على الرغم من الصفة الاستثنائية التي أعطيت للاجتماع الذي عقد أمس الإثنين في القصر الجمهوري ببعبدا للبحث في قرار السعودية بمنع إدخال المنتجات الزراعية اللبنانية إلى أراضيها أو العبور فيها، فإن القرارات التي خرج بها كانت أقل من عادية.
المعنيون بملف التصدير والمعابر كلهم حضروا. استمر الاجتماع ساعتين، وترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون وحضره رئيس مجلس الوزراء حسان دياب ووزراء الدفاع والداخلية والبلديات والمال والخارجية والمغتربين والزراعة والاقتصاد والتجارة والصناعة، والمدعي العام التمييزي وقادة الأجهزة العسكرية والأمنية والجمارك وعدد من المعنيين في القطاع الزراعي من مزارعين ومصدرين.
لم تشأ دوائر القصر الجمهوري أن يخرج اللقاء عن الإطار المقرر له، ويدخل في نقاشات محرمة، فأعد البيان قبل أن يبدأ الاجتماع، لا سيما أن قيمة المخدرات المرسلة إلى السعودية واليونان بلغت 200 مليون دولار أميركي، وفق ما كشف مصدر مطلع لـ"اندبندنت عربية". ما يعني أن من يقف وراء عمليات التهريب لا يمكن أن يكون أفراداً أو شبكات عادية، فيما أصابع الاتهام تشير إلى سوريا و"حزب الله". علماً أن قناة "المنار" التابعة للحزب كانت استبقت في مقدمة نشرة الأخبار اجتماع بعبدا، واعتبرت أن "الإجراءات السعودية الجديدة تحت حجج ظاهرها عناوين حمائية، أما الباطن فيكشف عن ضغوط سياسية أشبه بالحصار تستهدف أرزاق اللبنانيين".
عون ودياب: حريصون على العلاقة مع السعودية
في مستهل الاجتماع، أكد رئيس الجمهورية الحرص على عدم تعريض سلامة الدول العربية وأبنائها لأي خطر. اتخذ الرئيس عون صفة السائل لا المحاسب عندما طرح سؤالاً عن أسباب التأخير في شراء أجهزة "سكانر" لوضعها على المعابر، على الرغم من القرار المتخذ منذ يوليو (تموز) 2020 لشراء الأجهزة وصدور مرسوم بذلك، داعياً إلى إتمام عملية الشراء في أسرع وقت لمساعدة المراقبين في الجمارك على القيام بالمهمات المطلوبة منهم. علماً أنه وقبل انفجار الرابع من أغسطس (آب)، كان قد تم استقدام "سكانر" صينية وأخرى ألمانية، وقيل إن الثانية معطلة أو على الأرجح مطلوب أن تعطّل وفق ما كشفت مصادر مطلعة. وبحضور قادة الأجهزة الأمنية لا سيما جهازي الأمن العام والجمارك المعنيين بالمعابر، أكد الرئيس عون ضرورة أن تتشدد الأجهزة العسكرية والأمنية والجمارك في مكافحة عمليات التهريب ومن يقف وراءها. وعُلم أن قائد الجيش أكد في الاجتماع أن الجيش يحاول ضبط الحدود لكن المعابر غير الشرعية لا يمكن ضبطها كلها. وبحسب المعلومات، فإن قائد الجيش العماد جوزف عون أبلغ المجتمعين أن مخابرات الجيش في البقاع دهمت في الأشهر الأربعة الماضية سبعة مصانع كبتاغون وحشيش. وتحدث في الاجتماع أيضاً رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب فأكد أن الرياض فاجأت لبنان بقرار التوقف عن استيراد المواد الزراعية من لبنان، مشدداً على الحرص على أفضل العلاقات معها، مؤكداً الوقوف إلى جانب السعودية في محاربة شبكات التهريب بفروعها اللبنانية والسعودية وخيوطها الممتدة بالعديد من الدول، ومع ملاحقة المتورطين، سواء كانوا لبنانيين أو سعوديين، أو من أي بلد آخر. وقال في مستهل الاجتماع "نحن على ثقة بأن السعودية وكل دول الخليج تعرف جيداً أن التوقف عن استيراد الزراعات اللبنانية لا يمنع تهريب المخدرات الذي يعتمد طرقاً مختلفة، وأن التعاون بيننا يساعد على ضبط هذه الشبكات".
