في الوقت الذي تشير فيه البيانات والأرقام الرسمية، إلى أن العجز الكلي هو الملف الأكثر جدلاً والعائق الأكبر أمام الاقتصاد المصري خلال السنوات الماضية، على الرغم من قيام الحكومة بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في أول نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2016.
لكن وفق البيانات والأرقام التي أعلنها وزير المالية المصري، محمد معيط، بشأن الموازنة الجديدة للعام المالي 2021 - 2022، فإن الحكومة المصرية تستهدف خفض العجز الكلي إلى أقل من 5.5 في المئة بحلول العام المالي 2023 - 2024، مع العودة بالفائض إلى مساره الطبيعي قبل ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد، وهو ما يدفع باتجاه خفض الدين العام، فضلاً عن النزول بنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 84 في المئة.
المرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي
وخلال جلسة مجلس النواب المصري لإلقاء البيان المالي عن مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2021 -2022، قال وزير المالية المصري، إن جهود الحكومة نحو تحقيق مزيد من الاستقرار والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي مستمرة ولم ولن تتوقف، لافتاً إلى أن وزارة المالية وضعت رؤية مستقبلية للأعوام الثلاثة المقبلة من منطلقات عدة أهمها "رؤية مصر 2030" وبرنامج الإصلاحات الهيكلية والمرحلة الثانية من برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري الوطني.
وأشار إلى أن الحكومة تستهدف الحفاظ على مكتسبات المرحلة الأولى من برنامج الإصلاح الاقتصادي، وتشجيع النمو الاحتوائي وتوفير فرص عمل جديدة من خلال دعم الاستثمارات، فضلاً عن تحويل الاقتصاد المصري إلى اقتصاد إنتاجي ينافس الاقتصاد العالمي، وتحسين المؤشرات كافة بشكل تدريجي.
وأوضح أن الموازنة العامة للدولة للعام المالي الجديد تستهدف استمرار تعظيم العائد على أصول الدولة من خلال تبني سياسات اقتصادية سليمة، مثل التسعير الذي يغطي تكلفة إتاحة السلع والخدمات ومدخلات الإنتاج، والمضي بقوة في برامج استعادة هيكلة الأصول المالية للدولة بشكل يضمن تحقيق تحسن تدريجي في الأوضاع المالية لأجهزة الدولة وتحسين الخدمات المقدمة، وتحفيز التوسع في برامج المشاركة بين القطاع العام والخاص في المجالات الاستثمارية وإدارة أصول الدولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، "تستهدف الموازنة، رفع كفاءة وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام لصالح الفئات والمناطق المهمشة، والأقل دخلاً واتباع سياسات توزيعية أكثر كفاءة وعدالة، فضلاً عن التوسع التدريجي في استخدام برامج الدعم العيني الموجه للفئات المستحقة والأماكن المستهدفة، وزيادة قيمة ومعدلات الإنفاق الاستثماري الموجه لتحسين البنية الأساسية، ورفع مستوى الخدمات العامة، بخاصة الصحة والتعليم، وربط قواعد البيانات المتاحة بما يسمح بتوجيه موارد الدولة المحدودة إلى الفئات المستحقة، والتركيز على إصلاح الهياكل المالية لرفع كفاءة وأداء الهيئات الاقتصادية وقطاع الأعمال العام بما يضمن تحقيق عائدات مناسبة من السلع والخدمات التي تقدمها هذه الهيئات والشركات في القطاعات المختلفة.
تشجيع الصادرات ودعم الصناعات التحويلية
كما تركز الحكومة على الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها تحسين بيئة العمل وتشجيع الصادرات والنهوض بقطاع الصناعات التحويلية التي من شأنها الإسهام في تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة، وخلق فرص عمل حقيقية هدفها خفض معدلات البطالة إلى مستويات مستدامة.
وأشار إلى أن الحكومة المصرية تستهدف على مدار الأعوام المقبلة، استمرار جهود الخفض التدريجي لمعدلات نمو دين أجهزة الموازنة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 85 في المئة بحلول نهاية يونيو (حزيران) 2024، وبما يسمح باستمرار تحسن وخفض نسبة أعباء فاتورة خدمة الدين للناتج المحلي، وكذلك الاستمرار في تحقيق معدلات نمو سنوية لا تقل عن 5.5 في المئة خلال المدى المتوسط، بافتراض انحسار تداعيات جائحة كورونا سريعاً.
كما تستهدف الحكومة تحقيق فائض أولي سنوي مستدام في حدود اثنين في المئة من الناتج المحلي في المدى المتوسط، ولتحقيق هذه المستهدفات يجب الاستمرار في جهود زيادة موارد الدولة بكفاءة ومن دون التأثير السلبي على النشاط الإنتاجي والاستثماري والاقتصادي.
هذا إضافة إلى استمرار جهود إعادة هيكلة الإنفاق العام من خلال ترتيب الأولويات بشكل يضمن خلق مساحة مالية (وفورات) على المدى المتوسط، تسمح باستمرار زيادة الإنفاق على التنمية البشرية ومشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، لتتوافق مع الاستحقاقات الدستورية، وكذلك التعامل بجدية مع تداعيات الجائحة لضمان سرعة وقوة تعافي الاقتصاد، وكذلك توفير المخصصات المالية الكافية لتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، وخلق مزيد من فرص العمل، بخاصة للشباب والمرأة وأيضاً استمرار التحسن في دخول ومستوى معيشة المواطنين.
