طالبت منظمة العفو الدولية، اليوم الأربعاء، جماعة "الحوثي" في اليمن، بالإفراج عن عشرة صحافيين محتجزين لديها منذ نحو أربع سنوات، حيث وجهت إليهم محكمة حوثية متخصصة في نظر القضايا المتعلقة بالإرهاب اتهامات في ديسمبر (كانون الأول) 2018 في سلسلة من الجرائم، بينها التجسس.
وقالت المنظمة، في بيان اطلعت عليه "اندبندنت عربية"، إن "الاحتجاز التعسفي لعشرة صحافيين، لمدة تقرب من أربع سنوات على أيدي سلطات الأمر الواقع الحوثية، هو مؤشر قاتم للحالة الأليمة التي تواجهها حرية الإعلام في اليمن". وطالبت الحوثيين بالإفراج الفوري عن الصحافيين العشرة، موضحة أنهم محتجزون منذ صيف 2015، وتتم محاكمتهم بتهم "تجسس ملفقة" بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير، وفق المصدر ذاته.
تعذيب وتجريد من الملابس ومعاملة سيئة
وذكر البيان الذي جاء بعنوان "الاحتجاز المطول والتعذيب الذي تعرض له عشرة صحافيين يبرز المخاطر التي يواجهها العاملون في وسائل الإعلام"، أن بعض الصحافيين كانوا يعملون في منافذ إخبارية إلكترونية تابعة للتجمع اليمني للإصلاح، وهو جزء من حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وألقي القبض على تسعة من الصحافيين في فندق في صنعاء، بينما اعتقلت قوات الحوثيين العاشر في منزله.
ولفت بيان منظمة العفو الدولية إلى أنه خلال فترة احتجازهم "اختفى الصحافيون قسراً، واحتُجزوا بمعزل عن العالم الخارجي على فترات متقطعة، وحُرموا من الحصول على الرعاية الطبية، وتعرضوا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة"، موضحة أنه في إحدى الحوادث التي وقعت في الآونة الأخيرة، في 19 أبريل (نيسان)، دخل أحد حراس السجن زنزانتهم ليلاً، وجردهم من ملابسهم وضربهم ضرباً مبرحاً، وقد احتجزوا رهن الحبس الانفرادي منذ ذلك اليوم، وذلك وفقًا لمصادر موثوقة، بحسب ما نقل بيان المنظمة.
وذكر البيان، أنه بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على احتجازهم، في ديسمبر (كانون الأول) 2018، وجُهت للصحافيين تهمٌ رسمية، بعد استجوابهم، وأحيلت قضاياهم من جهاز الأمن السياسي إلى المحكمة الجزائية المتخصصة- وهي محكمة مخصصة تقليديا للقضايا المتعلقة بالإرهاب. ووُجهت إليهم تهمة ارتكاب سلسلة من الجرائم، من بينها التجسس- التي يعاقب عليها بالإعدام في القانون الجنائي اليمني. ولم تبدأ محاكماتهم بعد، ومن غير الواضح متى ستعقد.
وبحسب البيان "تندرج محاكمتهم ضمن نمط أوسع من استخدام سلطات الأمر الواقع الحوثية للنظام القضائي لتصفية حسابات سياسية"، كما يعتقد أن الرجال يعانون من مجموعة من المشاكل الصحية، بما في ذلك آلام في البطن، وتم رفض تقديم العلاج لهم لمداواتها. كما منع المسؤولون في جهاز الأمن السياسي العائلات الزائرة من إحضار أدوية للمحتجزين.
تأثير مدمر على عائلات الصحافيين
ووفق ما ذكرته "العفو الدولية"، فإنها تحدثت إلى أفراد من أسر الصحافيين الذين وصفوا "عذابات الانفصال عن أحبائهم، والتأثير النفسي على أطفالهم الذين يكبرون بدون وجود الأب".
