في المملكة المتحدة، يحدو الأمل العلماء الذين طوروا لقاح "أكسفورد" المضاد لفيروس كورونا، بشأن قدرة لقاح ابتكروه، أخيراً، ضد الملاريا سيتمكن من السيطرة على الوباء الذي ينتقل إلى البشر عبر لدغات البعوض، وربما يقضي عليه في غضون 20 عاماً.
وقد ذكر البروفيسور أدريان هيل، مدير "معهد جينر" Jenner Institute التابع لجامعة "أكسفورد"، أن فريقه "مبتهج جداً" إزاء فرص النجاح المحتملة للقاحهم، الذي "يبدو جيداً"، وفق وصفه، في توفير الحماية ضد الملاريا.
ويدخل ذلك اللقاح اختبارات واسعة النطاق الشهر الحالي تشكل المرحلة الثالثة من التجارب، على أن يشارك فيها حتى خمسة آلاف طفل يتوزعون على خمسة مواقع مختلفة في شرق أفريقيا وغربها. ويتوقع ألا تنتهي الدراسة قبل سنتين في أقل تقدير.
تذكيراً، تودي الملاريا بحياة ما يربو على 400 ألف شخص سنوياً، غالبيتهم من الأطفال دون الخامسة من العمر. وتخشى "منظمة الصحة العالمية" من أن الرقم المذكور ربما ارتفع في الأشهر الـ12 الماضية بسبب "كوفيد- 19" الذي عرقل جهود الوقاية من وباء الملاريا وعلاجه.
واستطراداً، ذكر البروفيسور هيل الذي وضع بحثه مع البروفيسورة سارة غيلبرت الأسس في تطوير لقاح "أوكسفورد" المضاد لـ"كوفيد"، أن وفيات الملاريا في أفريقيا بلغت خمسة أضعاف نظيرتها التي تسبب بها فيروس كورونا، خلال العام الماضي.
وفي وقت سابق، خضع لقاح البروفيسور هيل ضد وباء الملاريا الذي ينتشر في المناطق الاستوائية، للمرحلتين الأولى والثانية من الاختبارات [على الأنسجة والخلايا في المختبر، ثم الحيوانات]. وتبدو البيانات المتأتية من المرحلتين "مشوقة". ومن المقرر إصدار ورقة علمية توجز تلك النتائج، خلال أسابيع مقبلة.
ووفق البروفيسور، "توجب علينا أن نخوض المرحلة الثالثة" من الاختبارات، لافتاً إلى أنها المرة الثانية في التاريخ التي يصل فيها لقاح مرشح ضد الملاريا إلى هذه المرحلة من التطور. وفق هيل، "تسير الأمور على نحو جيد جداً".
في الواقع، منذ 1907 ما انفك العلماء يحاولون ابتكار جرعة تحصينية مضادة للملاريا، الذي يسببه طفيلي "بلازموديوم" Plasmodium. ولكن بعد ما يربو على قرن من البحوث، لم تصل سوى قلة منهم إلى المرحلة المتقدمة التي حققها البروفيسور هيل وفريقه.
مثلاً، على الرغم من أن "غلاسكو سميث كلاين" GlaxoSmithKline، الشركة البريطانية العالمية للأدوية، قد نجحت في إجراء تجربة تطبيقية في أفريقيا على لقاحها المجاز، فإن الأخير واجه مخاوف مقلقة بشأن فاعليته. للأسف، توفر أربع جرعات منه حماية لا تتعدى 30 في المئة ضد حالات الملاريا الحادة، لمدة لا تزيد على أربع سنوات.
نظراً إلى أن حجم طفيلي الملاريا يفوق بأشواط كثيرة الفيروسات عموماً، من العسير جداً العثور على البروتين المطلوب في الجينوم الخاص به بغية استهدافه وتحييده، ما يفاقم صعوبة توليد المناعة الطبيعية في الجسم ونظيرتها المكتسبة صناعياً (عبر اللقاح) كلتيهما. [بمعنى صعوبة تحديد المجموعة المحددة من جينات الـ"بلازموديوم" التي تسبب فعلياً مرض الملاريا، ثم صنع لقاح ضدها].
وبحسب كلمات البروفيسور، "على عكس الفيروسات التي ربما تحتوي على 10 جينات، فيكون في وسعك غالباً اختيار الجين اللازم استهدافه لأنه يتمركز على سطح الفيروس، يحتوي طفيلي الملاريا على 5000 جين. ولقد تطور [جينوم "بلازموديوم"] بشكل مشترك مع البشر، إذ ما برح يتكيف مع نظام مناعتنا منذ ملايين السنين". [بمعنى أنه يدخل إلى أجساد البشر ويتفاعل مع جهاز المناعة فيها، فتتغير تركيبته، ثم يعود إلى البعوض التي تتفاعل معه أيضاً، قبل أن تعاود نقله إلى البشر مجدداً].
وعلى الرغم من ذلك، أعرب البروفيسور هيل عن ثقته في أن لقاحه الذي يستخدم التقنية عينها المعتمدة في صنع لقاح "نوفافاكس" Novavax المضاد لـ"كوفيد -19"، سيتغلب على تلك التحديات. وأشار أيضاً إلى أن (لقاح أكسفورد ضد الملاريا) "يولد استجابات عالية استثنائية من الجهاز المناعي ضد الأجسام المضادة".
