تجاذبات سياسية مستجدة تطرأ على قضية الصحراء... فبعد سلسلة من مناوشات بين المغرب من جهة، وجبهة "البوليساريو" والجزائر من جهة أخرى، تعرف العلاقات الإسبانية المغربية توتراً جديداً إثر انزعاج الرباط من استقبال إسبانيا زعيم "البوليساريو"، إلى جانب موقفي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من قضية الصحراء.
طلب توضيح
واستدعى المغرب السفير الإسباني في الرباط من أجل "طلب التفسيرات اللازمة" بخصوص استقبال إسبانيا زعيم جبهة "البوليساريو"، إبراهيم غالي، من أجل العلاج إثر إصابته بفيروس كورونا، فيما تُروج أنباء مفادها أن سفر غالي تم بهوية مزورة.
وعبرت الخارجية المغربية عن أسفها لموقف إسبانيا التي "تستضيف على ترابها المدعو إبراهيم غالي، زعيم ميليشيات البوليساريو الانفصالية، المتهم بارتكاب جرائم حرب خطيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان"، معتبرة أن خطوة الجارة الشمالية تتنافى مع حسن الجوار وروح الشراكة، التي "تعد قضية أساسية للشعب المغربي ولقواه الحية".
وخلصت الوزارة إلى أن "موقف إسبانيا يثير قدراً كبيراً من الاستغراب وتساؤلات مشروعة، لماذا أُدخل المدعو إبراهيم غالي إلى إسبانيا خفية وبجواز سفر مزور؟ ولماذا ارتأت إسبانيا عدم إخطار المغرب بالأمر؟ ولماذا اختارت إدخاله بهوية مزورة؟ ولماذا لم يتجاوب القضاء الإسباني بعد مع الشكاوى العديدة التي قدمها الضحايا؟".
أهداف إنسانية
من جانبها، رفضت جبهة "البوليساريو"، "منطق التشفي في رد فعل المغرب"، معتبرة أن نقل "رئيس الجمهورية الصحراوية للعلاج تم لأهداف إنسانية"، واتهمت الجبهة الرباط باعتماد "المغالطة والتشفي واللجوء إلى استخدام قضايا إنسانية في سوق الابتزاز الذي تتبناه الرباط نهجاً سياسياً"، معتبرة أن توجه المغرب "هو ما قاد إلى نسف مخطط التسوية الأممي ـ الأفريقي من أساسه يوم 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، (في إشارة إلى إخلاء الجيش المغربي منطقة الكركرات الحدودية مع موريتانيا من ميليشيات تابعة للبوليساريو) والزج بالمنطقة في أتون الحرب من جديد، المرشحة لتصعيد أكبر، إذا لم يتحمل مجلس الأمن الدولي مسؤوليته الكاملة بهذا الصدد".
لكن رئيس الحكومة المغربي، سعد الدين العثماني، استغرب كيف لا يستطيع، رئيس جمهورية له سفارات في عدد من الدول، وله وزراء أيضاً بحسب ادعائهم، أن يسافر بجواز سفر حقيقي، حيث لا تتوفر هذه الجمهورية المزيفة لا على جواز سفر ولا على وثائق، ولا يمكن لأي أحد أن يسافر باسمها في أي بقعة من بقاع العالم".
دعوة لتفعيل المتابعة
وقامت مجموعة من الصحراويين، ممن يتهمون زعيم جبهة "البوليساريو" بالقيام بجرائم حرب، برفع دعوى قضائية أمام المحاكم الإسبانية، مطالبين بتفعيل مذكرة التوقيف الأوروبية في حق زعيم جبهة "البوليساريو".
في حين طالبت الجمعية الكنارية لضحايا الإرهاب "أكافيتي" السلطات الإسبانية باعتقال غالي على الفور، مؤكدة أن "زعيم الانفصاليين متهم بارتكاب اغتيالات في حق عمال كناريين في منطقة الصحراء، فضلاً عن كونه المسؤول الذي أمر بتنفيذ عمليات الاغتيال والخطف الجماعي والاختفاء في حق البحارة الكناريين في أعالي البحار، أثناء الحرب خلال الفترة الممتدة ما بين 1973 حتى نهاية 1986".
من جانبه أكد الناشط الحقوقي المغربي، خالد الشرقاوي السموني، أن "استضافة الجارة إسبانيا مجرم الحرب إبراهيم غالي، الأمين العام لجبهة البوليساريو، هو سلوك مُتناقض تماماً مع ما يقتضيه التعاون بين البلدين وحسن الجوار و مع الأعراف الدولية، خصوصاً أن المعني بالأمر مرفوعة ضده شكاوى وعرائض أمام المحكمة الجنائية الدولية، بسبب ارتكابه جرائم حرب في مخيمات تندوف، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في إسبانيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار السموني إلى أن "مدريد ارتكبت خطأ فادحاً أمام المجتمع الدولي، عندما استقبلت الشخص المذكور بهوية مزورة، وعدم إخبار السلطات المغربية بذلك في تحد للعلاقات بين البلدين التي ينبغي أن تكون مبنية على التعاون والصدق والشفافية"، مؤكداً أن السلطات الإسبانية تتحمل مسؤولية قانونية ودولية، خصوصاً أنها لم تقم بإعمال مسطرة الإحالة على القضاء في حقه أمام المحكمة الجنائية الدولية.
