دافع المستثمر الشهير وارن بافت عن قراراته الاستثمارية العام الماضي في وجه انتقادات من المساهمين في شركته، صندوق الاستثمار "بيركشاير هاثاوي"، بأن الإدارة لم تستفد من الفرص الهائلة لتحقيق المكاسب خلال أزمة وباء كورونا.
جاء ذلك مساء السبت، خلال الجمعية العمومية للمساهمين في الشركة التي تعد واحدة من أكبر صناديق الاستثمار المساهمة التقليدية في العالم. وكانت الشركة أعلنت في وقت سابق من يوم السبت أرباحاً للربع الأول من هذا العام بلغت 11.7 مليار دولار.
لكن حملة الأسهم في الشركة رأوا أنه كان في الامكان تحقيق نتائج أفضل بالاستفادة من فرص السوق في عام الوباء التي مكّنت منافسيهم من تحقيق أرباح أكبر. واتهم البعض بافت بأنه لم يغامر بما يكفي العام الماضي، وفضّل الاحتفاظ بسيولة نقدية تزيد على 145 مليار دولار من دون استثمارها في فرص استحواذ أو اقتناص فرص أسهم تحركت بقوة العام الماضي.
للعام الثاني على التوالي، عقدت الجمعية العمومية للشركة عبر دائرة الفيديو بسبب احتياطات وباء كورونا، إذ تحدثت الإدارة من لوس أنجليس بينما شارك المستثمرون من دولهم حول العالم. ومثّل الإدارة بافت الرئيس التنفيذي وصاحب النصيب الأكبر من الصندوق ويبلغ من العمر 90 عاماً، وشريكه ونائبه تشارلي مانغر، ويبلغ من العمر 97 عاماً، إضافة إلى نائبي الرئيس غريغ أبل وآجيت جاين.
استمر اجتماع الجمعية العمومية نحو أربع ساعات، وانتهى بفشل مقترحين تقدم بهما المساهمون لاعتراض الإدارة التي تملك قوة تصويتية أكبر أغلبها لدى بافت. ويتعلق المقترح الأول بافصاح "بيركشاير هاثاوي" عن جهودها لمكافحة التغير المناخي، أما المقترح الثاني فيطالب بمزيد من التنوع في العاملين بالشركة.
خلافة الحرس القديم
كانت المساحة الأكبر في الحديث خلال الجمعية العمومية للمستثمرين لنائبي الرئيس أبل وجاين، إذ ينظر إليهما كخليفتين للحرس القديم في إدارة الشركة الاستثمارية التي يقودها بافت ومنغر الآن. وكانت أسئلة كثيرة من المستثمرين حول العالم دارت بالفعل حول مسألة خلافة الحرس القديم، وإذا ما كان أبل وجاين يتمتعان بالعلاقة الجيدة التي تربط بافت وتشارلي منغر.
ولا تتعلق المسألة بالأشخاص وحسب، كما بدا من انتقادات المساهمين، ولكن بالعقلية الاستثمارية وإذا ما كان الجيل التالي سيتجاوز الطريقة "المحافظة" للاستثمار التي يتميز بها بافت. ويرغب المستثمرون في الاستفادة من التغيرات التي تشهدها الأسواق من اقتناص الفرص لتحقيق ربح أكبر وسريع، وكذلك الاستثمار في مشتقات جديدة منها العملات المشفرة، وليس الاكتفاء بالاستثمار في الشركات الكبرى التقليدية.
ودافع بافت عن سياسة الاستثمار للصندوق خلال عام الوباء، وإن اعترف بأن بيعه حصة من أسهم "بريكشاير" في شركة "أبل"، "كان غلطة"، لكنه أعاد التأكيد على أن "بيركشاير هاثاوي" تعتبر "أبل" شركتها، ويملك صندوق بافيت أكثر من 5 في المئة من أسهم "أبل".
وقال بافت إن "بيركشاير" تظل أفضل شركة بين الشركات الـ 500 الكبرى في الولايات المتحدة من حيث سلامة أصولها وجودتها. ورد على انتقادات المساهمين لبيعه أسهم الشركة في شركات الطيران مثل "دلتا" و"أميركان إيرلاينز"، مؤكداً أنه لن يستثمر في شركات الطيران. وفسر ذلك بأن انسحابه من القطاع أفاد استثمارات الصندوق وكذلك شركات الطيران التي ما كانت لتتلقى دعماً حكومياً لو لم يسحب استثماراته منها.
الاستحواذ و"بيتكوين"
وعن انتقاد المساهمين للإدارة بالتقاعس عن الاستحواذ على شركات في عام الوباء كما فعل المنافسون، رد تشارلي منغر منتقداً صناديق الاستثمار المتخصصة في الاستحواذ، واصفاً ممارستها بأنها "تضر بالحضارة" وليست لا أخلاقية وحسب.