بالنسبة إلى تلك التقنية المعتمدة، يحتوي اللقاح على بروتين "معقد" متناهي الصغر مأخوذ من طفيلي الملاريا، يتعرف إليه جهاز المناعة في الجسم بعد أخذ الجرعة. [كثيراً ما يشار إلى الجين بمصطلح بروتين، نظراً للدور المحوري الذي تؤديه تلك المادة في تركيبته]. وكذلك يستخدم العلماء عنصراً قوياً يسمى "آدجوفانت" adjuvant، يساعد في تحفيز الاستجابة المناعية وتعزيزها.
في ذلك السياق، أشار البروفيسور هيل إلى "أنها فعلاً تقنية قوية الفاعلية في تطوير لقاح. فعلى مدى سنوات، وجدنا أن في مقدور المرء اكتساب بعض الحماية من الملاريا، غير أنها تستمر لأسابيع أو أشهر عدة، وسرعان ما تتلاشى".
وأضاف، "نجحنا في تحقيق مستويات أعلى من الحماية (ضد الملاريا) وقد استمرت لفترة أطول. ما زال يتعين علينا تعزيز الحصانة كل عام. لذلك نعتقد أنه في غضون بضع سنوات لن نكتفي بإعطاء معظم الأطفال الأفارقة ثلاث جرعات من لقاحنا في مرحلة الرضاعة، إنما أيضاً جرعة سنوياً وصولاً حتى سن الخامسة".
في سياق متصل، على غرار الحال مع لقاح "أكسفورد" المضاد لفيروس كورونا، تعاون "معهد جينر" مع "معهد سيروم"Serum Institute في الهند في تصنيع لقاح الملاريا، على أن ينتج مصنع الأدوية العملاق في الهند قرابة 300 مليون جرعة.
وكذلك يعول البروفيسور هيل على تلك الشراكة في خفض تكاليف التصنيع، كي تكون الجرعات رخيصة الثمن ومتاحة أمام بعض أفقر البلدان في العالم.
وفق البروفيسور هيل، أن يطرأ "خلل ما في اللحظة الأخيرة" احتمال وارد دائماً، بيد أن فريق "أكسفورد" يعقد آمالاً كبيرة على لقاحه. وفي المقابل، يرى هيل أن "لقاحاً له فاعلية عالية يجب أن يقضي على الملاريا في نهاية المطاف. ولن يتحقق ذلك في غضون خمس سنوات، لكنه ربما يحدث في غضون 20 عاماً".
في هذا الشأن نفسه، تحدثت أزرا غاني، برفيسورة في علم أوبئة الأمراض المعدية في "إمبريال كوليدج لندن" Imperial College London، مشيرة إلى أنه في خضم التركيز على مواجهة "كوفيد- 19"، يتوجب عدم نسيان التهديد الذي تشكله الملاريا.
وأضافت غاني أن لقاحاً مضاداً للملاريا يتمتع بدرجة عالية من الفاعلية سيساعد على حد سواء في الحد من وفياتها، "وتخفيف وطأة "العبء الذي يطرحه وباء الملاريا على النظم الصحية، ما يجعل البلدان مهيأة أكثر كي تصب تركيزها على أولويات صحية أخرى، ويسهم في تحسين الأمن الصحي العالمي".
ويعتبر لقاح الملاريا، بحسب غاني، مثلاً آخر على "التأثير الثوري للعلم في التصدي للتهديدات التي تطرحها الأمراض على الصعيد العالمي".
وفي نفس مماثل، أوضح جيمس ويتينغ، الرئيس التنفيذي للمؤسسة الخيرية "ملاريا نو مور يوكيه" Malaria No More UK ("لا ملاريا بعد الآن" في المملكة المتحدة)، "إن العمل الرائد الذي أنجزه "معهد جينر" بتطويره اللقاحين الجديدين المضادين لـ"كوفيد- 19" والملاريا، يبرهن إلى أي مدى تتوقف سلامة البشرية على العلم الحديث".
وعلى غرار غاني، حذر ويتينغ من أن الاقتطاع الذي لجأت إليه الحكومة البريطانية، أخيراً، من المساعدات الخارجية للتنمية، يهدد بتقويض التقدم المحرز في مكافحة الملاريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تذكيراً، تعهدت بريطانيا في 2016 بإنفاق 500 مليون جنيه إسترليني سنوياً على مواجهة داء الملاريا، لكن العلماء حذروا في وقت سابق من الأسبوع الحالي من أن بحوثهم ستتوقف عقب تخفيض طال تمويل هيئة "الأبحاث والابتكار البريطانية" UK Research and Innovation، المسؤولة عن إدارة استثمارات الحكومة في مجال العلوم.
وفي سياق متصل، ذكر وايتنغ، أن التقدم الذي أحرزه "معهد جينر" يأتي "في وقت تقترح حكومة المملكة المتحدة إجراء اقتطاعات من ميزانية البحوث البالغة الأهمية المتصلة بالملاريا. وعبر سحب التمويل الذي يمكن العلماء والمؤسسات البريطانية من إيجاد حل لأحد أكثر الأمراض فتكاً في العالم، نتخلى عن قوتنا العلمية العظيمة فيما العالم في أمس الحاجة إليها".
© The Independent