لم يكن مستغرباً ذلك الكم من الرثاء الحوثي في رحيل القيادي في الميليشيات اللواء الركن يحيى الشامي، الذي يشغل منصب مساعد "القائد الأعلى"، فالرجل الذي يعده مراقبون "أقوى رجالات الجماعة"، كان يوصف بالأب الروحي للميليشيات، وعراب المشروع الإيراني والانقلاب الذي أدخل البلاد في موجة صراع دام خلف أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
الشامي الذي توفي في صنعاء، جراء إصابته بفيروس كورونا بعد يومين من تشييع نجله زكريا، للسبب ذاته، كما تقول الرواية الحوثية، ظل على رأس قائمة المطلوبين من التحالف العربي الداعم للحكومة الشرعية، الذي رصد 20 مليون دولار لمن يدلي بأية معلومات عنه.
إلا أن نيران التحالف وقوات الشرعية لم تنجح في رصده ليتكفل الفيروس المستجد بالمهمة دون مقابل، في الوقت الذي تسابقت فيه قادة الميليشيات لإصدار برقيات تعازٍ عبروا خلالها عن "الخسارة الفادحة" التي خلفها رحيل الشامي.
شكوك الصراع الخفي
ونعاه زعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي، في بيان مقتضب، أشاد فيه بدور "الفقيدين (الشامي ونجله) في التصدي للعدوان وخدمة الوطن"، فيما وصفت كل من وزارتي الدفاع وهيئة الأركان التابعة للميليشيات رحيله بـ"الخسارة الكبيرة"، لكن قطاعاً واسعاً من الناشطين والسياسيين اليمنيين شككوا في رواية الجماعة التي تسيطر على صنعاء، وذهبوا إلى أن الشامي وزوجته ونجلهما جرت تصفيتهم في صراع داخلي خلال اجتماع لقيادات حوثية، ضمن الصراع الدائر بين ما يسمى "الجناح الهاشمي الثاني" المناهض لجناح صعدة الحوثي المتشدد.
حجم الرحيل
لا يخفى الثقل الحوثي المؤثر الذي صنعه القيادي الشامي، ولهذا فرحيله سيترك بالمقابل ثقلاً يصعب سده كما يتوقع المراقبون.
فبحسب الباحث السياسي اليمني محمد المقبلي، فإن موته يعني للميليشيات فقدان "أخطبوط أمني وعسكري خلق أذرعة للوبي الهاشمي الإمامي داخل البنى السياسية والأمنية والعسكرية للدولة والبنية الاجتماعية القبلية على مدى عقود".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤيد المقبلي الفكرة التي ترى أن الشامي هو الأب الروحي للميليشيات، و"صانع الحاضنة الخفية للمشروع الإمامي الحوثي في العمق الجمهوري، وخصوصاً في المناطق الوسطى"، إضافة إلى "النفوذ الذي خلقه بمهارة فائقة داخل الجهاز البيروقراطي للدولة الجمهورية، وتكشفت بوضوح عند سقوط الدولة، باعتباره الرجل الأول في تنظيم الهاشمية السياسية، أو ما يعرف واجهةً بمجلس حكماء آل البيت، أعلى هيئة في التنظيم السري للهاشمية السياسية في اليمن".
خبرة كافية ومتدرجة
ظل الشامي غامضاً ومثيراً للجدل، وجاء موته مشابهاً لغموض حياته التي أحاطها بسياج من الحذر.
فالرجل الذي يوصف بأنه ثاني أهم شخصية داخل الجماعة، لطالما اتهم بأنه يد إيران الخفية التي عملت منذ 50 عاماً من حياته العملية داخل الجيش اليمني، أي بعد 4 أعوام من قيام ثورة 26 سبتمبر (أيلول) التي أعلنت القطيعة مع النظام الإمامي، ووضعت أسس النظام الجمهوري، وتبوّأ عدداً من المناصب حتى وصل إلى مكتب القائد الأعلى للقوات المسلحة في نهاية الثمانينيات، مديراً لدائرة الجيش في مكتب الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وعرف بدوره المحوري في ما يسمى بـ"حروب المناطق الوسطى" (تعز - إب) للقضاء على قوى اليسار، شمال اليمن، وقيادته للحرب ضد "الجبهة الوطنية العسكرية" المدعومة من دولة الجنوب قبل الوحدة حتى تم القضاء عليها.
