شرّع الشيخ صادق النابلسي المقرب من "حزب الله" التهريب على الحدود بين لبنان وسوريا لحماية المقاومة، وأكد في حديث تلفزيوني أن "التهريب جزء لا يتجزأ من عملية المقاومة والدفاع عن مصالح اللبنانيين"، وبرّر ما يحصل على الحدود بالقول "تحت الضغط الأميركي والعقوبات الحالية، فإن الشعبين اللبناني والسوري يضطران إلى تجاوز بعض الحدود وكسر بعض القوانين من أجل تأمين حاجاتهم المعيشية". كلام الشيخ النابلسي أتى مناقضاً للدعوات المتكررة من سياسيين وخبراء وجمعيات مدنية ثائرة على الوضع، مطالبةً بضرورة ضبط الحدود مع سوريا، لما لذلك من انعكاسات كارثية على الوضع الاقتصادي اللبناني من زيادة في الهدر، بعدما بات التهريب يتسبب بنسبة 80 في المئة من الأزمة الاقتصادية والمالية، لا سيما أن المواد المهربة كالمحروقات مثلاً، هي السلع المدعومة من قبل مصرف لبنان الذي يستخدم أموال المودعين في المصارف لتغطيتها.
"حزب الله" يرفض التعليق
التزم "حزب الله" الصمت ولم يعلّق على كلام الشيخ النابلسي، بينما قالت مصادره إنه لا يشغل منصباً في "الحزب"، علماً أن له شقيقاً مسؤولاً فيه ووالده الشيخ عفيف النابلسي كان من مؤسسي "الحزب" في الجنوب.
وتقصّد بالتزامه الصمت تطويق كلام النابلسي، الذي اعتُبر إدانة مباشرة لـ"الحزب" في مسؤوليته عن التهريب على الحدود، مقابل غياب المعالجة الجدية من جانب المسؤولين السياسيين والأمنيين المعنيين. وحاولت "اندبندنت عربية" الاتصال بالشيخ النابلسي لكنه رفض التعليق، معتبراً أن لا شيء لديه ليضيفه على ما قاله في الحديث التلفزيوني.
نائب يشتكي ويتعرّض للتهديد
في المقابل، يتهم عضو "تكتل الجمهورية القوية" النائب زياد حواط "حزب الله" بالسيطرة على الحدود، وبأن لبنان يدفع فاتورة هذا الواقع. وتحدث حواط مستنداً إلى وثائق وصور لأسماء مقرّبين من "الحزب" ومعابر غير شرعية قدّمها إلى القضاء الذي لم يحرّك ساكناً حتى الآن. وكشف عن أنه تلقّى تهديدات مباشرة وغير مباشرة لمنعه من الاستمرار في متابعة ملف التهريب، مشيراً إلى المسار الذي يتّبعه "الحزب" في تهريب المحروقات من لبنان إلى سوريا مستفيداً بالاتجاهَين، بخروج المحروقات ودخول الدولار إلى خزانته. كما كشف النائب حواط لـ"اندبندنت عربية" عن أن "سماسرة الحزب يشترون المحروقات من الشركات المستوردة عبر وسطاء ومن بينهم أصحاب محطات، وبسعر أغلى بنسبة 10 في المئة من السوق، فتُهرّب المحروقات المدعومة من احتياطي مصرف لبنان إلى سوريا، حيث يبيعها الحزب في السوق السوداء ويتقاضى الدولار نقدا (fresh dollar) الذي يدخل إلى منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت (معقل حزب الله)، وليس إلى المصرف المركزي الذي حدد نهاية شهر مايو (أيار) كحدّ أقصى لقدرته على تأمين الأموال اللازمة للاستمرار بدعم المواد الأساسية ومنها المحروقات، لا سيما أن قيمة السلع المهرّبة شهرياً باتت تفوق الـ200 مليون دولار شهرياً، وهي أموال تشكّل هدراً إضافياً تفقده خزانة الدولة.