ضبط أرقام الديون الحكومية
الوزير المصري أشار أيضاً إلى أن حكومة بلاده تستهدف الاستمرار في جهود الحفاظ على استدامة الانضباط المالي والمديونية الحكومية والاستقرار المالي المتوازن في ظل تداعيات جائحة كورونا، وجهود ودعم النشاط الاقتصادي وتحفيزه من دون الإخلال باستدامة مؤشرات الموازنة والدين، لذلك تستهدف تحقيق معدل نمو اقتصادي عند مستوى 5.4 في المئة، مع خفض العجز الكلي إلى نحو 6.7 في المئة من الناتج المحلي، وتحقيق فائض أولي قدره 1.5 في المئة من الناتج المحلي لضمان عودة الاتجاه النزولي لمسار دين أجهزة الموازنة كنسبة من الناتج المحلي.
وقال إن الموازنة الجديدة تتضمن زيادة مخصصات باب الأجور وتعويضات العاملين إلى 361 مليار جنيه (23.067 مليار دولار)، بنسبة 11.4 في المئة عن التقديرات المتوقعة للعام المالي الحالي للارتقاء بأحوال العاملين في الدولة، مع استهداف توجيه الجزء الأكبر لتحسين أجور موظفي الدرجات الوسطى، ودخول العاملين في قطاعي الصحة والتعليم.
كما تتضمن تخصيص نحو 321 مليار جنيه (20.511 مليار دولار) للدعم والحماية الاجتماعية، منها 87.2 مليار جنيه (5.571 مليار دولار) لدعم السلع التموينية، و19 مليار جنيه (1.214 مليار دولار) للمعاشات الضمانية وبرنامج "تكافل وكرامة"، مع تخصيص سبعة مليارات جنيه (0.447 مليار دولار) لعلاج المواطنين على نفقة الدولة، إضافة إلى تخصيص 7.8 مليار جنيه (0.498 مليار دولار) للدعم النقدي والمرافق.
أرقام متضاربة حول معدلات النمو
وتوقع استطلاع أجرته وكالة "رويترز"، أن ينهي الاقتصاد المصري العام المالي الحالي عند معدل نمو يبلغ نحو 2.9 في المئة، بزيادة طفيفة عن استطلاع سابق للوكالة في يناير (كانون الثاني) الماضي، توقع نمواً بنسبة 2.8 في المئة، ولكنه يظل أقل من معدل الـ 3.3 في المئة الذي تستهدفه الحكومة المصرية، كما أنه أقل كثيراً من مستهدفات ما قبل الجائحة البالغة نحو ستة في المئة.
ووفق توقعات المحللين، فقد ينمو الاقتصاد المصري بنسبة خمسة في المئة خلال العام المالي المقبل 2021 - 2022، تزامناً مع تعافي قطاع السياحة، قبل أن يرتفع مجدداً في العام المالي 2022 – 2023، وتتوقع الحكومة نمواً يتراوح بين 5.4 وستة في المئة خلال العام المالي المقبل، بحسب مشروع الموازنة الجديدة.
ورجح التقرير أن يصل معدل التضخم السنوي في الحضر خلال العام المالي الحالي إلى نحو 4.8 في المئة، منخفضاً من 5.6 في المئة، المتوقعة في الاستطلاع السابق، وهو أقل بقليل من المعدل المستهدف من جانب البنك المركزي المصري وهو سبعة في المئة (± اثنين في المئة).
ومن المتوقع أن يرتفع التضخم لاحقاً إلى 6.4 في المئة خلال العام المالي 2021 - 2022، ثم يسجل نحو 6.2 في المئة خلال العام المالي 2022 - 2023. وفي مذكرة بحثية حديثة، رجحت شركة "أتش سي" لتداول الأوراق المالية، أن يستقر التضخم على المدى الطويل حول متوسط تسعة في المئة، بفعل زيادة الاستهلاك وارتفاع أسعار النفط العالمية، وهو ما سيدفع الأسعار للارتفاع، وكانت أسعار المواد الغذائية قد شهدت ارتفاعاً بنحو واحد في المئة خلال الشهر الماضي بسبب ارتفاع الطلب قبيل شهر رمضان المبارك، ما دفع التضخم السنوي العام في إجمالي الجمهورية إلى 4.8 في المئة، في وقت استقر التضخم السنوي في المدن عند مستوى 4.5 في المئة.
وتوقع المحللون، الإبقاء على أسعار الفائدة ثابتة حتى بداية العام المالي 2021 - 2022 خلال شهر يوليو (تموز) المقبل، مع توقعات بأن تتخذ لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري قراراً بخفض أسعار الفائدة بنسبة 0.25 في المئة خلال اجتماعها في 17 يونيو المقبل، مع إمكانية أن تنخفض الفائدة إلى 8.25 في المئة خلال عام 2022.