يواجه الموسم الدرامي الرمضاني في مصر انتقادات حادة، بسبب الإطالة في الفترات الإعلانية ما بين فواصل المسلسلات، خصوصاً بعد أن تجاوزت مدة الفترة الإعلانية الواحدة داخل بعض الأعمال المعروضة 35 دقيقة، الأمر الذي يتكرر لما يزيد على أربع مرات في الحلقة الواحدة، ليصبح من الصعب تذكر سير الأحداث ومتابعة الخط الدرامي للحلقة. من بينها فاصل إعلاني طويل قبيل انتهاء الحلقة، يقدم بعبارة "سنعود".
لكن يفاجأ المشاهد بعد العودة بتتر نهاية المسلسل، وهو أمر وصفه المتابعون بـ "التضليل"، خصوصاً أنه يضر تماماً بالعمل الدرامي وبصدقية القناة، وعندما يحاول المشاهدون تجنب تلك الخدعة وتغيير القناة مع هذا الفاضل يمكن أن لا يكون هذا هو الفاصل الأخير بالفعل، فلا يتمكنون من متابعة باقي مشاهد الحلقة.
وهذ الأمر يتكرر كثيراً مع المسلسلات التي تتمتع بشعبية، خصوصاً المعروضة في وقت الذروة أي أثناء الإفطار، فالفقرات الإعلانية الأكثر طولاً تلي تتر المقدمة، وتسبق تتر النهاية، بينما الدراما حائرة، والجمهور يحاول أن يلتقطها ويتحايل على المعلنين ولا ينجح دائماً، وهو الأمر الذي يصفه المتخصصون بأنه "خداع"، ولا يليق أبدا بمنظومة إعلامية مهمة، ولا بالقنوات الفضائية الكبرى.
شكاوى وتهديد بالتدخل
وقد تجاوز الأمر هذه السنة مجرد الشكاوى المتكررة كل عام، إذ أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري بياناً أنذر فيه القنوات التي لا تلتزم معايير عرض المادة الإعلانية، خصوصاً بعد تفشي ظاهرة الفترات الإعلانية الطويلة وانتقادات المشاهدين لهذا الأمر، ومما جاء في البيان الرسمي أن المجلس "سيضطر للتدخل لحماية للمشاهدين، إذا لم تلتزم القنوات من تلقاء نفسها تقليص المساحات الإعلانية، وذلك بعد أن تلقى شكاوى كثيرة بشأن عدم تنظيم الإعلانات واعتدائها على حق الجمهور، ودخول كل القنوات في ماراثون إعلاني لا يخدم الأعمال الدرامية ولا الهدف من إنتاجها".
في المقابل، وصف أحمد سعيد، رئيس مجلس إدارة إحدى القنوات الخاصة الشهيرة، البيان بأنه "خطوة إيجابية للغاية"، متمنياً أن تُسن معايير ومحددات لضبط العملية الإعلانية على الشاشات، لافتاً إلى أنه إذا جرى وضع معايير ملزمة وعادلة، وطُبقت من قبل كل المحطات سوف يكون الوضع أفضل. كما لم ينكر أن هناك شكاوى من الجمهور تتكرر كل عام اعتراضاً على الفقرات الإعلانية.
وأضاف، "في القناة التي أعمل بها لا نبالغ في طول مدة فقراتها الإعلانية أثناء عرض المسلسلات"، لكنه أيضاً أكد أن الإعلانات "لا تكون كثيرة بهذا الشكل إلا في الموسم الرمضاني"، ووصف الأمر بأنه "مثل الدائرة، فالمعلن يحتاج إلى الأوقات الأفضل لإعلانه، والقناة أيضاً بحاجة إلى الإعلان كي تتمكن من شراء أعمال جديدة وجيدة لتحافظ على مشاهديها"، مشيراً إلى أن زيادة الإعلانات بشكل عام "شيء صحي"، نظرا لأن هذا يعني أن "القناة لها جمهور، وأن المادة الفنية المعروضة أيضاً ناجحة".
من هم "الإعلانجية"؟
ويمكن القول إن المتابع للمشهد الدرامي الرمضاني سوف يرى أنه أصبح هناك ما يشبه الهجرة من شاشات التليفزيون، وبنظرة بسيطة على تغريدات المهتمين بمتابعة الدراما عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أغلبهم يكتفون بالمتابعة عبر المنصات المدفوعة للهروب من الإعلانات التي تضيّع الوقت، أو حتى المشاهدة بطرق غير مشروعة عبر قنوات "تليغرام" أو غيرها.