وقالت إحدى زوجات الصحافيين إنها كانت مترددة في اصطحاب ابنها الصغير لرؤية والده بانتظام لأنها كانت تشعر بالقلق من تعرضه للصدمة "عندما يرى والده، يسأله فقط متى ستعود إلى المنزل معنا يا بابا؟ وبعد ذلك يمكنك أن ترى كيف كان والده يشعر بالألم". كما وصفت كيف التقط ابنها ملابس والده التي أحضرتها إلى المنزل لتغسلها، وبدأ شمها، وبدأ يبكي من أجله. ومضت تقول "لم أنم أو آكل لمدة ثلاثة أيام بعد رؤيته (زوجها) في مثل هذه الحالة الصعبة. أحاول أن أكون قويةً أمامه رغم أنني أريد البكاء. فيبكي، وأقول له ابقَ قوياً، ولا تدعهم يحطمونك، وتحلَّ بالصبر".
كما أخبر أفراد الأسرة منظمة العفو الدولية أن زياراتهم في السجون كانت غير منتظمة، ولم تدم أكثر من خمس دقائق، وكانوا تحت مراقبة شديدة من قبل رجال مسلحين، في محاولة لترهيب المحتجزين من التحدث علناً، وفقاً لقول أفراد الأسرة. وقالت إحدى زوجات الرجال إنه على الرغم من ذلك، فقد رأت أن "وجهه قد أصابه الإرهاق والتعب".
عمل مشين تماماً
ونقل البيان عن رشا محمد، الباحثة في شؤون اليمن بالمنظمة، أن "الاحتجاز غير القانوني المطول والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة لهؤلاء الصحافيين العشرة إنما هو تذكير مروّع بالمناخ الإعلامي القمعي الذي يواجهه الصحافيون باليمن، ويبرز المخاطر التي يواجهونها على أيدي جميع أطراف النزاع". وقالت إنه "من المشين تماما أن هؤلاء الرجال قد يواجهون عقوبة الإعدام لمجرد قيامهم بوظائفهم. فالتهم الموجهة إليهم زائفة، ويجب إسقاطها فورا".
ووفق حديث رشا، فإن "هؤلاء الرجال يُعاقبون بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير"، مؤكدةً على ضرورة قيام الحوثيين بإطلاق سراحهم فورا وإسقاط جميع التهم الموجهة إليهم. وشددت على أنه يجب السماح للصحافيين بالقيام بعملهم دون تعرضهم للمضايقة أو التخويف أو التهديد بالاعتقال التعسفي أو الاحتجاز المطول أو الملاحقة القضائية.
في المقابل، وفيما لم تتمكن "اندبندنت عربية" من التواصل مع مصدر حوثي للرد على بيان "العفو الدولية"، أفادت وكالة "رويترز" نقلا عن محمد على الحوثي، رئيس ما يعرف بـ"اللجنة الثورية العليا" التابعة للحوثيين، قولا مقتضبا، جاء فيه "قولوا لهم يعطوكم ما يثبت على أنهم موجودون وإنهم صحافيون... لا يوجد ما يدعيه البعض".
من هم الصحافيون؟
وفي 9 يونيو (حزيران) 2015، قُبض على تسعة صحافيين، خلال مداهمة من قبل الحوثيين لفندق "قصر الأحلام" بالعاصمة صنعاء. والصحافيون التسعة هم كل من: عبد الخالق عمران، وهشام طرموم، وتوفيق المنصوري، وحارث حميد، وحسن عناب، وأكرم الوليدي، وهيثم الشهاب، وهشام اليوسفي، وعصام بلغيث.
وفي 28 أغسطس (آب) 2015، اعتقل الصحافي العاشر صلاح القاعدي، من منزله بصنعاء على أيدي الحوثيين.
وفي المناطق التي تسيطر عليها قوات الحوثي، اعتقلت هذه القوات واحتجزت بشكل تعسفي، المنتقدين والمعارضين، وكذلك الصحافيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، وأفراد من الديانة البهائية، وأخضعت العشرات لمحاكمات جائرة وعمليات احتجاز بمعزل عن العالم الخارجي واختفاء قسري. وكانت غالبية المستهدفين من أعضاء أو مؤيدي التجمع اليمني للإصلاح.
وللعام الخامس على التوالي، يشهد اليمن حربا بين القوات الموالية للحكومة اليمنية، ومسلحي جماعة "الحوثي"، المتهمين بتلقي دعم إيراني، والمسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر (أيلول) 2014.