أثار تداول فيديوهات لعمليات هجرة سرية جماعية لشبان مغاربة، استياء واسعاً في البلاد، واعتبر العديد من المعلقين على مشاهد "هجرة الجوع" أن الحالة الاقتصادية المزرية تدفع الشباب إلى محاولة تغيير ظروفهم في مكان آخر.
وأظهرت مقاطع الفيديو تلك مجموعات من الشباب وهي تحاول عبور البحر سباحة من مدينة الفنيدق باتجاه مدينة سبتة التي تبعد بنحو 7 كيلومترات، وفي حين نجح بعضهم في الوصول إلى مقصده، لقي البعض الآخر مصرعه غرقاً.
اقتصاد التهريب
شكل معبر باب سبتة الرابط بين المغرب والمدينة التي تعتبرها الرباط محتلة، لعقود وسيلة معيشية للعديد من أسر المنطقة، وذلك عبر تهريب السلع من المدينة وبيعها في المغرب، تلك المظاهر المزرية للعديد من النساء المغربيات وهن يحملن كميات هائلة من السلع المهربة، واللائي لا ينمن إلا سويعات قليلة لضمان وجودهن في الطابور الخاص بدخول سبتة، واللائي يتعرضن للمضايقات على يد قوات الحرس الإسباني، ومنهن من فارقن الحياة دهساً تحت أرجل المهربين المتدافعين، دفعت جماعات حقوق الإنسان إلى الدعوة لإنهاء مظاهر المعاناة تلك، وهو ما أدى (من بين أسباب أخرى) إلى قرار الإغلاق النهائي للمعبر.
وكان تقرير برلماني مغربي أشار إلى أن النساء اللاتي يمارسن "التهريب المعيشي" يتعرض لسوء معاملة وتحرش وسرقة وأمراض، مقدراً عددهن بنحو 3500 امرأة من أعمار مختلفة، إضافة إلى نحو 200 قاصر.
وأكد التقرير أن جل تلك النساء "يجهلن محتوى السلع التي يحملنها"، مشيراً إلى أن عمليات التهريب تلك تقف وراءها مافيات تهريب تستغل معاناة تلك النساء. كما أشار التقرير إلى أن المواد الغذائية التي تُهرب لا تخضع لمراقبة صحية، منبهاً إلى التهديد الصحي والاقتصادي لظاهرة التهريب تلك، وأوصى باعتماد بديل اقتصادي والإسراع في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة لاستيعاب من يمارسون التهريب.
حالة كساد
كانت الفنيدق تعرف رواجاً اقتصادياً هائلاً، فمن جهة شكلت نواة لتوزيع السلع الإسبانية على باقي المدن المغربية عبر تجار الجملة، إضافة إلى أنها كانت مدينة سياحية تستقبل عدداً كبيراً من المغاربة الباحثين عن أنواع معينة من تلك السلع.
تأثرت بعض المناطق في شمال المغرب، بخاصة الفنيدق، من قرار الحكومة المغربية إغلاق معبر سبتة، الذي أدى إلى ركود اقتصادي وسياحي، إثر توقف المصدر المالي الأساس للعديد من الأسر في المنطقة.
أكد المحلل الاقتصادي المهدي لحلو أنه في الوقت الذي كان فيه سكان المنطقة يكسبون قوت يومهم من اقتصاد التهريب، فإن الإغلاق الذي شهده المغرب بسبب جائحة كورونا، إضافة إلى إغلاق معبر باب سبتة، تسببا في تأثر أحوال تلك الأسر ودفع أبناءها للتفكير في حل لإنقاذ أهاليهم من الفقر والبطالة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، يشير نائب رئيس جمعية تجار إحدى أسواق مدينة الفنيدق، العلمي المقريني، في تصريح صحافي، إلى أن إغلاق معبر باب سبتة أثار أزمة خطيرة، مؤكداً أنه قضى على المدينة، التي أصبحت تعاني من الكساد.
وأبدى العلمي قلقه من أن يحمل المستقبل ما لا تحمد عقباه، لأن التهريب المعيشي كان مصدر الدخل الوحيد لسكان الفنيدق في ظل غياب معامل أو فرص عمل أخرى، معتبراً أن قرار الإغلاق غير مقبول.
وأكد تضرر العديد من القطاعات المرتبطة بالتجارة والنقل العام وحتى القطاع السياحي من جراء الإغلاق، باعتبار أن مئات المحال التجارية أغلقت، فيما تضرر أصحاب سيارات النقل العام جراء تراجع الحركة الاعتيادية في المدينة.
