مع اكتشاف أول حالة إصابة بفيروس كورونا شهر مارس (آذار) من العام الماضي، دخل المغرب في حجر شامل استمر لحوالى أربعة أشهر، وتم رفعه نسبياً مع الإبقاء على بعض الإجراءات الوقائية كمنع الحفلات والتجمعات وفرض رخص استثنائية للتنقل بين المدن. وكباقي اقتصادات العالم شهد الاقتصاد المغربي انكماشاً بسبب تضرر أغلب قطاعاته.
وأدى تعليق الرحلات الجوية لتضرر قطاعات كالسياحة والتجارة، فيما تسبب التعليق الجزئي لأنشطة أغلب المصانع في تضرر قطاع الصناعة ومعه المقاولات ما رفع نسبة البطالة.
وسبق لبنك المغرب المركزي أن توقع أن تصل نسبة انكماش اقتصاد المملكة المغربية سنة 2020 إلى 6.6 في المئة، وهي نسبة قريبة من تلك التي توقعها البنك الدولي بخصوص انكماش اقتصاد المغرب التي حددها بـ 6.3 في المئة.
انتقادات للتدابير الحكومية
ويقول الباحث في الشأن الاقتصادي والسياسي، رياض برايدة، إن الإجراءات "الاحترازية" التي تتبناها الدولة للتصدي للجائحة من شأنها أن تخلق اختناقاً اجتماعياً قابلاً للانفجار في أية لحظة، بخاصة وأن شريحة مهمة من المجتمع تعمل في القطاع غير المهيكل وتتأثر بشكل مباشر بقرارات الإغلاق، كما أن كل المقاربات المطروحة على الصعيد الدولي بدأت تستثني الحجر كخيار للحد من تفشي الجائحة لعدم نجاعته في التجارب السابقة.
ويضيف الباحث الاقتصادي أنه من غير المعقول والمنطقي الإبقاء على قرار الإغلاق، و تقليص ساعات العمل بالنسبة إلى المقاهي والمطاعم والصالات الرياضية، بخاصة مع انخفاض حدة الوباء الذي عرف بالمناسبة تحولات جينية قدرت بـ 12000 مرة، وفقد شراسته "Force virale"، إضافة إلى التقدم الذي حققه المغرب في عملية التلقيح.
كما وصف الخطوات التي أقدمت عليها الدولة المغربية للتخفيف من وطأة الإغلاق بغير الكافية، خصوصاً بالنسبة إلى الفئات الهشة التي يعمل أفرادها بشكل عشوائي ومن دون حماية اجتماعية.
قطاع السياحة الأكثر تضرراً من الجائحة
ويرى برايدة أن قطاع السياحة يأتي على رأس القطاعات المتضررة، حيث عرف خسائر ملحوظة وسريعة، إذ تم إلغاء حوالى 11.6 مليون ليلة مبيت، لما يناهز 6 ملايين سائح أجنبي، ما عمق أزمة هذا القطاع الذي قد يخسر ما يناهز 138 مليار درهم مابين 2020 و 2022، حسب الفدرالية الوطنية للسياحة، التي دقت ناقوس الخطر حول أسطول النقل السياحي.
يليه قطاع الصناعة بصفة عامة، وقطاع السيارات على وجه الخصوص، الذي عرف انكماشاً واضحاً في حجم الصادرات خصوصاً بالنسبة إلى العملاق Renault، ما يهدد بشكل كبير رؤية "مليون سيارة في أفق 2022"، الشيء الذي قد يؤثر سلباً على الميزان التجاري المغربي، بخاصة إذا علمنا أنه في سنة 2019، بلغ حجم الصادرات بالنسبة إلى قطاع السيارات، حوالى 27 في المئة من مجمل الصادرات المغربية، بما قيمته 7 مليارات يورو.
قطاع التجارة لم يسلم بدوره من تداعيات الجائحة، حيث عرف قطاع النقل تراجعاً كبيراً في حركة العربات، ما سبب خللاً مهولاً في السلسلة اللوجستيكية، وأثر بشكل كبير على حجم المبادلات التجارية التي تراجعت بنحو 20 في المئة أي حوالى 2.5 مليون طن ابتداء من شهر مارس 2020.
قطاعات انتعشت إبان الحجر الصحي
في الوقت الذي تأثرت فيه سلباً أغلب قطاعات الاقتصاد المغربي فإن قطاعات أخرى انتعشت بشكل ملحوظ إبان فترة الإغلاق الذي فرضته الحكومة المغربية أهمها قطاع التجارة الإلكترونية وخدمات "الأوف شورينغ" وقطاع النسيج بالنسبة إلى بعض المصانع.