نحو أهداف "التنظيم السري"
وفي مسرح الأحداث السريع والمرتبك الذي سبق الانقلاب الحوثي، يتهم بأنه كبير مهندسي الانقلاب على الشرعية كونه قائد ما سمي "التنظيم السري للهاشميين" في شمال اليمن، وهو التنظيم الذي كان يخطط لاستعادة الملكية الإمامية للحكم في البلاد، وهو ما تم على يد الحوثيين، بحسب مراقبين، إذ ساهم في توصيل العديد من المنتسبين للتنظيم السري إلى مناصب قيادية عليا في الدولة، وتحديداً في السلطات القضائية والعسكرية الرفيعة.
ويعزز من هذا الطرح زيارته إلى كل من بيروت وطهران في عام 2012، وعقده عدداً من اللقاءات مع عدد من القادة الإيرانيين واللبنانيين التي هيأت الظروف الموضوعية لمخطط الانقلاب المدعوم إيرانياً في سبتمبر (أيلول) 2014.
شرعنة الحوثي السياسية
في مقال نشره على صفحته في "فيسبوك"، يقول الباحث السياسي اليمني، رياض الغيلي، "بذل اللواء الشامي جهوداً جبارة في إقناع سفراء الدول العشر بالضغط على الرئيس هادي لضم الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي عقد خلال عامين 2012 - 2013، كمكون سياسي على الرغم من أنهم حركة مسلحة متمردة".
ويتابع، "فعلاً استطاعت السفيرة البريطانية إقناع الرئيس هادي بضمهم إلى المؤتمر، وفي 16 مارس (آذار) 2013 صدر قرار جمهوري بتسمية أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وحاز الحوثيون فيه 37 مقعداً جلهم من الهاشميين السلاليين، ومن ضمنهم العقيد زكريا الشامي، نجل اللواء الشامي، إلى جانب أبيه كممثل عن حزب العدالة والبناء، وثلاثة آخرين من نفس الأسرة، ليصبح إجمالي المقاعد التي حازتها أسرة اللواء الشامي (5) مقاعد".
من صف الدولة الأول
ويرجع المناهضون للمشروع الحوثي في اليمن أهمية تأثير الشامي داخل الحركة، إلى السيرة العملية الحافلة التي اكتسبها من عمله الرفيع داخل الصف الأول لقيادات الدولة اليمنية في السلكين العسكري والمدني، ما أتاح له فرصة كافية لخدمة ما يسميه اليمنيين "المشروع السلالي الهاشمي". إذ تولى العديد من المناصب في الجيش قبل أن يعينه صالح في عدة مناصب مدنية رفيعة بينها محافظ لمحافظة مأرب (شمال شرقي اليمن)، ثم محافظاً لمحافظة البيضاء (وسط البلاد)، فمحافظاً لمحافظة صعدة، معقل الميليشيات الرئيس (شمال البلاد).
وقال الكاتب والمحلل السياسي عادل الأحمدي، إنه "تمكن على مدى سنوات داخل المؤسستين العسكرية والمدنية من شراء ولاءات عدد من القيادات، وتفكيك العديد من القطاعات والألوية العسكرية للتهيئة المسبقة للانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر (أيلول) 2014، نظراً لخبرته الطويلة في الجيش وطبيعة تكوينه".
الرجل الثاني
ونظراً للدور البارز الذي لعبه، لم يكن مستغرباً أن يضعه القضاء اليمني في المرتبة الثانية بعد عبدالملك الحوثي إلى جانب 174 قيادياً آخرين، تم إصدار أحكام قضائية ضدهم بتهمة "التآمر على الدولة، والخيانة والعمل لصالح دولة أجنبية، واستغلال مركزه العسكري لتأسيس تنظيم إرهابي مسلح".
وكان العشرات من قيادة الميليشيات قد أصيبوا خلال الأسابيع الماضية بوباء كورونا، من بينهم رئيس "حكومة الإنقاذ"، عبدالعزيز بن حبتور، في ظل إنكار الميليشيات تفشي الوباء في مناطق سيطرتها.