كشفت فضلات بشرية لرواد فضاء عن تغيرات مذهلة في الكيفية التي يتأثر بها جسم الإنسان في العزل، كما قد يحدث خلال بعثة مأهولة إلى المريخ.
وضعت تجربة "المريخ 500" Mars500 (التي تحاكي رحلة بشرية إلى المريخ) أفراد طاقم من روسيا وأوروبا والصين في مسكن مغلق تماماً بين يونيو (حزيران) 2010 ونوفمبر (تشرين الثاني) 2011. الآن، أعاد الباحثون النظر في بيانات مستخلصة من المهمة، واكتشفوا معلومات جديدة يحتمل أن تساعد الرحلات المستقبلية إلى المريخ.
كان الهدف تفحص التأثيرات الفسيولوجية والنفسية في صحة الإنسان، إذ أظهر جميع المشاركين ستة تغيرات كبيرة في كتلة الجسم، وقوة العضلات، وميكروبات الأمعاء.
كان أحد تلك الأعراض اضطراباً كبيراً في عملية أيض (استقلاب) الغلوكوز في الجسم، الذي غالباً ما يلاحظ بعد القيام برحلة فضائية. وتذكيراً، الغلوكوز فئة فرعية من الكربوهيدرات موجود في الخبز والفواكه والخضراوات ومنتجات الألبان، وهو أحد مصادر الطاقة المفضلة بالنسبة إلى الجسم.
اكتشف الباحثون أن رواد الفضاء واجهوا خسارة في بكتيريا الأمعاء المفيدة التي من شأنها عادةً مساعدة الجسم على تكسير النشا، وتجنب الإصابة بالتهاب الأمعاء، فضلاً عن امتصاص العناصر الغذائية من الأطعمة المستهلكة، كذلك وجدوا زيادة في معدل بكتيريا أمعائية لم تكتشف لدى البشر إلا في الآونة الأخيرة، علماً بأن الخبراء لم يتوصلوا بعد إلى فهم تام للتأثيرات التي تتركها في الجسم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"علينا أن نكون حريصين على عدم افتراض وجود علاقة سببية بين التغيرات الميكروبية المعوية وبين الاضطراب في الأيض لدى الطاقم"، قال نيكولاس بريريتون، وهو زميل باحث في "جامعة مكغيل"، و"معهد بحوث بيولوجيا النبات" في "جامعة مونتريال" في كندا والباحث الرئيس في الدراسة.
"الانخفاض الكبير في أعداد تلك البكتيريا المعوية تحديداً يتوافق مع الأعراض، وتحديد التغيرات الكبيرة في الميكروبيوم خطوة مهمة نحو حماية صحة رواد الفضاء."
تبين أن أكثر من 200 نوع من بكتيريا الأمعاء كانت مشتركة بين جميع أفراد الطاقم، ما سمح للعلماء بمراقبة التغيرات في الميكروبيوم بطريقة كانت متعذرة سابقاً.
يعد اكتشاف تلك التبدلات في ميكروبيوم الأمعاء "الحلقة المفقودة" بين الأعراض التي ظهرت على المشاركين من جهة، وتمكن العلماء من فهم كيف يمكن لرواد الفضاء العمل والبقاء على قيد الحياة أثناء رحلة فضائية طويلة الأمد، من جهة أخرى.
الدراسة التي تحمل عنوان "إعادة تحليل تجربة المريخ 500 تكشف تغيرات في ميكروبيوم مشترك في الأمعاء لدى رواد الفضاء نتيجة عزل طويل الأجل"، وقد نشرت في "مجلة التكنولوجيا الحيوية الحاسوبية والهيكلية" Computational and Structural Biotechnology Journal.
وتعتقد وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" أن إرسال بعثة مأهولة إلى المريخ في العقدين المقبلين أمر ممكن، لكن الرحلة ستستغرق حالياً تسعة أشهر لقطع مسافة 34 مليون ميل (نحو 54 مليون كيلومتر) بين الأرض والكوكب الأحمر، وذلك على افتراض أن الرحلة تأخذ مجراها في وقت يبلغ مدار الكوكب النقطة الأجدى بالنسبة إلى البشر (المريخ والأرض والشمس على خط واحد في مسافة هي الأقل بينهما).
علاوة على ذلك، ما زالت فضلات الإنسان وسيلة مهمة لدراسة رحلات الفضاء. في الماضي، مولت "ناسا" مشاريع لتحويل براز رواد الفضاء إلى مصدر غذائي محتمل، وتعكف في الوقت الحاضر على تصميم مرحاض أفضل لرواد الفضاء استعداداً لبعثتها القمرية "أرتميس" Artemis في عام 2024.
© The Independent