واللافت أن الدراما المصرية تكون عادة هي الأغزر إنتاجاً وتنوعاً، بالتالي الشاشات المصرية تتمتع بخيارات عدة وتجذب مشاهدين كثر، لكن هؤلاء المشاهدين أصبحوا ينسحبون تدريجياً، نظرا لأن لا أحد يمتلك كل هذا الوقت ليبدده على الفقرات الإعلانية، فالمسلسل الذي لا تتجاوز مدته الفعلية 35 دقيقة أصبحت متابعته عبر التليفزيون تتطلب من ساعة ونصف لساعتين.
وهذه الظاهرة تتفرد بها القوات المصرية مقارنة بأخرى عربية في رمضان، حيث تكون الفقرات الإعلانية في تلك المحطات أقصر بكثير، فهل الأمر متعلق بسعر الدقيقة أم بخطة أولويات كل قناة؟
المتخصص في مجال التسويق الإعلامي محمود صالح يحاول تفسير تلك الظاهرة مشيراً إلى أن سعر الإعلان الواحد في القنوات المصرية "أقل من نظيره المعروض في قناة أخرى تلتزم معايير العرض خلال العمل الدرامي، حيث لا تتجاوز مدة الفقرة لديها الخمس دقائق".
وبحسب ما قاله صالح، فما يحدث في القنوات المصرية هو أن الفقرة "تطول كثيراً، وتصبح نسبة تعرض الجمهور المستهدف للحملة الإعلامية أقل وتركيزه أيضاً يكون أقل بكثير، نظراً للتزاحم في طريقة العرض، وهي كلها أمور تحدد سعر الإعلان".
ويصف صالح السوق الإعلاني المصري بأنه "غير منضبط"، لافتاً إلى أن الفترات الإعلانية هذا الموسم "تجاوزت الحدود في ما يتعلق بالمدة"، بدليل بيان المجلس الأعلى للإعلام، كما يشير إلى أن شركات الإعلانات أو من يسمون أنفسهم بـ "الإعلانجية" "يتحكمون في ذوق أصحاب شركات السلع وفي المنتج الإعلاني النهائي المقدم في السوق"، ومن بينها طول الإعلان.
وأشار المتخصص في مجال التسويق الإعلامي إلى أن الإعلان كي يحقق هدفه "ينبغي أن لا تتجاوز مدته الدقيقة"، في حين أن الشركات أصبحت "تتسابق على حشد أكبر عدد من النجوم وأيضاً على من سوف يكسر هذه المدة، حيث وصلت مدة بعض الإعلانات إلى ثلاث دقائق"، وهو في رأيه "خطأ تسويقي فادح".
ويتابع، "يوجد نظام معمول به في أغلب القنوات غير المصرية لضبط الفاصل الإعلاني حيث لا يتعدى الأربعة فواصل مدة كل منها خمس دقائق ويجري التسعير للحد الأدنى، وهو ثلاثين ثانية، ويتحدد ثمنه وفقا لمعايير العرض والطلب على القناة، فإذا كان الطلب كبيراً يرتفع السعر وهكذا، وتكون لتلك القنوات موازنة واضحة ومحددة سلفاً لشراء المحتوى الدرامي، بالتالي تعلم مقدار ما تحتاجه مقابل الإعلانات لتعوّض ما دفعته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من يتحكم في سوق الإعلانات؟
ويواصل صالح، "أما ما يحدث في القنوات فإن بعضها لا يكون لديه خطة ولا موازنة واضحة لشراء المحتوى الدرامي، وبالتالي فهو يريد أن يأخذ أكبر حصة من الإعلانات في حين أن كثيراً من القنوات تكون هي أيضاً جهة إنتاج المحتوى الفني المعروض نفسها، فترغب في أن تحصل على ما أنفقته على العملية الإنتاجية، فتعرض كماً ضخماً من الإعلانات على الأغلب من دون معايير واضحة، بالتالي سوق إنتاج الإعلانات ونظام عرضها أصبح عشوائياً تماماً، وكثير منها لا تحقق المردود الاقتصادي المرجو، ولا ينعكس إنتاجها المكلف على عملية بيع السلع".
لكن في المقابل يرى المتعاملون مع الشركات الإعلانية في مصر ومن يسهمون في تنفيذ تلك الحملات، أن الوضع ليس قاتماً إلى هذا الحد، وبينهم أحد المنتجين الفنيين الذي أسهم في تنفيذ كثير من الحملات الإعلانية لمصلحة شركات كبرى، إذ يفسر ظاهرة كثرة الإعلانات هذه السنة، بأن الأمر "يعود إلى أزمة العام الماضي، إذ تسببت ظروف الإغلاق في المنطقة بسبب فيروس كورونا خلال موسم رمضان 2020 إلى تأجيل كثير من الحملات الإعلانية، وبالتالي فبعد الانفراجة الجزئية هذه السنة جرى ضخ كثير من الأموال في السوق الإعلانية بعد ركود الموسم الماضي، وزاد كمّ الإعلانات على الشاشات، مؤكداً أن العمل الإعلاني جرى بناء على بحوث تسويقية، لكن في ما يتعلق بالمردود الاقتصادي للشركات فهو أمر يخص منتجي السلع، ولا يتم إطلاع الجهة المنفذة للإعلان عليه".
