة وموثقة على مستوى ليبيا لحالات زواج القاصرات، بسبب حالة الفوضى والانقسام السياسي التي عاشتها البلاد في السنوات الماضية، لكن تقارير سابقة تشير إلى تسجيل 186 زواجاً لقصر وثقها مجمع المحاكم ما بين عامي 2011 و2017 في العاصمة طرابلس وحدها.
في المقابل، سجلت محاكم بنغازي، ثاني أكبر مدن البلاد، عامي "2019 - 2020" وحدهما 26 حالة زواج لفتاة قاصر، 11 حالة منها وقعت عام 2019 لفتيات تتراوح إعمارهن بين 16 و18 عاماً، في حين سجلت إحصائية عام 2020 زيادة طفيفة في عدد الحالات المسجلة، وصلت إلى 15 حالة، بحسب الإحصاءات التي أمدنا بها المحامي والحقوقي عبد الحميد بن صريتي.
لبنان والنظام الطائفي
لطالما كان نظام لبنان السياسي أسير التوازنات الطائفية لذلك هو يفتقد لقانون مدني ينظم الأحوال الشخصية. لذلك نرى أن تفشي ظاهرة "زواج القاصرات" ليس بالغريب، خصوصاً أن الطوائف تسمح بتزويج الفتيات الصغيرات وفق معتقداتها الدينية وخدمة لمصالحها السياسية.
يؤكد عضو مركز الدعم في جمعية "كفى" المحامي عامر بدر الدين أن "الطوائف تسيطر على قوانين الأحوال الشخصية"، معتبراً أن ذلك "خرق للدستور، إذ يصبح كل استثناء قاعدة مع الوقت"، موضحاً أن "الطائفة السنية كانت قد حددت سن الزواج 18 عاماً للذكر، و17 عاماً للأنثى، ولكن هناك استثناء يمنح الإذن بالزواج المبكر للذكر عند بلوغه الـ12 عاماً والـ9 أعوام للأنثى. أما عند الطائفة الشيعية حدد 15 عاماً للذكر، و9 أعوام للأنثى من دون أي استثناءات، أما طائفة الموحدين الدروز 18 عاماً للذكر، و17 عاماً للأنثى مع استثناءات 16 عاماً للذكر، و15 عاماً للأنثى، الطائفة المارونية 16 عاماً للذكر، و14 عاماً للأنثى، وطائفة الروم الأرثوذكس 18 - 18 عاماً باستثناء 17 عاماً للذكر، و15 عاماً للأنثى".
وفي هذا السياق، يؤكد بدر الدين أن "جمعية "كفى" كانت قد قدمت اقتراح قانون لتحديد السن القانونية للزواج، وهو 18 عاماً على أن تلتزم به كل الطوائف، إلا أنه يواجه اليوم معارضة شرسة".
ومما لا شك فيه، أن نسبة زواج القاصرات ارتفعت مع موجة النزوح السوري. وعما إذا كان يشمل هذا القانون القاصرات السوريات اللاجئات، يؤكد بدر الدين أنه "يشمل كل الأشخاص الموجودين على الأراضي اللبنانية". وإذ يعتبر أن ظاهرة الزواج "جزء من العادات والتقاليد"، إلا أنه يؤكد أنها "ازدادت مع اللجوء السوري جراء حرب عام 2011".
أزمة النازحين
دفع الانكماش الاقتصادي والتضخم الحاد وتفشي وباء كوفيد-19، وأخيراً انفجار بيروت، المجتمعات الضعيفة في لبنان بما في ذلك النازحين السوريين إلى حافة الهاوية، مع استفحال حالة الفقر والعوز التي تعيشها آلاف العائلات. وفي ظل مواجهة الظروف المعيشية الصعبة، ازدادت ظاهرة زواج القاصرات في مخيمات النازحين السوريين في لبنان.
وفي حديث لـ"اندبندنت عربية" مع عمر النعيم، مسؤول التواصل في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت، يشير إلى أن "حالات زواج الأطفال ازدادت بنسبة 6 في المئة منذ الربع الثالث من عام 2020، في منطقتي بيروت وجبل لبنان"، لافتاً أنه "بناء على المناقشات الجماعية المركزة مع النازحين في جميع المناطق، بعض الآباء يلجأون إلى زواج الأطفال كاستراتيجية للعيش بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية، وإغلاق المدارس، وتعرض العديد من الفتيات المراهقات للعنف المنزلي".