في حين أكد المحامي المغربي الخبير في ملف قضية الصحراء، نوفل بوعمري، طلب النيابة العامة الإسبانية في مدريد بإحضار غالي للاستماع له قبل حوالى عشرة أعوام، بالتالي لم يكن قادراً على دخول الأراضي الإسبانية منذ ذلك الحين، مؤكداً أن مطالب اعتقاله لها سندها القانوني.
إخفاق مجلس الأمن
في وقت كان يأمل فيه كل من المغرب وجبهة "البوليساريو" تحقيق مكاسب من جلسة مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء المنعقدة في 21 أبريل (نيسان) الحالي، إلا أن اجتماع المجلس لم يخلص إلى نتائج متقدمة، واكتفى بدعوة الأطراف إلى اعتماد سلوك بنّاء تجاه بعثة "المينورسو"، والإسراع بتعيين مبعوث أممي لقضية الصحراء.
واعتبر مبعوث جبهة "البوليساريو" لدى الأمم المتحدة، محمد عمار، أن "اجتماع مجلس الأمن شكل مناسبة أخرى مؤاتية للمجلس لإبداء التزامه الفعلي بالحل السلمي والعادل والدائم لمسألة إنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية، وترجمة هذا الالتزام إلى عمل حقيقي، بيد أن المجلس اختار موقف التقاعس ولم يأتِ بأي نتيجة ملموسة"، مشيراً إلى أنه "نظراً لخطورة الوضع الراهن، فإنه من المؤسف أن يكون مجلس الأمن قد أضاع فرصة أخرى لوضع الأمور في نصابها الصحيح، وتحميل دولة الاحتلال المغربي المسؤولية الكاملة عن العواقب الخطيرة لخرقها الموثق لوقف إطلاق النار لعام 1991، والاتفاق العسكري رقم 1 في 13 نوفمبر 2020، وعملها العدواني المستمر على التراب الصحراوي المحرر".
خيبة أمل
بعد ارتياح المغرب لإعلان الرئيس الأميركي الأسبق، دونالد ترمب، سيادته على الصحراء، واعتباره بمثابة صك ملكية للمنطقة، إلا أن البلاد لم تنفك تعرب عن قلقها من موقف الإدارة الأميركية الحالية غير الواضح من قرار ترمب.
حيث يتساءل المسؤول الحكومي من أصل صحراوي، محمد التامك، كيف يمكن للولايات المتحدة أن تظل صامتة أمام التحركات التي تقوم بها "البوليساريو" والجزائر لتعريض الأمن في المنطقة للخطر؟ كيف يمكن أن تتخذ مثل هذا الموقف بعد اعتراف إدارة ترمب بسيادة المغرب على الصحراء؟ معتبراً أنه حان الوقت لأن تعترف واشنطن بنصيبها من المسؤولية عن المشكلات التي يواجهها المغرب في ما يتعلق بنزاع الصحراء.
وأكد التامك، أن الدور الذي اضطلعت به الولايات المتحدة الأميركية في المفاوضات حول نزاع الصحراء خلال اجتماع مجلس الأمن الأخير، "لم يكن في مستوى آمالنا المنطقية والمشروعة، لا سيما أن هذا البلد الكبير اعترف أخيراً بشجاعة كبيرة وتبصر بمغربية الصحراء. لقد توقعنا من الولايات المتحدة أن تتخذ موقفاً أكثر التزاماً ومتناسباً مع الظرفية الجديدة"، معتبراً أن "الولايات المتحدة لم تتفاعل بالشكل المطلوب إزاء موقف الجزائر والبوليساريو، ولا مع الأحداث التي أثارها في الكركارات، ولا تجاه الموقف المتطرف لروسيا بعد الاعتراف الأميركي بالسيادة المغربية على الصحراء، ولا بشأن عرقلة الأطراف الأخرى لتعيين مبعوث شخصي جديد للأمين العام للأمم المتحدة".
كما تستغرب الرباط الموقف الأوروبي من قضية الصحراء، داعية الاتحاد إلى الانخراط في التوجه الذي دعمه اعتراف ترمب بسيادته على الصحراء، إذ شدد وزير الخارجية المغربي أكثر من مرة على ضرورة خروج الاتحاد الأوروبي من منطقة الظل واعتماد موقف يتماشى مع مبدأ الحكم الذاتي.