وقال منغر عن تلك الصناديق، "أسميه شراء بدافع تحصيل الأتعاب. بمعنى آخر هم لا يشترون تلك الشركات لأنها استثمار جيد، ولكن لأن المستشارين سيحصلون على أتعاب من الصفقة، وبالطبع كلما زاد الشراء كلما زاد السخف، وهو فشل أخلاقي أيضاً إلى حد ما، لأن الأموال السهلة التي تحصل عليها صناديق الاستحواذ والاستثمار في المشتقات ذات العائد الكلي وما شابه تؤدي إلى مغالاة، وتسبب مشكلات حضارية مرعبة، وهي لا تضفي أي صدقية على من يقوم بها ولا مسؤولي التدقيق الذي يراقبونها ويسمحون بها، لذا أعتقد أن هناك ما يشعرك بالعار في الظروف الحالية".
وشرح منغر أن تلك الصناديق مضطرة إلى انفاق أموال المستثمرين في غضون عامين، وقال "إذا صوبت مسدساً إلى رأسي وقلت إن عليّ أن أشتري شركات في غضون عامين فسأشتري، لكن ذلك لن يكون الأمر الصحيح".
أما بالنسبة إلى العملات المشفرة، فدافع منغر عن وجهة نظر إدارة "بيركشاير هاثاوي" في وجه انتقادات المساهمين في الشركة، وقال "بالطبع أكره نجاح بيتكوين ولا أرحب بعملة لا تفيد سوى المختطفين والمبتزين ومن على شاكلتهم، ولا أحبذ دفع المليارات من الدولارات لشخص ابتكر مشتقاً مالياً من لا شيء، لذا اقول بكل صراحة إن ذلك التطور مقرف ويتعارض مع مصالح حضارتنا".
وانتقد بافت شركة "روبنهود ماركتس" وغيرها من التطبيقات الرقمية التي اشتهرت بالمضاربة على أسهم شركات منخفضة بشدة في الآونة الأخيرة بنشر دعايتها عبر منصات المحادثات الإلكترونية "ريديت".
وقال بافت، "إنهم يستغلون غريزة المقامرة في المجتمع وهو أمر لا يمكك أن تفخر به. إنهم يخلقون حقيقة خاصة بهم لفترة، لكن لا أحد يخبرك متى سينتهي هذا كله ويتحول الأمر إلى كارثة".
تغير المناخ
عرض أبل، الذي يدير وحدة الطاقة في "بيركشاير هاثاوي"، خطط الشركة لإغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم ويملكها الصندوق الاستثماري، وأكد أنه على الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ، إلا أن الصندوق حقق المستهدف الأميركي من خفض الانبعاثات الكربونية في الوحدات التي يملكها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد بافت أنه على الرغم من أهمية خفض الانبعاثات الكربونية لمواجهة التغير المناخي، فمن الصعب القول إن استخدام الوقود الأحفوري سينتهي.
وأشار إلى خطط الحكومة في شأن مكافحة التغير المناخي وحماية البيئة، معتبراً أن الأهم هو الاستثمار في البنية التحتية للطاقة النظيفة، فوجود "الشمس والرياح وحدها ليس كافياً لتوصيل الطاقة المستدامة إلى البيوت وإنما الأهم هو الاستثمار في شبكات الإنتاج والتوصيل، وهو ما تفعله بيركشاير هاثاوي".
واستدرك بافت، "لكني أقول إن المتطرفين على جانبي مسألة التغير المناخي مهووسون إلى حد ما، فأنا لا أحبذ حظر الوقود المنتج للكربون في غضون ثلاث سنوات لأن العالم لن يستمر هكذا. أعتقد أننا سنظل نعمل بالوقود الكربوني لفترة طويلة، وأعتقد أن العالم يبتعد منه أيضاً، وهذا قد يتغير".
التضخم والسوق
واستغرب بافت المغالاة في الأسعار خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أن برامج الحكومة بتقديم الدعم النقدي المباشر للأميركيين أدى إلى ارتفاع السعار والمغالاة في قيمة الأصول. واعتبر ذلك السبب الرئيس لمخاوف التضخم. وقال، "إننا نزيد الأسعار لنعوض ارتفاع أسعار المدخلات، فالكل يزيد الأسعار، والناس تدفع لأنه دخلت جيوبها شيكات بقيمة 1400 دولار". وأضاف أن "400 دولار قد لا تعني شيئاً للمستثمر، لكن 1400 دولار تعني كثيراً للأسرة.
تلك المخاوف هي التي دفعت إلى غليان السوق، واستفادة شركات استثمار من دخول المستثمرين الفرديين ومستثمري التجزئة، الذين وصفهم بافت بكلمة "مستثمر اليوم الواحد".
وأغلق سهم "بيركشاير هاثاوي" نهاية تعاملات الأسبوع الماضي على تراجع بنسبة 1.3 في المئة، ليصل سعر السهم من الفئة الأولى إلى 412 ألف و500 دولار بنهاية تعاملات الجمعة، ويصل حجم "بيركشاير هاثاوي" إلى نحو 631 مليار دولار.
ويملك الصندوق شركات متنوعة في قطاعات مختلفة منها شركة "غايكو وبروغريسيف" في قطاع التأمين وشركة خطوط السكك الحديد "بي إن إس إف"، وشركة "بنجامين مور" للدهانات، إضافة إلى شركات خدمات مثل الكهرباء والغاز وغيرها. وبحسب بياناتها المالية للربع الأول وصل ما راكمته من النقد السائل إلى 145.4 مليار دولار مقارنة مع 138.8 مليار دولار بنهاية العام 2020.