وفتحت وطأة إيقاف الأنشطة الصناعية، وفي خضم ارتفاع الطلب المحلي والدولي على الكمامات حولت بعض المنشآت الصناعية المغربية نشاطها إلى صناعة الكمامات لتغطية المصاريف والتقليل من الأضرار وقد تم تسريع عجلة التصنيع لتبلغ ملايين الكمامات يومياً، ما مكّن المغرب من تغطية الطلب المحلي وتجاوز الاكتفاء الذاتي إلى التصدير لدول عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع إعلان إغلاق المطاعم ومحلات الأكلات السريعة ومحلات بيع الملابس التي تعرف ازدحاماً، ظهرت تجارة جديدة تعتمد على خدمة التوصيل إلى أبواب المنازل، وسرعان ما ظهر في شوارع المدن الكبرى كالدار البيضاء مئات الشباب على دراجاتهم النارية وفيها صناديق تحمل اسم شركة الإرسال أو التوصيل، خدمة أسهمت إلى حد ما في التقليل من تداعيات البطالة المفاجئة التي تعرض لها الشباب المغربي جراء تدابير الإغلاق.
كما ارتفع الأداء عن طريق البطاقات البنكية عبر الإنترنت في الأشهر الستة الأولى من عام 2020، حيث تجاوز 5 ملايين عملية أداء بواسطة بطاقات مصرفية أجنبية ومغربية على منصات ومواقع تجارية تابعة لمركز النقديات المغربي وقد قاربت قيمة هذه المعاملات 3 ملايين درهم.
قرارات استثنائية
أثناء الحجر الصحي وبالموازاة مع إجراءات الإغلاق سارعت الحكومة المغربية لاتخاذ عدة تدابير لضمان العيش الكريم للمتضررين من الإغلاق، وكذلك خروج اقتصاد البلاد بأقل الخسائر، وكانت أولى تلك التدابير إنشاء صندوق تضامني باسم كورونا، وقد تم توزيع مساعدات مالية تراوحت بين 80 و120 دولاراً للأسرة حسب عدد أفرادها.
ويقول نوفل الناصري عضو لجنة المالية والاقتصاد بالبرلمان والمتخصص الاقتصادي، إن الحكومة المغربية اتخذت عدة إجراءات اقتصادية اجتماعية لحماية القدرة الشرائية وضمان الكرامة للمواطن المغربي، حيث وصل الدعم المباشر لأكثر من 5.5 مليون أسرة مغربية 45 في المئة منها من سكان القرى، إضافة إلى دعم مالي مباشر لأكثر من مليون عامل مغربي يقدر بـ 200 دولار، وقد وصلت التكلفة الإجمالية لهذا الدعم المباشر 22 مليار درهم.
كما تم اتخاذ إجراءات سريعة لدعم المقاولات والمهن المتضررة. ويضيف نوفل أنها بدأت بتخفيف المستحقات الضريبية، فقد تم تعليق أداء المساهمات الاجتماعية وتأجيل سداد القروض البنكية وتأجيل وضع التصريحات الضريبية للشركات ذات رأس المال الأقل من 20 مليون درهم، وتخفيض سعر الفائدة الرئيس من 2.25 إلى 1.5 نقطة.
كما استفادت 77 ألف مقاولة من مبادرة "ضمان أوكسجين" بمبلغ وصل لـ 47 مليار درهم و قد تم ربط الاستفادة بالحفاظ على مناصب الشغل في حدود 80 في المئة.
كما تم وضع قروض من دون فائدة لصالح أكثر من 200 ألف مقاول ذاتي متضرر، ولتأمين احتياطه من العملة الصعبة سحب المغرب من خط الوقاية والسيولة
3 مليارات درهم قابلة للسداد على خمس سنوات.
إجراءات اقتصادية بعد تخفيف الحجر
ويتحدث فيصل عن إطلاق مشروع "انطلاقة" للشباب المقاول حيث استفاد منه عشرة آلاف مقاولة بمبلغ 1.6 مليار درهم منها 200 مقاولة في القرى، أما بالنسبة إلى الإنتاج الوطني فيقول، إنه تم تطبيق مبدأ الأفضلية الوطنية، فقد رفعت الرسوم على المواد الممكن تصنيعها في المغرب، وقد استبدل 18.6في المئة من الواردات بمنتجات محلية بمبلغ 32 مليار درهم.
الفلاحة طوق نجاة الاقتصاد المغربي
ويربط فيصل تعافي الاقتصاد المغربي بتعافي الاقتصاد العالمي، فقد توقع صندوق النقد الدولي نمواً بـ 5.2، إضافة إلى تعافي منطقة اليورو الشريك الاستراتيجي للمغرب.
هذه النظرة التفاؤلية ترجع إلى عدة بوادر أهمها، ارتفاع القيمة المضافة الفلاحية بزائد 18في المئة بفضل تسجيل محصول زراعي جيد من الحبوب تم توقعه بـ 98 مليون قنطار، إضافة إلى ارتفاع إنتاج الحمضيات والزيتون ورؤوس المواشي، بعد تساقطات مطرية مهمة عرفها المغرب ارتفعت بنسبة 66 في المئة عن العام الماضي.