كشف تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، أن العديد من الدول بدأت تعاني بالفعل من مزيج من الديون العامة المرتفعة وأسعار الفائدة المنخفضة. وكان هذا هو الحال بالفعل في الاقتصادات المتقدمة حتى قبل ظهور وباء فيروس كورونا المستجد، ولكنه أصبح أكثر وضوحاً في أعقابه.
في الوقت نفسه، يتمتع عدد متزايد من اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بفترة من معدلات الفائدة الحقيقية السلبية، وهو معدل الفائدة مطروحاً منه التضخم على الدين الحكومي.
ودعا صندوق النقد الدولي جميع الحكومات إلى إنفاق ما في وسعها لحماية الضعفاء والحد من الأضرار طويلة الأمد التي تلحق بالاقتصادات، مشدداً على الحاجة إلى توجيه الإنفاق بشكل جيد. وهذا أمر بالغ الأهمية بشكل خاص في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، التي تواجه قيوداً أكثر صرامة وما يرتبط بها من مخاطر مالية، حيث يكون تحديد أولويات الإنفاق بشكل أكبر أمراً جوهرياً.
ماذا تفعل الدول مع ارتفاع الديون؟
ولكن ما الذي يجب فعله في نهاية المطاف بشأن المستويات المرتفعة للدين العام في أعقاب هذه الأزمة؟
يرى صندوق النقد الدولي أنه حتى يظل الحيز المالي واسعاً، لا ينبغي للبلدان أن تحقق فوائض أكبر في الميزانية لخفض الديون، بل ينبغي بدلاً من ذلك السماح للنمو بخفض نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عضوياً.
وشدد الصندوق على ضرورة الحاجة إلى إعادة التفكير في الركائز المالية- القواعد والأطر- لمراعاة أسعار الفائدة المنخفضة تاريخياً. واقترح البعض أن تكاليف الاقتراض- حتى لو ارتفعت- ستفعل ذلك بشكل تدريجي فقط، مما يترك الوقت لمواجهة أي تداعيات.
وطرح تساؤلاً حول هل سيظل الاقتراض رخيصاً طوال الأفق ذي الصلة بالتخطيط المالي؟
وذكر أنه نظراً لأن هذا الأفق يبدو أنه المستقبل غير المحدد، فإن الإجابة ستكون بـ"لا". بينما جادل البعض بأن أسعار الفائدة المعدلة بشكل سلبي على نحو دائم قد تكون خط أساس معقول.
لكن يجب تسليط الضوء على المخاطر المحيطة بمثل هذا المستقبل الحميد. حيث يعطي التاريخ العديد من فترات الارتفاع المفاجئ في تكاليف الاقتراض بمجرد أن تتغير توقعات السوق. وهذه المخاطر ذات صلة خاصة بالأسواق الناشئة والاقتصادات النامية حيث معدلات الديون مرتفعة بالفعل. وفي مرحلة ما، قد تحتاج الديون إلى أن يتم تجديدها بمعدلات أعلى. فيما لم تختف حدود المبلغ الذي يمكن اقتراضه، والحاجة إلى الابتعاد عنها بشكل جيد أصبحت أكثر حدة في عالم، حيث أسعار الفائدة والنمو غير مؤكدين.
كما تساءل الصندوق: هل يكفي الاستجابة تدريجياً لأسعار الفائدة المرتفعة؟ وقال إن النظرية والتاريخ يشيران إلى أنه عندما يبدأ المستثمرون في القلق من أن الحيز المالي قد ينفد، فإنهم يعاقبون البلدان بسرعة، مشيراً إلى أن التعديلات التي يحركها السوق ليست بالضرورة تدريجية، كما أن الأسواق لا تزيد فقط من تكلفة الاقتراض بمجرد تحقيق عوائد نمو صحية، وفي الواقع، يبدو العكس تماماً أمراً معقولاً.
وأشار الصندوق إلى أن هناك توقعات متأصلة في السوق بشأن الفروق السلبية في نمو الفائدة، حيث تكون أسعار الفائدة الحقيقية أقل من معدلات النمو لمعظم الاقتصادات المتقدمة. في حين أن المعدلات طويلة الأجل في الولايات المتحدة كانت ترتفع خلال الأشهر العديدة الماضية، إلا أنها لا تزال منخفضة حتى بمعايير ما بعد عام 2008. وكشف أن البيانات والأرقام المتاحة ترجح معدلات نمو تزيد كثيراً عن أسعار الفائدة الحقيقية لجميع دول مجموعة السبع باستثناء إيطاليا.