مقررات أقل من عادية
انتهى اجتماع بعبدا بالتمني على السعودية إعادة النظر في قرار منع دخول المنتجات الزراعية إلى أراضيها، وبتكليف وزير الداخلية محمد فهمي التواصل والتنسيق مع السلطات المعنية في السعودية لمتابعة البحث في الإجراءات الكفيلة بكشف الفاعلين ومنع تكرار مثل هذه الممارسات المدانة.
ومن القرارات التي اتخذها المجتمعون:
1- الطلب إلى المدعي العام التمييزي استكمال ومتابعة ما يلزم من تحقيقات لكشف كل ما يتصل بعملية تهريب المواد المخدرة في شحنات الخضار والفاكهة التي دخلت الأراضي اللبنانية، والجهات التي تقف وراء تصديرها إلى السعودية، وإنزال أشد العقوبات بالفاعلين والمخطّطين والمنفّذين والمقصّرين، وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، على أن يُصار إلى إطلاع المسؤولين السعوديين على نتائجها في أسرع وقت ممكن.
2- الطلب من القوى العسكرية والأمنية والجمارك والإدارات المعنية التشدد وعدم التهاون في الإجراءات الآيلة لمنع التهريب على أنواعه من الحدود اللبنانية إلى أي جهة كانت، لا سيما منها الشحنات المرسلة إلى دول الخليج، والتأكد من خلوها من أي بضائع ممنوعة.
3- الطلب إلى المصدرين اللبنانيين الالتزام بقواعد التجارة الخارجية المبنية على صدقية البضاعة المصدرة لجهة منشئها ونوعها وكمياتها، إضافة إلى المعلومات المتعلقة بها والتدقيق في المنتجات التي يتم تصديرها حفاظاً على سمعة لبنان من جهة وعلى نظافة منتجاتهم الزراعية والصناعية وخلوها من أي مواد تعاقب عليها القوانين المرعية الإجراء من جهة أخرى.
4- الطلب إلى وزير المالية متابعة تنفيذ المرسوم المتعلق بالنظام الإلزامي لمعاينة ومراقبة الحاويات والبضائع والمركبات في المرافق الحدودية اللبنانية، لا سيما إطلاق مناقصة عمومية لإنشاء هذا النظام تحت الأوضاع الجمركية بعد أن تم إعداد دفاتر الشروط اللازمة.
بيان اجتماع بعبدا أقل من المطلوب
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يؤكد رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية- السعودية إيلي رزق، أن البيان الصادر عن اجتماع بعبدا مرفوض رفضاً كاملاً، لأنه اقتصر على الشعر والتمنيات، فيما كان المطلوب إجراءات عملية وسريعة وجدية أقلها تجهيز المعابر البرية والبحرية والجوية سريعاً بـ"سكانر" وتغيير كل طواقم الجمارك العاملة حالياً على الحدود، ودعوة السلطات السعودية إلى التأكد من كل هذه الإجراءات لطمأنتها. ويعتبر رزق أنه كان على رئيس الحكومة أن يعطي أوامر لا أن يكتفي بمناشدة الأجهزة الأمنية التي كان قادتها موجودين معه في الاجتماع. ولا يتوقع رزق أن يكون للبيان اللبناني وقعاً إيجابياً في السعودية متخوفاً من قرار تصعيدي مقبل قد يصل إلى حد وقف دخول الصادرات اللبنانية كلها وليس الزراعية فحسب، لا سيما أنه سبق واشتكت السعودية مراراً لدى السلطات اللبنانية من حركة تهريب المخدرات إلى أراضيها، بالتالي كان على لبنان أن يتخذ إجراءات عملية وسريعة وأن لا تكتفي السلطات اللبنانية بإصدار التمنيات.
