أبقى الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي على سعر الفائدة الأساسية على ما هو عليه منذ مارس (آذار) 2020 قرب صفر تقريباً. كما أبقى على برنامج شراء الأصول الشهري عند 120 مليار دولار. ويشتري "المركزي" شهرية سندات خزينة بنحو 80 مليار دولار ومشتقات دين مضمونة بقروض رهن عقاري بنحو 40 مليار دولار.
وفي ختام اجتماعات لجنة السياسات النقدية بالاحتياطي الفيدرالي، ليل الأربعاء/ الخميس، صوت أعضاء اللجنة بالإجماع لصالح إبقاء السياسة النقدية كما هي من دون تغيير، في رسالة واضحة للعالم وللأسواق بأن البنك المركزي "لن يغير" تلك السياسة قريباً. ذلك على الرغم من رسمه صورة أكثر إيجابية لتعافي أكبر اقتصاد في العالم، بحسب تقديراته في مارس الماضي.
وقالت اللجنة، في بيانها الختامي، الذي صدر بعد اجتماعات على مدى يومين، إنها ترى تحسناً قوياً في أداء الاقتصاد الأميركي، وأضاف البيان: "وسط التقدم على صعيد توزيع اللقاحات والدعم الحكومي القوي تعززت المؤشرات على النشاط الاقتصادي والتوظيف. تظل القطاعات الأكثر تضرراً من الوباء ضعيفة، لكنها شهدت تحسناً واضحاً. وكذلك ارتفعت مؤشرات التضخم، لكنها تعكس في القدر الكبير منها عوامل مؤقتة".
وكرر الاحتياطي الفيدرالي في بيانه القول، إن مسار التعافي الاقتصادي "يعتمد بالأساس على الوضع بالنسبة للفيروس"، وأن أزمة كورونا أدت إلى "مخاطر" على التوقعات بأداء الاقتصاد. ولاحظ المراقبون أن البيان لم يذكر كلمة "كبيرة" قبل "مخاطر" كما جاء في بيان اللجنة خلال مارس الماضي.
تضخم مؤقت
ويعني ذلك أن البنك المركزي الأميركي رفع سقف تقديراته لموعد تدخله بتشديد السياسة النقدية، حيث أشار بيان لجنة السياسة النقدية إلى أن ذلك التدخل يحتاج إلى حدوث "مزيد من التقدم الكبير" على صعيد نشاط الاقتصاد، والوصول إلى "التوظيف الكامل"، واستدامة معدلات التضخم فوق 2 في المئة لفترة.
وفي مؤتمره الصحافي بعد الاجتماع، قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول: "شهدنا تقريراً جيداً عن التوظيف، لكنه ليس كافياً. سنتصرف على أساس البيانات الحقيقية لا على أساس التوقعات والتقديرات".
وكان باول يشير إلى تقرير الوظائف للشهر الماضي الذي أظهر أن الاقتصاد الأميركي وفّر نحو مليون وظيفة في مارس. لكن البطالة في الولايات المتحدة ما زالت واضحة، وهناك أكثر من ثمانية ملايين من العاملين عاطلون من العمل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار باول مجدداً إلى أن الارتفاع في معدلات التضخم "أمر مؤقت"، إذ إن المقارنة مع العام الماضي تجعل المؤشرات أعلى بكثير، لأن أسعار الاستهلاك انهارت تقريباً في بداية أزمة وباء كورونا العام الماضي. بالتالي تظهر مقارنة الأسعار الحالية معها نسب ارتفاع كبيرة. ووصف باول ذلك بأنها "تأثيرات أساسية".
وقال رئيس الاحتياطي الفيدرالي، "نفكر في محطات عنق الزجاجة على أنها أمور ستحل نفسها بطبيعتها مع تكيف الأعمال والعاملين، ولا نفكر فيها على أنها دافع لتغيير السياسة النقدية، لأنها عوامل مؤقتة وستحل نفسها بنفسها. نعرف أن التأثيرات الأساسية ستختفي في غضون أشهر قليلة".
لكن باول أضاف بوضوح، "إذا رأينا التضخم يرتفع إلى ما فوق اثنين في المئة بشكل مستدام وقوي بما يزيد من مخاطر ارتفاع التضخم بشدة، فسنستخدم الأدوات المتوفرة لدينا لنعيد التضخم إلى حدود 2 في المئة. ولا يشك أحد في أننا سنفعل ذلك".
وذلك ما جعل كثيراً من المحللين يتوقعون أن المركزي الأميركي قد يبدأ في تشديد السياسة النقدية (رفع سعر الفائدة والانسحاب من شراء الأصول) بحلول بداية 2023 وليس بنهايته أو بداية عام 2024، كما كانت التوقعات السابقة.
صورة جيدة للاقتصاد
وتتسق تلك التقديرات مع الصورة الجيدة للتعافي الاقتصادي التي ظهرت من بيان لجنة السياسة النقدية بالاحتياطي الفيدرالي في اجتماعها الشهري. كذلك تدعمها تقديرات أخرى تشير إلى أن التعافي الاقتصادي الأميركي "يبدو أقوى" من المتوقع، بسبب التوسع في توزيع اللقاحات المضادة كورونا وتعزيز إدارة الرئيس جو بايدن برامج الدعم الاقتصادي بتريليونات الدولارات.
فقد نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" نتائج مسح أجرته وشارك فيه عدد كبير من الاقتصاديين قبل صدور أرقام الناتج المحلي الإجمالي الربع السنوية من وزارة التجارة الخميس. وأشار الاقتصاديون إلى أن الاقتصاد الأميركي يتوسع أكثر من المتوقع في الربع الأول من هذا العام مدفوعاً أساساً بإنفاق المستهلكين، وشجع على ذلك التوزيعات النقدية التي قدمتها الإدارة الحالية للمواطنين.
وتوقع المسح أن يصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام إلى 6.5 في المئة على أساس سنوي. وكان الاقتصاد الأميركي قد حقق نمواً بـ4.3 في المئة في الربع الأخير من العام الماضي، بعد نمو هائل في الربع الثالث زاد على 33 في المئة. وذلك على إثر انهيار كبير في النمو الاقتصادي بنسب سالبة في بداية أزمة وباء كورونا. وفي الإجمال، انكمش الاقتصاد الأميركي في المتوسط السنوي للعام الماضي 2020 بنسبة 2.4- في المئة تقريباً.