يتباطأ نمو الائتمان في الصين تدريجياً مع سعي صانعي السياسة إلى المحافظة على أبرز انتعاش في العالم من الوباء، دون تأجيج المديونية غير المستدامة، حيث أبقت الصين هذا الأسبوع على سعر الإقراض القياسي من دون تغيير للشهر الـ 12 على التوالي، لكن المؤشرات الأخرى تظهر أن بكين، التي تمارس سيطرة أكبر على نظامها المصرفي الذي تهيمن عليه الدولة أكثر من معظم الاقتصادات الكبرى، تستخدم سياسات أخرى في محاولة للتخفيف من مخاطر السخونة الزائدة في تعافيها غير المتوازن والثقيل للصناعة.
ووفقاً لبيانات رسمية صينية صدرت هذا الشهر، ارتفع إجمالي التمويل الاجتماعي، المقياس الرئيس لنمو الائتمان في البلاد، ويقيس الإقراض عبر النظام المالي المحلي، بنسبة 12 في المئة على أساس سنوي في مارس (آذار)، وهو أبطأ وتيرة له منذ أبريل (نيسان) من العام الماضي.
من جانبه، حذر مايك ريدل، مدير صندوق رئيسي في أليانز جلوبال إنفستورز، في تصريحات لـفايننشال تايمز، من أن دورة الائتمان في الصين هي "ديناميكية النمو العالمي الرئيسة التي يجب مراقبتها، لأنه دفعت الكثير من الانكماش العالمي" حتى الآن. وقال إن أي تشديد إضافي سيؤثر في النمو العالمي بينما يتعافى من الوباء. وقال جوليان إيفانز بريتشارد، كبير الاقتصاديين الصينيين في كابيتال إيكونوميكس، "لقد كانت الصين بالفعل أول اقتصاد رئيس يشدد السياسة".
وتأتي أحدث علامات التباطؤ في نمو الائتمان بعد أن طلب البنك المركزي من المقرضين كبح جماح نشاطهم في فبراير (شباط).
استهدف صناع السياسة قطاع العقارات من خلال ما يسمى بسياسة "الخطوط الحمراء الثلاثة"، التي تهدف إلى الحد من نفوذ المطورين الرئيسين كما تقاس بثلاثة مقاييس للموازنة العمومية.
كما ارتفعت أسعار الفائدة في سوق السندات بالبلاد أواخر العام الماضي وظلت مرتفعة. تم تداول السندات الحكومية لأجل 10 سنوات بنسبة 3.16 في المئة، مقارنة بـ2.5 في المئة قبل عام. وقال زيكاي تشين، رئيس الأسهم الآسيوية في بنك "بي إن بي باريبا" لإدارة الأصول، "على جانب أسواق رأس المال، هناك بالتأكيد تشديد". تم تصميم هذا النهج لتقييد وصولهم إلى الائتمان مما ساعد في دفع طفرة البناء التي دفعت بإنتاج الصلب إلى أعلى مستوى له على الإطلاق العام الماضي.
معدلات الائتمان والتوجيهات وراء الكواليس للبنوك
وكان معدل نمو الائتمان ارتفع بشكل حاد بحلول منتصف عام 2020، مدفوعاً بخفض سعر الفائدة الأساس للقرض لمدة عام واحد، وهو واحد من عدة معدلات تستخدم لتوجيه تكاليف الاقتراض، الذي قدمته الصين في أبريل (نيسان) الماضي مع استمرار العواقب الاقتصادية للوباء.
ولكن بحلول أواخر عام 2020، بدأ نمو الائتمان في الانخفاض مقارنة مع اتجاه نمو الإنتاج وفقا لتحليل جوليان إيفانز بريتشارد، فإن التحفيز في الصين يعتمد بشكل كبير على التوجيهات وراء الكواليس للبنوك.