دعوة للتدخل
وجه بعض فعاليات المدينة نداء أشاروا فيه إلى أن "سكانها ومنذ ثلاثة أعوام يعيشون تدهوراً فظيعاً في نمط حياتهم الاجتماعية جرّاء سياسة الدولة في توقيف التهريب المعيشي من معبر باب سبتة، من دون توفير بدائل اقتصادية"، موضحين أن التهريب شكل منذ الاستقلال عصب حياة منظومة الاقتصاد المحلي ومورد الرزق الوحيد للآلاف من المواطنين والمواطنات في المدينة.
وطالب النداء الحكومة بتحمل مسؤوليتها السياسية والتنموية في إنقاذ مدينة الفنيدق من أزمتها الاقتصادية الخطيرة التي أضحت تهدد استقرارها الاجتماعي.
فشل سياسي
يربط مراقبون توالي عمليات الهجرة غير الشرعية للشباب المغربي بفشل السياسات الحكومية في تدبير الشأن العام، ويشير رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بنعيسى، إلى كون موجة الهجرة غير نظامية الجديدة تأتي في ظل الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تمر منها المنطقة بشكل خاص، والمغرب بشكل عام، خصوصاً مع القرارات المتتالية للحكومة بحظر التجوال عند الساعة الثامنة مساء خلال شهر رمضان، من دون توفير بدائل دعم، باستثناء أنشطة محدودة، مما أدى إلى تضرر أغلب النشاطات الاقتصادية غير المهيكلة، التي تعتبر مصدر الدخل الوحيد لملايين المغاربة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير بنعيسى إلى محاولات الهروب لمئات الشباب المغاربة من الواقع المؤسف، في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة وواقع سياسي محبط، يسوده الفساد والريع واتساع الفوارق الطبقية والتحكم واستبعاد الشباب من الحياة العامة، وتحطيم آمالهم في إمكانية التغيير الإيجابي وصنع مستقبلهم بأيديهم.
من جانبه، اعتبر رئيس الفضاء المغربي الإيطالي يحيى المطواط، أن ما حدث في شاطئ الفنيدق لا يمكن قراءته بمعزل عن ظاهرة "الحريك" (الهجرة السرية) في شموليتها، مؤكداً أن الظاهرة تدل على وجود اختلالات عميقة تهدد استقرار البلاد، وهي مظهر من مظاهر أزمة اجتماعية خطيرة فشلت الحكومة في إيجاد حلول واقعية للتخفيف من حدتها.
وأضاف "علينا أن نعترف أن هذه الظاهرة تتسع ولا يمكن محاربتها إلا برؤية تنموية واضحة، وعدالة اجتماعية تضمن كرامة المواطن، بدل توزيع قفة رمضان الانتخابية".
موقف حكومي
من جانبها، وفي ردها على تلك الاتهامات، تنفي الحكومة وجود زيادة في نسب الفقر في المغرب، وتؤكد عملها في سبيل إيجاد عدالة اجتماعية، حيث أشار رئيس الوزراء المغربي سعد الدين العثماني إلى أنه على الرغم من التداعيات الكبيرة والصعبة لجائحة كورونا على الاقتصاد الوطني، استمرت الحكومة في العمل على حماية القدرة الشرائية للمواطنين، باعتماد وتنفيذ عشرات الإجراءات الاستثنائية للحفاظ على التشغيل، وتقديم الدعم لأسر الأجراء والأسر العاملة في القطاع غير المهيكل، مؤكداً استفادة أكثر من خمسة ملايين أسرة من الدعم.
وأضاف العثماني أن الحكومة أقرت، أخيراً، تمديد دعم عدد من القطاعات المتضررة، وقد كان لهذه الإجراءات أثر إيجابي على فئات واسعة من المواطنين، حيث حالت دون وقوع 9.2 في المئة من السكان في دائرة الفقر، كما حمت 7.8 في المئة من الوقوع في دائرة الهشاشة، مذكراً بأن مستوى المعيشة للفرد ارتفع بمعدل سنوي بلغ 2.7 في المئة، بين عامي 2013 و2019، وأن نسبة الفقر انتقلت من 4.8 في المئة عام 2014 إلى 1.7 في المئة عام 2019 على الصعيد الوطني، فيما انتقلت نسبة الأشخاص الذين يعيشون الهشاشة الاقتصادية من 12.5 إلى 7.3 في المئة.
وعن الفوارق الاجتماعية، يؤكد العثماني تحسن معيشة 20 في المئة من الأسر الأقل يسراً بنسبة 3.5 في المئة خلال الفترة نفسها مقابل 2.9 في المئة للطبقة الوسطى و2.4 في المئة لفئة الـ20 في المئة الأكثر يسراً، وهو ما انعكس في المؤشر التركيبي للفوارق الاجتماعية الذي انخفض من 39.5 في المئة عام 2013 إلى 38.5 في المئة عام 2019.