شدّ أليكس سالموند الأنظار من جديد بزعمه أن اسكتلندا قد تتمكن من الاستقلال من دون تحمل عبء تسديد جزء من دين المملكة المتحدة. لكن إلى أي مدى يمكن النظر إلى هذا الموقف بجدية؟
يحث حزبه الجديد، حزب ألبا، نيكولا ستيرجون والحزب القومي الاسكتلندي على اعتماد ما يسميه "تسوية الانفصال التام"- محاججاً بأن سياسة التقشف وفيروس كورونا قد غيرا وجه العالم الاقتصادي "كلياً" وأنه على دعاة الاستقلال "التكيف مع الواقع الجديد".
ويؤكد حزب ألبا أن أي دين في المملكة المتحدة تراكم بسبب سياسة التيسير الكمي- أي طباعة المال في المصرف المركزي- "هو دين يقع إجمالاً على عاتق أحد فروع الحكومة (الخزينة) الذي عليه تسديده لفرع آخر (البنك المركزي) ولا يرتب بالتالي أي مسؤولية شرعية على الشعب الاسكتلندي أو غيره".
ويقول إن الدين باعتباره حصة من إجمالي الناتج المحلي قد تضاعف منذ الانهيار المالي في عام 2008 "حين طبقت الحكومة وبنك إنجلترا سياسة تيسير كمي شاملة".
بينت الأرقام التي نُشرت في أكتوبر (تشرين الأول) أن إجمالي الدين الحكومي في المملكة المتحدة قد فاق 1.87 تريليون جنيه استرليني- ما يعادل نحو 26900 جنيهاً للشخص في المملكة المتحدة- ويعود ذلك جزئياً إلى الإنفاق الهائل من أجل التعامل مع جائحة فيروس كورونا.
يعتقد البروفيسور جيمس ميتشيل، رئيس السياسة العامة في جامعة إدنبره، أن مزاعم ألبا ليست سوى "خطاب انتخابي هدفه استمالة جزء من ناخبي الحزب القومي الاسكتلندي، وممارسة الضغط على قيادة الحزب، بدل أن تكون خوضاً جدياً في المواضيع".
وبعد تلميحه إلى أن "أليكس سالموند ونيكولا ستيرجون بدلا موقعيهما" في السنوات الماضية، قال البروفيسور ميتشيل "لطالما كان سالموند الشخص الحذر والعملي والمؤمن بالعمل التدريجي، والذي كان يميل إلى وضع خيار ثالث على ورقة الاقتراع في عام 2014، بينما اعتبرت ستورجون المتشددة التي سعت إلى الاشتباك مباشرة مع أنصار الاتحاد".
وبالفعل، فإن سياسة الانفصال التام التي ينشدها ألبا تتناقض كلياً مع اقتراحات الحزب القومي الاسكتلندي في ورقته الحكومية حول الاستقلال التي تعود إلى عام 2014، والتي نُشرت في ظل زعامة السيد سالموند وجاء فيها أن اسكتلندا المستقلة سوف تتحمل قسطاً "متفاوضاً ومُتفقاً عليه" من دين المملكة المتحدة.
ويضيف البروفيسور ميتشيل أن "سالموند يسعى الآن إلى تصوير نفسه وحزبه في خانة المتشددين، مما قد يفيد مصلحة الحزب القومي الاسكتلندي إن كان ذلك يسهم في إظهاره معتدلاً إجمالاً ويسمح لستورجون أن تحذر بأنه في حال تجاهل مطالب الحزب القومي الاسكتلندي في تنظيم استفتاء، فإن البديل الذي ينتظر هو حزب ألبا".
"لكن ذلك يبدو أنه محاولة سالموند في تمييز ألبا عن الحزب القومي الاسكتلندي (و) استمالة القوميين المتشددين الذين خيبت ستورجون آمالهم… أكثر من كونه انخراطاً جدياً في المواضيع".
لم يرد الحزب القومي الاسكتلندي على طلب التعليق حول سياسة ألبا، لكنه قال سابقاً إن عجز اسكتلندا بعد الاستقلال سيكون صورياً لأنه سيعتمد على الاتفاق المبرم بين هوليرود وويستمنستر.
بموجب قانون اسكتلندا الذي قام عليه التفويض الإداري، لا يمكن لأي إدارة في إدنبره مراكمة دين عبر إنفاق أكثر مما تتلقاه من الخزينة أو مما تجنيه من الضرائب الإضافية- عكس حكومة المملكة المتحدة.
وتُظهر بريكست كيف يمكن أن يصبح تفكيك عقود من الالتزامات المتبادلة موضع نقاش طويل ومضنٍ.
في أغسطس (آب) 2019، زعم بوريس جونسون، رئيس الوزراء المنتخب حديثاً عندها، بأن بريكست من دون اتفاق تعني أنه لن يتعين على المملكة المتحدة دفع فاتورة طلاق- وهو زعم سرعان ما رفضه الاتحاد الأوروبي. قام السيد جونسون بعدها بالتلويح بتهديد عدم الدفع كورقة مساومة في المفاوضات الأوسع، ]لكن لعدة أسباب ليس أقلها الرغبة في إبرام اتفاق تجارة حرة[ حيث يتوجب على المملكة المتحدة دفع 39 مليار جنيه لكتلتها السابقة بحلول عام 2057.
وفيما المقارنات التي يمكن إقامتها مع التزامات اسكتلندا بتسديد دين المملكة المتحدة محدودة بلا شك- إذ إن فاتورة طلاق بركسيت المفروضة على بريطانيا تتألف إجمالاً من مدفوعات عالقة للميزانية- فهي تسلط الضوء على واقع تفكيك اتحادات سياسية واقتصادية قديمة العهد.