وقالت ميشيل لام، الخبيرة الاقتصادية الصينية الكبرى في سوساياتيجينيرالي، "إن التباطؤ في نمو الائتمان خلال بقية العام سيكون مدفوعا بمبادرات صانعي السياسات لتقليل المديونية، وأهمها تقليل المديونية في قطاع العقارات".
ارتفاع الدين الصيني بـ 281 في المئة
أدت زيادة نمو الائتمان في العام الماضي إلى دفع نسبة الدين الصيني إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقدر بنحو 281 في المئة وفقا لـ "جي بي مورغان"، وهو أعلى مستوى على الإطلاق. لكن الصين ليست وحدها، فقد ارتفعت المديونية بشكل حاد في جميع أنحاء العالم حيث تسعى الحكومات إلى الخروج من الوباء، لكن صانعي السياسة الصينيين قلقون أكثر من معظمهم في شأن عبء الديون الناتج، وفقاً للمحللين.
وحذر تشو تشغينغ، أكبر منظم مصرفي في البلاد، خلال مارس (آذار) من مخاطر الفقاعات في الخارج وسوق العقارات المحلية. وفي يناير (كانون الثاني)، أثار مستشار بنك الشعب الصيني مخاوف من أن السيولة الفضفاضة قد تغذي فقاعة الأصول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال إيفانز بريتشارد، "يبدو أنهم أكثر قلقاً بشأن تأثير قدرة كوفيد-19 على تحمل الديون أكثر من كثير من البلدان الأخرى، وهذا هو السبب في أنهم يتحركون بسرعة كبيرة لتطبيع السياسة".
لكن صانعي السياسة الصينيين يتخذون نهجاً خاصاً بقطاع معين بدلا من رفع أسعار الفائدة، وهو ما قد ينتشر عبر الاقتصاد بأكمله، جزئياً لأن الانتعاش غير مكتمل، فعلى الرغم من أن بيانات الناتج المحلي الإجمالي الأسبوع الماضي وثقت انتعاشاً قوياً من أعماق الربع الأول من العام الماضي، فإن النمو على أساس ربع سنوي كان مخيباً للآمال عند 0.6 في المئة فقط. في حين ظل التضخم قريباً من الصفر، على الرغم من أن أسعار المنتجين بدأت في الارتفاع بسرعة منذ بداية هذا العام.
وقالت الحكومة في مارس (آذار) في المؤتمر الشعبي الوطني إن سياسات الاقتصاد الكلي ستظل داعمة. وقال داريوش كووالتشيك، الاقتصادي في كريدي أجريكول، "يبدو أن الاقتصاد قد تباطأ".
مخاطر حرمان الشركات الصغيرة والمتوسطة من الائتمان
وشهدت أسعار الفائدة بين البنوك ارتفاعاً، حيث بلغ معدل شنغهاي بين البنوك لمدة ثلاثة أشهر 2.6 في المئة، مقارنة بـ 1.4 في المئة خلال أبريل (نيسان) الماضي، على الرغم من أنه أقل من مستواه في نوفمبر (تشرين الثاني) البالغ 3.1 في المئة.
من جانبه، لا يتوقع ستيف كوشرين، كبير الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادي في مودي أنالاتيكس، أي زيادة في الأسعار حتى العام المقبل. وأشار إلى خطر "حرمان الشركات الصغيرة والمتوسطة من الائتمان" إذا تم رفع معدلات الفائدة الإجمالية.
وبينما تركز الاهتمام العالمي على الولايات المتحدة، حيث عززت حزمة الحوافز المالية التي قدمها الرئيس جو بايدن توقعات النمو الاقتصادي العالمي، يشير بعض المستثمرين إلى التحول في أنماط الإقراض في الصين كمؤشر لم يحترم مسار الانتعاش العالمي.
وقال بهانو باوجا، كبير المحللين الاستراتيجيين في بنك يو بي إس الاستثماري، "الإنفاق المالي الأميركي يهيمن تماماً على الجدل حول التضخم". وأضاف، "أنا مندهش من مدى عدم حديث الناس عن الدافع الائتماني الصيني".