في هذا السياق، يشير النعيم إلى أنه "تم الإبلاغ عن حالات زواج الأطفال في جميع أنحاء المناطق، ولكن في بعض المناطق أفاد مقدمو الخدمات أن الفئة العمرية للفتيات اللاتي يتزوجن مبكراً قد تغيرت، أخيراً، بحيث يلجأ الآباء في عام 2020 إلى تزويج بناتهم في سن أصغر أي ما بين 13-14 عاماً مقارنة بعام 2019 عندما كان متوسط عمر الفتيات المتزوجات ما بين 16-17 عاماً".
دور المفوضية
وعن دور المفوضية في العمل على الحد من آفة زواج القاصرات، يلفت النعيم أن "المفوضية قامت بإنشاء ورش عمل للحماية، والتي تتضمن جلسات توعوية لمناقشة زواج الأطفال وآثاره السلبية على المجتمع، إضافة إلى آليات الإبلاغ، والتداعيات الصحية. وقد تم استكمال هذه الأنشطة بحملات توعوية عبر الإنترنت (كمعالجة الأسباب الجذرية مثل التمييز بين الجنسين والعنف ضد الفتيات، إلخ). إضافة إلى ذلك، واصلت المفوضية في جميع المناطق اللبنانية تواصلها مع المتطوعين وقادة المجتمع الذين كانوا شركاء رئيسيين في عملنا في محاولة منع زواج الأطفال".
على الرغم من القيود المفروضة على الحركة بسبب كورونا، أكد النعيم أن "المفوضية قامت بإدارة هذه الحالات من خلال جلسات الدعم النفسي والاجتماعي لجميع الناجين من العنف المجتمعي، إضافة إلى توفير الدعم المالي لتلبية حاجات الفتيات وعائلاتهن الأشد فقراً". أما على المستوى الوطني، فيشير إلى أنها "أسهمت خلال السنوات الماضية في تطوير خطة العمل الوطنية التي وضعتها وزارة الشؤون الاجتماعية ويونيسف لمنع زواج الأطفال، من خلال تحديد بعض الأولويات مثل حماية الطفل والتركيز على التعليم والمبادرات المجتمعية وتغيير السلوك الاجتماعي، وغيرها من الأمور".
وعن آخر دراسة قامت بها المفوضية بهذا الشأن، يشير النعيم إلى أن "المفوضية شاركت بنشر تقارير ربع سنوية وسنوية حول اتجاهات العنف القائم على النوع الاجتماعي. إضافة إلى ذلك، نشرت المفوضية، بصفتها عضواً في فرقة العمل الوطنية المعنية بالعنف الجنسي والجنساني، تقييماً مشتركاً لتأثير كورونا على حالة العنف. كجزء من هذا التقييم الذي تم في الربع الأول من عام 2020، يظهر زواج الأطفال كأحد أنواع العنف داخل الأسرة وعلى مستوى المجتمع الذي لاحظته 562 نازحة تمت مقابلتهن".
أمهات أردنيات في سن الطفولة
منذ أن عدل البرلمان الأردني في عام 2019 سن الزواج إلى 16 عاماً، بشروط منها موافقة قاضي القضاة، وإذا كان الزواج "ضرورة" تقتضيها المصلحة، ظل هذا الملف يطل برأسه بين الحين والآخر وسط أصوات تتعالى بين مؤيدة ومعارضة له، في وقت تشعر مؤسسات حقوقية محلية ودولية، لا سيما "هيومن رايتس ووتش" بالقلق، بخاصة مع ارتفاع حالات زواج القاصرات بالأردن في عام كورونا الأول.
زواج القاصرات وكورونا
تظهر الأرقام الصادرة عن دائرة قاضي القضاة والمحاكم الشرعية تزايداً في زيجات الفتيات القاصرات عام 2020 وهو العام الذي انتشرت فيه جائحة كورونا، وسجل نحو ثمانية آلاف عقد زواج، بزيادة 11.8 في المئة مقارنة بعام 2019.
ولا يبدو أن كل محاولات التوعية برفض زواج القاصرات في الأردن تؤتي ثمارها، إذ زادت عقود زواج للقاصرات على 52 ألفاً في آخر خمس سنوات، وفقاً للتقارير السنوية الصادرة عن دائرة قاضي القضاة الأردنية.