التهريب خط أحمر
ويشرح عضو "تكتل الجمهورية القوية" أنه تقدّم بإخبارين، "واحد لدى النيابة العامة التمييزية وآخر لدى النيابة العامة المالية، ولم يتحرك أحد ولم يُستدعَ أي شخص، فيما اكتفى المدعي العام المالي بتكليف فرع المعلومات متابعة القضية، الذي اكتفى بالاستماع إلى محامي حواط بعد الاطّلاع على كل الوثائق. وفيما يفضل حواط عدم الإفصاح عن أسماء "السماسرة" التابعين لـ"الحزب" الذي قدّمهم إلى القضاء، يكشف عن لائحة المعابر غير الشرعية التي تُهرَّب عبرها المحروقات وغيرها من المواد الغذائية والسلع، والتي يفوق عددها الـ14 في منطقة البقاع (في مناطق حرف السماكة والقصر وحوش السيد والمشرفة) و5 معابر في الشمال في منطقة وادي خالد. وبحسب المعلومات، فإن المعابر الـ4 في منطقة القصر تُعدّ من أهم الممرات حيث يتم من خلالها تهريب كميات كبيرة من المحروقات والبضائع على أنواعها، خصوصاً البضائع التركية عبر سوريا إلى لبنان، وبمؤازرة آليات عسكرية للجيش السوري، الفرقة الرابعة وعناصر حزبية لبنانية، ويتم تفريغ البضاعة في ساحات كبيرة تابعة للأراضي اللبنانية، لكن الدولة السورية تعتبرها أراضٍ سورية، وتُنقل من هناك إلى الداخل اللبناني بشاحنات صغيرة. وبحسب الوثائق التي قدّمها حواط إلى القضاء، يتحدث أيضاً عن معبر البوابة التابع لـ"حزب الله" في منطقة حوش السيد حيث عناصره موجودة بشكل دائم. وقال النائب حواط لـ"اندبندنت عربية" إن "التهريب بالنسبة إلى حزب الله هو عمل جهادي ومقدس والمسّ به هو مسّ بالمقاومة، وهذا ما فهمناه من كلام الشيخ النابلسي". وذكّر بما ورد على لسان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله ردّاً على المطالبة بنشر قوات دولية على الحدود مع سوريا لمؤازرة الجيش اللبناني في ضبط الحدود، إذ أكد أن "ما لم ينجح الإسرائيلي بالقيام به عام 2006، لن يستطيع تحقيقه البعض في الداخل اللبناني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الحدود السائبة تتسبب بعزل لبنان
في المقابل، وقع قرار السعودية منع دخول الخضر والفواكه من لبنان إلى أراضيها كالصاعقة على المواطنين، إذ حُظّرت تلك البضائع حتى من المرور عبر الأراضي السعودية إلى دول أخرى، وذلك بعدما أحبط مكتب مكافحة المخدرات بالتنسيق مع الجمارك السعودية محاولة تهريب 2.466.563 قرص إمفيتامين مخدر، مخفيةً داخل شحنة فاكهة رمان، قالت وزارة الداخلية السعودية إنها آتية من لبنان.
وعكس القرار السعودي فداحة الانفلات الحاصل في البلاد وسوء إدارة المعابر البرية والبحرية والجوية، لا سيما أنه استُتبِع بحادثة مماثلة كشفت عنها السلطات اليونانية التي أعلنت ضبط أربعة أطنان من الحشيش كانت مخبأةً في شحنة من آلات صنع "الكاب كيك" (cup cake) الصناعية متجهة من لبنان إلى سلوفاكيا.
تأثير كارثي في لبنان
وقال رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان حويك لـ"اندبندنت عربية" إن "القرار السعودي يشكّل خسارة كبيرة، وكارثة على القطاع الزراعي، لا سيما أن أكثر من نصف الصادرات الزراعية ترسل إلى السعودية والدول العربية الأخرى". وشرح الحويك أن "التأثير المباشر لهذا القرار سيكون بخسارة لبنان حوالى 92 مليون دولار أميركي شهرياً أي بمعدل 250 ألف دولار يومياً، وهي إجمالي الصادرات الزراعية إلى السعودية وعبرها إلى الكويت وعمان والبحرين وقطر والإمارات، علماً أن السعودية هي ثاني دولة عربية بعد الكويت من حيث حجم الصادرات، إذ تبلغ كمية الصادرات سنوياً إلى الرياض 50 ألف طناً وقيمتها 24 مليون دولار أي 16 في المئة من إجمالي الصادرات".
وبحسب بيانات مديرية الجمارك العامة، فإن صادرات لبنان من الخضار والفاكهة إلى دول الخليج بلغت العام الماضي، 312.6 ألف طن بقيمة 145 مليون دولار. وبذلك، تكون السعودية والدول الخليجية التي تمرّ الشاحنات عبر الأراضي السعودية لتصل إليها، تستورد من لبنان 173.3 ألف طن أي ما نسبته 55.4 في المئة من الخضار والفاكهة.
هل تتحرك الدولة؟
على الرغم من تأكيد أكثر من مصدر زراعي أن لا رمان في لبنان للتصدير، وأن الشحنة التي وصلت إلى السعودية آتيةً من سوريا وربما من تركيا، إلا أن ذلك لا يحجب حقيقة الحدود السائبة التي تحتاج إلى معالجة سريعة قبل فوات الأوان. ودعا رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين كلاً من وزير الزراعة ومديرية الجمارك والأمن العام إلى التوجه فوراً إلى السعودية لحل المشكلة قبل أن تقع الكارثة، مستبعداً في الوقت ذاته أي تحرك من قبل المعنيين "بحيث بتنا في دولة مهترئة لا قضاء فيها ولا محاسبة والملفات تختفي والنتيجة فوضى وفلتان".
بدوره دعا "مجلس التنفيذيين اللبنانيين" الذي يضم رجال أعمال لبنانيين مقيمين في الرياض إلى الاستعانة بالخبرات الدولية لإدارة ومراقبة الحدود ووضع خطة تضبط الوضع المتفلت براً وبحراً وجواً. وطالب المجلس في بيان بـ"وقف الاستهتار بمصالح اللبنانيين"، معبّراً عن عدم تفاؤله "بأي إجراء جدي قد تتخذه بيروت الملهية بجدالات بيزنطية عقيمة حول حقوق الطوائف ومحاصصة الأحزاب".
أما أول تعليق لوزير الخارجية اللبناني شربل وهبة، فكان بالتذكير بأن القوانين تجرّم تهريب المخدرات وتعاقب عليه، داعياً إلى إيقاف هذا الأمر فوراً. وبلغة المعارِض لا المسؤول، دعا وهبة إلى ضرورة البدء باتخاذ إجراءات حاسمة لضبط الحدود والمعابر.