البطريرك يتدخل
وبعدما كان البطريرك الماروني بشارة الراعي أثار القضية في عظة قداس الأحد كاشفاً عن اتصال أجراه بالسفير السعودي في لبنان وليد البخاري الموجود في الرياض، وأبلغه استنكاره ما حصل مع السعودية من جراء عملية تهريب مخدرات، وطلب إليه نقل استنكاره إلى الرياض مع التمني بأن تأخذ في الاعتبار أوضاع لبنان والمزارعين، استكمل الراعي مسعاه في اتجاه رئيس البلاد، مستنكراً ومطالباً بإجراءات عملية فورية. وقد زار البطريرك قصر بعبدا قبل ساعات من الاجتماع الطارئ الذي دعا إليه رئيس الجمهورية للبحث في القضية. وطلب من رئيس الجمهورية معالجة فورية. ومن منبر القصر أعلن البطريرك أن موضوع التهريب يشوّه وجه لبنان. وحمّل المسؤولية لأجهزة الدولة، سائلاً "أين هي أجهزة الرقابة؟". وشدد الراعي على رفض تحويل لبنان إلى مركز للتهريب وإبقاء حدوده الشرقية والشمالية مفتوحة دخولاً وخروجاً لذلك. وقال "لا يمكن للبنان أن يكون معبراً، إلى السعودية وبعدها إلى اليونان، فليس هذا هو وجهه الحضاري". واعتبر أن كل هذا يمسّ بكرامة اللبنانيين.
التحقيقات بدأت
وفيما أعلن المدير العام للقصر الجمهوري أنطوان شقير أن المدعي العام التمييزي بدأ بتحقيقاته الأحد وأن رئيسا الجمهورية والحكومة والمعنيين حريصون على أن يذهب التحقيق إلى النهاية، كشفت شعبة مكافحة المخدرات في الجمارك أنها أوقفت أربعة أشخاص على صلة بشحنة الرمان إلى السعودية، والتحقيقات بدأت معهم بإشراف القاضي غسان عويدات. وبحسب ما كشفت معلومات، فإن نسبة قليلة من الرمان الذي كان في الشحنة قد تم حشوه بالحبوب المخدرة بنحو 200 حبة في كل رمانة. ونفت مصادر في لبنان أن تكون عملية التعبئة قد تمت في لبنان، مؤكدة أن الرمان أتى من سوريا محشواً بالمخدرات. وأظهرت التحقيقات الأولية أن شحنة الرمان تمت عبر شركة وهمية استوردت البضاعة من سوريا وفي لبنان جرى التلاعب بشهادة المنشأ وأعطيت شهادة منشأ لبنانية بهدف إخفاء مصدرها الحقيقي.
كذلك، دهمت القوى الأمنية، الاثنين، مصنعاً للكبتاغون في البقاع اللبناني وتم إقفاله بالشمع الأحمر.
وقد شهد اجتماع بعبدا نقاشاً حاداً بين وزيري الزراعة والاقتصاد وتقاذفاً للمسؤوليات حول الجهة التي أصدرت شهادة المنشأ لشحنة الرمان. ما يعيد إلى الأذهان لغز هوية أصحاب نيترات الأمونيوم التي دخلت إلى مرفأ بيروت وخزنت فيه واختفت كميات منها قبل أن تنفجر. وعلمت "اندبندنت عربية" أن السلطات السعودية أنهت تحقيقاتها وهي سترسل نسخة عن التقرير إلى وزارة الخارجية اللبنانية. ويكشف التقرير السعودي أن الرمان وصل من سوريا وأرسل إلى جدة عبر مرفأ بيروت، وقد دمغت الشحنة بختم الجمارك اللبنانية مع عبارة "تم الكشف على البضاعة في مرفأ بيروت". وتكشف المعلومات أن التحقيقات في السعودية أفضت إلى تورط أربعة سعوديين وأجنبي كانوا سيستقبلون هذه الشحنة لتوزيعها في الداخل.