لكنه أيضاً اتفق مع فكرة أن كثيراً من الإعلانات باتت متشابهة إلى حد كبير، خصوصاً في ما يتعلق بحشد النجوم في أي حملة إعلانية لضمان انتشارها، وعاد وأكد أن القنوت الفضائية "من حقها أن تكسب وتستحوذ على أكبر عدد من الإعلانات لتعوض ما دفعته في المسلسلات والفقرات الفنية والترفيهية المعروضة".
وفي ما يتعلق بطول مدة الإعلان نفسه بعيداً عن الفقرة التي تضم عدداً كبيراً من الإعلانات، يشير المنتج الفني في مجال الإعلانات إلى أن الإعلان "يقسّم من خلال عرضه بأكثر من نسخة، فمرة مختصراً وأخرى كاملاً وثالثة بنصف مدته، ومرة لمدة 15 ثانية فقط". وختم تعليقه بالحديث عما يترد بشأن هرب الناس من الشاشات بسبب طول الإعلانات قائلاً، "بالطبع هناك كثيرون يفضّلون المنصات المدفوعة، للحفاظ على وقتهم والتخلص من الفقرات الإعلانية الطويلة، لكن في المقابل هناك قطاعات عريضة رمضان بالنسبة إليهم هو مشاهدة التليفزيون بالشكل التقليدي والتجمع مع العائلة أمام الشاشة ومشاهدة المسلسلات والإعلانات، فالإعلانات أيضاً لديها جماهيرية، فطبيعة المشاهد المصري تشير إلى أنه لا يحب الاستغناء عن طقس مشاهدة التليفزيون في رمضان، وهذا أمر لن يتغير بسهولة".
نجوم الإعلانات ونجوم الدراما
اللافت أن سوق الإنتاج الإعلامي في مصر أصبح يعتمد في أغلبه على كبار النجوم، إذ يوازي سوق الإنتاج الدرامي، بالتالي نجد أن صناعة الإعلان في مصر، خصوصاً في موسمها الأبرز في شهر رمضان كل عام لديها من ينتظرها، وبات ظهور مشاهير الفن فيها أمراً معتاداً جداً، إذ شارك عشرات نجوم الشاشة هذه السنة في الإعلانات، ومنهم من اكتفى بالإعلانات فقط ولم يشارك بمسلسلات خلال الموسم، إذ يشير المتخصص في التسويق الإعلاني إلى أن كثيراً من تلك الإعلانات "تقدم من دون الاستناد إلى أبحاث تسويقية، فلا يكون هناك اتساق بين بطل الإعلان وطبيعة المنتج من الأساس على سبيل المثال.
وفي ما يتعلق بالممثلين الذين اكتفوا بمشاركتهم في الإعلانات فقط أكد صالح أن بطل الإعلان "يحقق ربحاً مادياً سريعاً وبأقل مجهود، فقد يحصل في ثلاثة إعلانات يجري تصويرها في ثلاثة أيام فقط على أجر يوازي عمله في مسلسل 30 حلقة، خصوصاً في ظل تكرار وجوه النجوم في أكثر من إعلان خلال الموسم الحالي، والملاحظ أن أغلبها تتركز في إعلانات العقارات والتبرعات، وإن كانت الجودة الفنية لتك الإعلانات تتطور عاماً بعد آخر، وبعضها بات وكأنه كليب غنائي أو حتى فيلم قصير".
وأضاف، "فئات كثيرة من الجمهور أصبحت تكتفي بمتابعة الإعلانات المفضلة والناجحة، التي تتمتع بمستوى فن عال عبر الإنترنت، لأن المتابعة عبر شاشة التليفزيون باتت رفاهية لا تتاح لكثيرين بسبب ضيق الوقت، فإذا كان المنتج يبحث عن مشاهدي الأعمال الدرامية عبر التليفزيون ليبيعهم سلعته فما الجدوى إذا كان كثير من المشاهدين يشاهدون مسلسلاتهم عبر المنصات ويبحثون عن الإعلانات المفضلة عبر صفحات فيسبوك وقنوات يوتيوب كسبا للوقت؟".