في المقابل، فإن حجم الديون يقترب من المستويات التي كانت تعتبر خطيرة في السابق. وفي وقت سابق قُدرت حدود الديون التي لن يكون الرصيد المالي بعدها قادراً على التكيف مع الزيادات المدفوعة بالسوق في علاوات المخاطر. وتعكس هذه التقديرات ظروف السوق بعد الأزمة المالية العالمية ولكن قبل جائحة فيروس كورونا المستجد.
ومع ذلك، فإنها لا تزال مفيدة من خلال نقل ما كان يُنظر إليه على أنه حد الدين اعتباراً من عقد من الزمان. ويوفر هذا مؤشراً على ما يمكن توقعه إذا عادت تلك الظروف السابقة إلى الظهور.
3 سيناريوهات بديلة
ومع خطر المبالغة في التبسيط، طرح صندوق النقد ثلاث وجهات نظر بديلة. حيث تظل أسعار الفائدة منخفضة في الاقتصادات المتقدمة حتى لو استمر الدين في الزيادة. وفي مثل هذه الحالة، لا داع للقلق بشأن الديون أو العجز المستمر غير المتسارع. كما ستستمر نسبة الدين في الارتفاع لكنها ستستقر في النهاية عند مستوى أعلى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار إلى أن أسعار الفائدة منخفضة عند مستويات دين معينة، لكنها لن تظل منخفضة إذا ارتفع الدين بشكل كبير. ويمكن لمعظم دول مجموعة السبع أن تعاني من عجز أولي يقارب مستوى 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي مع الحفاظ على معدلات ديونها. وفي هذا السيناريو، يستمتعون بوجبة غداء مجانية بشرط أن يظل العجز أقل من مستوى نسبة استقرار الدين.
وكشف أن أسعار الفائدة منخفضة، لكنها يمكن أن تتكيف فجأة. وفي هذا السيناريو، هناك مبرر للاستفادة من الظروف المؤاتية لتقليل الديون وإعادة بناء الهوامش الوقائية. وحتى إذا كانت المخاطر المتصورة قليلة، فإن التكاليف الكبيرة المرتبطة بالتعديل القسري قد تبرر القلق بشأن الديون المرتفعة والتخطيط بالفعل لمستقبل أكثر خطورة.
وذكر صندوق النقد أن استهداف توازن أعلى في الميزانية عندما لا يكون الوباء وراءنا أمراً يدعو إلى الهزيمة الذاتية. لكن هذا لا يعني أنه لا ينبغي لنا أن نقلق بشأن العواقب المترتبة على مسارات الديون لأسباب ليس أقلها أن الأسواق قد تقلق في نهاية المطاف، حتى لو كانت تكاليف الاقتراض المنخفضة تشير الآن إلى أن هذه المخاوف بعيدة.
ويتمثل خط الأساس الحكيم في أن تكاليف الاقتراض قد تصبح أعلى بكثير، خصوصاً بالنسبة إلى الاقتصادات الناشئة والنامية، لتتمثل المهمة الجديدة في تحديد السياسة المالية اللازمة لترسيخ التوقعات لمستقبل أكثر خطورة. وقد لا تحتاج الاقتصادات المتقدمة ذات المساحة الواسعة إلى القلق كثيراً، ولكن أولئك الذين لديهم ديون عالية جداً- حيث أسباب انخفاض تكاليف الاقتراض غير مفهومة تماماً- قد يحتاجون إلى بعض التأمين الراسخ.
وتوقع أن تواجه اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية قيوداً مالية ملزمة، وقد تحتاج إلى التكيف في وقت أقرب، ولكن مرة أخرى، ليس قبل أن يتعزز الانتعاش، ستحتاج جميع البلدان إلى ترسيخ الخطط المالية مع بعض فكرة الاستدامة، والتي يمكن أن تخفف أيضاً من القلق بشأن إعادة تسعير السوق للمخاطر. وهذا ليس مصدر قلق الغد إذا كان الحيز المالي غير مؤكد ويمكن أن تتحول توقعات السوق بشكل مفاجئ، مؤكداً ضرورة أن يكون وضع الخطط لترسيخ التوقعات مصدر قلق للجميع في الوقت الحالي.