المزاج السائد في "وول ستريت" مبتهج بلا ريب مقارنة بعام مضى عندما كانت أكبر البنوك في البلاد في أميركا تتوقع حدوث دمار اقتصادي مع تفشي فيروس كورونا في جميع الولايات، مما دفع المصارف لتخصيص مليارات الدولارات لمواجهة الخسائر الهائلة التي يمكن أن تلحق بها جراء خسارة عدد قياسي من الناس وظائفهم، وإفراغ المكاتب وإغلاق الشركات الصغيرة.
لكن باتت القصة مختلقة تماماً مع تقديم مسؤولين تنفيذيين في بنوك "غولدمان ساكس" و"جي بي مورغان تشيس" و"ويلس فارغو" توقعات اقتصادية صعودية، إذ قالوا إن "المستهلكين التي تمتلئ محافظهم بأموال التحفيز، يتوقون للإنفاق والشركات تتعجل للتوسع من خلال شراء أو بناء أعمال جديدة، مع خروج الولايات المتحدة من جائحة كوفيد-19".
وقال الرئيس التنفيذي لبنك "غولدمان ساكس"، ديفيد إم سولومون، للمحللين في مؤتمر عبر الهاتف بحسب "نيويورك تايمز"، "من الواضح بالنسبة لي أن الولايات المتحدة تستعد لانتعاش قوي هذا العام، بقيادة الإنفاق الاستهلاكي الذي ينتعش إلى مستويات ما قبل كوفيد". وأضاف، "ينعكس هذا الشعور في أسواق رأس المال".
واتخذ نظيره في "جبي بي مورغان تشيس"، جيمي ديمون، أكبر بنك في البلاد من حيث الأصول، وجهة نظر مماثلة.
وقال ديمون في بيان، "نعتقد أن الاقتصاد لديه القدرة على تحقيق نمو قوي للغاية ومتعدد السنوات". وعزا توقعاته إلى الإنفاق الحكومي على التحفيز والبنية التحتية والسياسات الداعمة من الاحتياطي الفيدرالي والآمال الكبيرة بنهاية الوباء.
كل التوقعات الإيجابية تبشر بالخير للبنوك التي بدأت في الإبلاغ عن أرباحها ربع السنوية هذا الأسبوع، إذ أعلن كل من "غولدمان ساكس" و"جي بي مورغان" عن تحقيق أرباح تقارب خمسة أضعاف ما كانت عليه في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، وذلك بفضل مزيج من نتائج الأعمال القوية وتقليل مبلغ الأموال التي خصصوها لتغطية خسائر القروض. وأبلغت "ويلس فارغو" عن أرباح بلغت سبعة أضعاف.
ووصف مايك نوفوغراتز، المتداول المخضرم الذي يدير شركة مالية تركز على العملات المشفرة، نتائج البنوك بأنها "شهادة" على ما يحدث عندما يكون هناك قدر كبير من الأموال المتاحة للاستثمار "في النظام كما لدينا". وتوقع انتعاشاً وشيكاً في السفر والترفيه والتواصل الاجتماعي والاستثمار الذي سيذكرنا بالعشرينيات الهادرة. وقال إن المستثمرين يجب أن يشكروا رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، على اتخاذ خطوات لدعم الاقتصاد، مثل شراء الأصول المالية والحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة.
تحول دراماتيكي
وتقول "نيويورك تايمز"، إن هناك ما يكفي من المؤشرات الواقعية لتهدئة تفاؤل "وول ستريت". فلا تزال حالات العدوى والاستشفاء تتصاعد في بعض مناطق البلاد، فحتى مع ازدياد انتشار التطعيم، فإن القرار الأخير بإيقاف اللقاح الذي يقدمه "جونسون آند جونسون" (أحد اللقاحات الثلاثة المعتمدة من قبل الولايات المتحدة) وإحجام واحد من كل أربعة أميركيين عن التلقيح، يمكن أن يبطئ مسيرة البلاد نحو مناعة القطيع. ومن المرجح أن يكون الانتعاش غير منتظم، مما يضر أولئك الذين كانوا يكافحون قبل الوباء أكثر من أولئك الذين احتفظوا بوظائف ثابتة.
وقال ستيفن شير، رئيس بنك "غولدمان"، في مقابلة مع الصحيفة، "بالنسبة إلى البنوك التي أبلغت عن نتائج يوم الأربعاء، يميل ميزان الأدلة بوضوح نحو التحسن، وتكشف أرباح البنوك في هذا الربع عن تحول دراماتيكي، إذا صح التعبير، من انخفاض غير مسبوق في النمو على مدى كوفيد، والآن في الواقع هناك انتعاش كبير على شكل حرف V يحدث للاقتصاد الأوسع".
وانعكست توقعات هذا الانتعاش في التحركات التي اتخذتها البنوك الثلاثة لتقليل الحماية التي وضعتها جانباً في بداية الوباء لتحمل الخسائر المستمرة من بطاقات الائتمان والرهون العقارية والقروض الأخرى التي قدمتها.