وقال البروفيسور ميتشيل "كما كان يجب أن توضح تجربتنا مع بريكست، ليس الاستفتاء سوى بداية العملية، وأي حديث عن "انفصال تام" لا يعدو كونه خطاباً انتخابياً"، وأضاف "لا يمكن لحزب واحد أن يفرض قرارات بهذه الأهمية من دون أن يترتب على محاولة تطبيقها ثمنٌ كبير".
"سوف يكون الاستقلال، شأنه شأن بريكست، عملية طويلة وليس حدثاً منفرداً. كما أن فكرة التخلي عن الالتزامات والمسؤوليات القائمة أساساً ستلحق الضرر بالحكومة الاسكتلندية في أعين المجتمع الدولي، وليس أقله المؤسسات المالية التي ستعتمد عليها اسكتلندا المستقلة. يجب التعامل بدقة مع الدين والأصول وهذا عمل يستغرق وقتاً".
ويوافق البروفيسور مارك ويلير، رئيس قسم القانون الدولي والدراسات الدستورية الدولية في جامعة كامبريدج هذا الرأي بشكل كبير.
وهكذا يقول الوسيط السابق لدى الأمم المتحدة وخبير تسويات النزاعات الدولية لـ "اندبندنت "حتى لو اختار شعب اسكتلندا الاستقلال، لا يتضمن القانون الدولي بنداً ينص على ما يسميه حزب ألبا طلاقاً تاماً".
"لا يعني الانفصال الانقطاع الحاد والأحادي الجانب. بل إن الجانب المنسحب مضطر للتفاوض بحسن نية بشأن شروط التسوية. وفي حالات أخرى، حُدد الدين القومي وفقاً لعدد السكان، فيما جرت موازنته أحياناً مع الأصول الوطنية التي تخضع للتقسيم".
وحذر من أن الانسحاب الأحادي من دون التوصل إلى تسوية "سيجعل اسكتلندا منعزلة ويهدد الدعم الضروري التي تحتاجه من لندن من أجل عضوية الاتحاد الأوروبي".
"لا يمكن الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي من دون وثيقة صحة كاملة من لندن- وإلا لا شك في أنها ستلقى معارضة إسبانيا وغيرها من الجهات التي تعارض الانفصال أساساً، لا سيما الانفصال غير المتفق عليه، كمسألة مبدئية نظراً لمصالحها الوطنية الخاصة".
لكن لا يتفق كل خبراء الاقتصاد على هذه النقطة.
اعتبر ريتشارد ميرفي، الأستاذ الزائر في الاقتصاد السياسي الدولي في جامعة سيتي، في لندن من بين مؤسسات أخرى، أن "اسكتلندا لن تضطر إلى تسديد الدين القومي البريطاني سوى في حال سددته بريطانيا نفسها كذلك- واحتمال حصول ذلك معدوم تقريباً".
وفي مقاله المنشور في صحيفة "ذا ناشونال" المؤيدة للاستقلال، ذهب البروفيسور ميرفي أبعد من ذلك، واقترح أنه يجب تعديل أي دين على اسكتلندا قياساً بالتيسير الكمي أولاً وفائض النفط (المسجل في السابق) ثانياً- وهي حجة ترتكز على موقف القوميين الجدلي والذي لم يثبت عكسه كلياً، بأن اسكتلندا "دعمت بقية المملكة المتحدة طيلة فترة الـ 40 عاماً الماضية".
وتعتبر مذكرة ويستمنستر لعام 2014 بعنوان "دين المملكة المتحدة واستفتاء اسكتلندا على الاستقلال" بمثابة اعتراف بأن "اسكتلندا لن تكون مسؤولة عن أي ديون أدارتها لندن قبل الاستقلال".
وفي سبيل طمأنة المستثمرين حُررت هذه المذكرة إثر تهديدات بأن اسكتلندا سترفض تسديد حصتها من الديون من دون توحيد العملة، وجاء فيها: "سوف يتوجب النظر قريباً إلى المجموعة الكاملة للأصول والالتزامات- سواء الماضية أو المستقبلية أو المحتملة- في المفاوضات بين حكومتي الدول الباقية في المملكة المتحدة واسكتلندا، وفقاً لكل حالة على حدة".
وقال سالموند حينها "نبقى مستعدين من أجل التفاوض على تحمل مسؤولية تمويل جزء منصف من ديون المملكة المتحدة، شريطة حصول اسكتلندا طبعاً على جزء منصف من الأصول، بما في ذلك الأصول المالية".
بعد مرور سبع سنوات على انتهاء هذه الحجج بنتيجة 55 مقابل 45 صوتاً ضد الاستقلال، تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى احتمال إحراز الحزب القومي الاسكتلندي غالبية "قاطعة" في هوليرود يوم الخميس- وهي نتيجة ستستخدمها السيدة ستورجون من أجل طلب تفويض بإجراء استفتاء "قانوني" جديد.
وفيما يشير استطلاع "بي أم جي" للآراء الذي أجري بطلب من صحيفة الهيرالد إلى أن هوليرود قد تسجل تصويتاً بنتيجة 79 صوتاً مؤيداً للاستقلال مقابل 129 صوتاً، في البرلمان الاسكتلندي، يبدو أن التحضيرات مكتملة من أجل إجراء استفتاء ثانٍ على الاستقلال.
© The Independent