اللجوء السوري
وبمجرد الحديث عن زواج القاصرات في الأردن، يعزو البعض السبب إلى اللجوء السوري في المملكة حيث ترتفع نسب زواج القاصرات بين اللاجئين السوريين بنسبة 40 في المئة قياساً بالأردنيات.
وتقول إحصاءات غير رسمية، إن نحو 29 فتاة قاصراً تتزوج يومياً في الأردن بسبب تلاعب في أعمار المتزوجات وتساهل بعض الجهات التي تشرف على عقود الزواج، وتعاني القاصرات اللاتي يتزوجن في مخيمات اللجوء من ظاهرة الطلاق المبكر الذي يكون في العام الأول بعد الزواج، بشكل عام.
وتتعدد الأسباب التي تجبر الفتيات السوريات اللاجئات على الزواج المبكر بين الانقطاع عن التعليم والظروف الاقتصادية، فضلاً عن التقاليد الموروثة.
ويشير مراقبون إلى أن محافظة المفرق، التي تضم على أراضيها مخيم الزعتري للاجئين السوريين، جاءت في المرتبة الأولى من حيث نسبة زواج القاصرات.
أمهات طفلات
ويستند المؤيدون إلى زواج القاصرات في الأردن إلى الشريعة الإسلامية والعرف الدارج في المجتمع، ومن بين هؤلاء النائب في البرلمان الأردني ونقيب المحامين الأسبق صالح العرموطي الذي رأى أن ثمة هجمة من مؤسسات المجتمع المدني للعبث بقيم المجتمع الأردني وأعرافه، مشيراً إلى وجود 25 ولاية أميركية تسمح لمن هم دون سن الـ18 بالزواج.
لكن معارضين آخرين، لا سيما جمعية "تضامن" ترى أن تبعات الزواج المبكر خطيرة وكبيرة ليس أقلها تبرير العنف، وهو من التداعيات السلبية لتزويج الأطفال، ما يرسخ المعايير الاجتماعية المسيئة للنساء والمؤيدة لضرب الزوجات وتعنيفهن، فضلاً تفاقم ظاهرة الأمهات الطفلات.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن 62 في المئة من الزوجات القاصرات في الأردن يبررن صفع أو ضرب أزواجهن لهن.
وهنا تؤكد جمعية "تضامن" أن نتائج مسح السكان والصحة الأسرية بين عامي 2017-2018، الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة تشير إلى أن نسبة النساء المتزوجات، واللاتي أعمارهن أقل من 15 عاماً، بلغت 9.6 في المئة، وأن 1.2 في المئة منهن أنجبن أطفالاً قبل بلوغهن 15 عاماً.
زواج مشروط
وعلى الرغم من وضع الحكومة الأردنية شروطاً على زواج القاصرات، فإن العام الماضي شهد موافقة السلطات على 95 في المئة من طلبات منح الإذن بتزويج القاصرات، في مقابل 339 طلباً رفضت، واستقبلت مكاتب الإصلاح والوساطة والتوفيق الأسري 6740 طلباً لمنح إذن الزواج من دون سن 18 عاماً في عام 2020.
ومن شروط منح الإذن، أن تتحقق المحكمة الشرعية من الضرورة التي تقتضيها المصلحة، وما تتضمنه من تحقيق منفعة أو درء مفسدة وبما تراه مناسباً من وسائل التحقق.
تحقيق منفعة
وتنص المادة 4 من تعليمات شروط منح الإذن بالزواج للفئة العمرية (15-18) عاماً، أن يكون الخاطب كفؤاً للمخطوبة، وأن يتحقق القاضي من الرضا والاختيار التامين، وأن تتحقق المحكمة من الضرورة التي تقتضيها المصلحة وما تتضمنه من تحقيق منفعة أو درء مفسدة وبما تراه مناسباً من وسائل التحقق، وألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين 15 عاماً، وألا يكون الخاطب متزوجاً، وألا يكون الزواج سبباً في الانقطاع عن التعليم المدرسي، وإثبات مقدرة الخاطب على الإنفاق ودفع المهر وتهيئة بيت الزوجية.