وأصدرت مجموعة "جي بي مورغان تشيس" 5.2 مليار دولار من قطاع الائتمان هذه، وخفض "ويلس فارغو" فائدته بمقدار 1.6 مليار دولار، وأشار إلى أن عمليات الخصم، الحالات التي يعلن فيها البنك أنه لن يكون قادراً على تحصيل قرض متأخر السداد، كانت في أدنى مستوياتها بشكل تاريخي. كما خفضت شركة "غولدمان"، وهي لاعب أصغر بكثير في قطاع المستهلكين، مما كانت قد وضعته بنحو 200 مليون دولار.
البنوك تسجل عوائد قياسية
وزادت القوة في أعمال الاستثمار والإقراض والتجارة في البنوك من النشوة. وسجلت البنوك الثلاثة عائدات قوية عبر خطوط أعمال عدة، مدفوعة بمزيج من الأسواق النشطة والمتصاعدة، وطفرة من نشاط الرهن العقاري الجديد والازدهار في شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة، أو "إس بي إيه سي". كما سجل نشاط اندماج الشركات والاستحواذ أعلى مستوياته على الإطلاق من حيث القيمة بالدولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن بنك "غولدمان"، وهو لاعب مهيمن في الخدمات الاستشارية للشركات والأسواق، مضاعفة الإيرادات إلى 17.7 مليار دولار، من 8.7 مليار دولار، وذلك بفضل مكاسب نسبية مضاعفة في الخدمات المصرفية الاستثمارية وإدارة الأموال والأسواق. وأعلن "جي بي مورغان" عن ارتفاع في الإيرادات بنسبة 14 في المئة إلى 33.1 مليار دولار من 29 مليار دولار، مدفوعة بكل من الأسواق والخدمات المصرفية الاستثمارية.
وارتفعت عائدات "ويلس فارغو" بنسبة 2 في المئة، مدعومة جزئياً بقفزة بنسبة 19 في المئة في الإقراض العقاري، حيث هجر الأميركيون المدن إلى المزيد من الضواحي أو المناطق الريفية. وقال تشارلز دبليو شارف، الرئيس التنفيذي للبنك، إن النتائج "تعكس تحسن الاقتصاد الأميركي"، لكن أسعار الفائدة المنخفضة والطلب البطيء على القروض كانت بمثابة "رياح معاكسة".
وكانت البنوك مستفيدة رئيسة، وإن كانت غير مقصودة إلى حد ما، ما دفع الإنفاق الحكومي على مدى العام الماضي والذي سعى إلى منع صدمة الإغلاق الاقتصادي المرتبط بالفيروس من إرسال الاقتصاد إلى حال من التدهور طويل الأجل.
ارتفاع أسواق الأسهم بأكثر من 80 في المئة
منذ أكثر من عام بقليل، خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر وأعاد تشغيل برامج شراء السندات، وضخ فعلياً تريليونات الدولارات التي تم إنشاؤها حديثاً في الأسواق المالية، مما ساعد في تعزيز النشاط في الرهون العقارية وإصدار سندات الشركات والصفقات.
ومنذ ذلك الحين، ارتفعت أسواق الأسهم بأكثر من 80 في المئة، وسط طفرة في التداول بلغت ذروتها هذا العام. ساعد كلا العاملين البنوك التي لديها أعمال تشتري وتبيع الأسهم للعملاء، وحققت أعمال الأسهم في "غولدمان" 3.7 مليار دولار من العائدات في الربع الأول، بزيادة 68 في المئة عن العام الماضي، وبلغت أعمال أسواق الأسهم في "جي بي مورغان" 3.3 مليار دولار بزيادة 47 في المئة.
بالنظر إلى المستقبل، سلطت العديد من البنوك الضوء على تأثير عمليات الدفع الأخيرة لشيكات التحفيز على حسابات المستهلكين، وهو مكون من حوالى 5 تريليونات دولار خصصته الحكومة الفيدرالية لمكافحة الأزمة خلال العام الماضي. وقال مصرفيون إن تدفق الدولارات الفيدرالية ساعد في وضع الموارد المالية للأسر الأميركية على بعض من أقوى أسسها منذ سنوات، مضيفين أن هناك مؤشرات متزايدة على رغبة المستهلكين في توظيف الأموال النقدية.
وقالت "ويلس فارغو" في مكالمة مع المحللين، "إننا نشهد زيادة في نشاط الإنفاق الاستهلاكي في كل من السفر والمطاعم، وهما فئتان تم كبتهما بشكل خاص منذ ظهور الموجة الثانية من جائحة كورونا، كما ارتفع الإنفاق المرتبط بالسفر على بطاقات الخصم بنسبة 422 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020". وأشار "جي بي مورغان" إلى الزخم المتزايد في الإنفاق على السفر والترفيه، والذي ارتفع بنسبة 50 في المئة في مارس (آذار) مقارنة بفبراير (شباط).
وقال بنك غولدمان ساكس، في مؤتمر عبر الهاتف مع المحللين، "ليس هناك شك في أن هناك طلباً مكبوتاً ذا مغزى من المستهلكين".
ومع ذلك فإن عدداً من الشركات الصغيرة التي ظلت واقفة على قدميها من خلال المساعدات الفيدرالية (ما يقرب من 1 تريليون دولار في العام الماضي)، اعتمدت على قروض تهدف إلى الإعفاء، حتى مع جهود الحكومة الرئيسة لدعم الأعمال الصغيرة عبر برنامج حماية الراتب. ويذكر أن البرنامج يقترب من نهايته.