ووفقاً للتقرير الإحصائي السنوي 2020 الصادر عن دائرة قاضي القضاة، فإن جائحة كورونا لم تؤثر على عقود الزواج المسجلة في الأردن، إذ تراجعت بشكل طفيف، إلا أنها أثرت سلباً على تزويج القاصرات بزيادة 740 عقداً.
ضحايا الموروث الاجتماعي والحروب في العراق
في المقابل، يعتقد كثيرون أن بعض التقاليد الاجتماعية انطوت ورحلت مع التطور الذي نعيشه حالياً، لكننا نكتشف أنها لا تزال حاضرة وبقوة في المجتمع العراقي.
ومن هذه العادات "زواج القاصرات". اتسعت هذه الظاهرة وأصبحت تشمل المدن والأرياف على حد سواء، فما زلنا نسمع بـ"زواج الفصل". و"الفصل" مصطلح يطلق على طريقة حسم القضايا بين العشائر مثل الاعتداءات والتجاوزات التي تحدث بينهم، وغالباً ما يكون فصل الخصومات من خلال تسديد مبلغ مالي أو الأسوأ، وهو تزويج فتاة من العشيرة المعتدية لعشيرة المعتدى عليه، وغالباً ما تكون هذه الفتاة قاصراً. وفضلاً عن زواج الفصل، ما زلنا نسمع أيضاً بـ"زواج الهبة"، إذ قد يهب أحدهم بنتاً من بناته أو ابنته الوحيدة لرجل دين، هادفاً من عمله هذا "رضا الله ومغفرته"، وفي الغالب فإن ضحايا هذا الزواج هن من القاصرات أيضاً.
ثقافة المجتمع
وضاعفت آثار الحروب نسبة تزويج القاصرات، فالمدن التي شهدت نزاعات وانتقال عائلات من المدن إلى المخيمات، شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في تلك الظاهرة. كما أن عامل الفقر وثقافة المجتمع، أسهما في اتساع هذه الظاهرة.
تسليع المرأة
وترى الباحثة الاجتماعية خلود الشمري، أن "ظاهرة زواج القاصرات اتسعت لأسباب عدة، منها الفقر وعدم وجود فرصة عمل لرب البيت، لذلك تقرر العائلة منح ابنتها لرجل ميسور كأي سلعة تهدى من دون أن يكون لها حق الاعتراض أو حتى إبداء الرأي". وأضافت الشمري، أن "التقاليد الاجتماعية لا سيما في المحافظات الجنوبية، تفرض غالباً على الفتاة تزويجها من ابن عمها، وإن كانت بعمر صغير، كما أن فتيات كثيرات يقعن ضحية زواج الفصل فيصبحن دية لشاب من عشيرة معينة بسبب خلاف بين عشيرتين".
المشكلة تتسع
وتقول الشمري، إن "العراق لا يملك إحصائية دقيقة عن عدد المتزوجات القاصرات، لأن كثيراً من حالات الزواج تتم خارج المحكمة عن طريق عقد الشيخ، والطلاق أيضاً يكون من خلال الشيخ وليس المحكمة". وتعتبر أن "المشكلة التي يخلفها زواج القاصرات تتمثل في وجود أعداد من الأطفال من دون مستمسكات أصولية، فبسبب عدم وجود عقد زواج بحسب الأصول أصبح لدينا أطفال من دون مستمسكات أصولية، بالتالي سيحرمون من حقوقهم في التعليم والصحة".
ثغرة في قانون الأحوال الشخصية
يشترط قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1959 المعدل، إكمال عمر 18 عاماً للزواج، إلا أن المادة 8 من القانون ذاته في الفقرتين 1 و2، تركت ثغرة واضحة لإمكان الزواج تحت هذه السن، إذ نصت على أنه "إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج، فللقاضي أن يأذن بذلك، إذا ثبتت له أهليته وقابليته البدنية، بعد موافقة وليه الشرعي". ونصت المادة 8 أيضاً للقاضي أن يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر إذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك، واشترط لإعطاء الإذن، "تحقق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية".
كما طالبت المادة 10 من قانون الأحوال الشخصية بتسجيل عقد الزواج لكي يكون دليلاً على الزواج، ولكي لا يتنصل الزوج من الالتزامات التي يفرضها. كما عاقب القانون العراقي بالسجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على عام لمن لم يوثق ويسجل عقد الزواج في المحكمة.