العمل على إبقاء خطة العمل الشاملة المشتركة على قيد الحياة هو الهدف الذي انطلقت منه محادثات فيينا التي بدأت في أول أبريل (نيسان) الماضي. وكانت هناك عدة جولات من المناقشات تعمل على مقترحات حول كيفية حل القضايا المتعلقة بالعقوبات الأميركية والامتثال الإيراني وخلال أيام ستنطلق جولة جديدة من المحادثات. وتتسم ردود الفعل الإيرانية والأميركية والأوروبية بالتفاؤل الحذر. ويتحدث الجميع عن أن الطريق ما زال طويلاً أمام الاتفاق، وأن هناك تقدماً لكنه بطيء، ومع ذلك فهناك عدد من المؤشرات ترجح نجاح المحادثات، ولكن تأثيرها سيكون محدوداً.
وفي تصورنا، أن بعض التصريحات للمنخرطين فيها، إلى جانب بعض التحركات الأميركية والإسرائيلية، قد تساعدنا في فهم حدود ما تقدمه المحادثات الجارية، وما المتوقع إذا كتب لها النجاح وإعلان العودة الأميركية للاتفاق النووي، وذلك حتى يمكن للدول العربية الخليجية أن تحدد ما المطلوب، ويتحقق الاستقرار الإقليمي، مع حفظ توازن القوى القائم بينها وبين إيران.
بداية، فإن الهدف الرئيس لهذه المحادثات، هو التفاوض غير المباشر بين واشنطن وطهران، تمهيداً للعودة الأميركية للاتفاق، وبالتالي المحاور الرئيسة لها، هي رفع العقوبات الأميركية، وعودة إيران للامتثال لالتزاماتها به. وبناء على ما تم إلى الآن، أعلن كبير المفاوضين الإيرانيين أن العقوبات المفروضة على صناعة السيارات والموانئ والنفط والبنوك الإيرانية سترفع، ما يشير إلى أن هناك تقدماً يحدث بين الأطراف، ولكن واشنطن ما زالت تؤكد أن هناك الكثير للقيام به. قد تعني بهذا أن الكثير ما زال ينتظر الاتفاق الاقوى والأطول الذي وعدت به حلفاءها من الدول الخليجية وإسرائيل.
ترجيح بنجاح جولات محادثات فيينا
رغم التفاؤل الحذر بشأن نجاح المحادثات، وتصريح واشنطن بأن الطريق ما زال طويلاً، فإن هناك مؤشرات تدل على إصرار الطرفين، لا سيما الإيراني، على نجاح المحادثات وعودة واشنطن، ولم تقم طهران برد فعل على هجوم مفاعل نطنز الأخير الذي وقع أثناء المحادثات، ونسبته إلى إسرائيل، وبالتالي حرصت طهران على ألا تقوض سير المحادثات.
المؤشر الثاني، إعلان الولايات المتحدة انسحابها الكامل من أفغانستان، مما سيمنح فرصة لإيران لتمدد نفوذها لتملأ فراغ القوة الذي ستخلفه الولايات المتحدة، ومن ثم من غير المتصور ألا يكون ضمن محادثات فيينا أو بالقرب منها هناك تنسيق بين واشنطن وطهران بشأن ترتيبات ما بعد انسحاب الأولى من أفغانستان، وهو ما تنتظره الأخيرة ولن تقوم بتعطيله، لا سيما أنها تريد التنسيق والترتيبت الأمني مع واشنطن على غرار ما حدث عام 2001، في ظل إدارة الرئيس المتشدد أحمدي نجاد، وآخر الأسباب هو الضائقة الاقتصادية التي تجعل إيران متلهفة لرفع العقوبات.
مبادئ يجب أن تفصح عنها محادثات فيينا
هناك بعض النقاط غير الواضحة التي يجب الإعلان عنها حال تم التوافق بشأنها، منها استجابة الولايات المتحدة لطلبات يإيران بشأن تقديم تعويضات للعقوبات أو إزالة جميع العقوبات، بما في ذلك العقوبات طويلة الأمد التي ظلت سارية حتى بعد إتمام الاتفاق عام 2015؟ أيضاً قد ترغب إيران في الحصول على ضمانات بأن الولايات المتحدة لن تترك الصفقة مرة أخرى في ظل إدارة جديدة، وهو ضمان لا يستطيع بايدن تقديمه.
متطلبات تجنب مخاطر الصراع الإقليمي
إحياء الاتفاق النووي لن يغير سياسة إيران الخارجية بين عشية وضحاها، لكنه سيحد من برنامجها النووي، كما سيوفر منصة للمحادثات حول قيود إضافية على هذا البرنامج، والحد من صواريخها الباليستية ودعمها الوكلاء في المنطقة. لذا ستكون المحادثات التالية لمحادثات فيينا بشأن منظومة الصواريخ والملفات الإقليمية أكثر تعقيداً، فقد أظهرت إيران القليل من الرغبة في التفاوض بشأن قضايا إضافية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ربما تسهم نزعة السعودية للحوار والتهدئة مع إيران فى إتاحة الفرصة لمناقشة القضايا الإقليمية، وقد تبدى ذلك من خلال حديث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لذا قد يتيح الموقف السعودي خفض التصعيد من خلال تعزيز المشاورات بين إيران ودول الخليج، ومع ذلك ليس من الواضح ما إذا كان النظام الإيراني حريصاً على التوصل إلى اتفاق قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وهل لدى إدارة بايدن صيغة تتعلق بالاتفاق المستقبلى أم لا؟ فمن المحتمل أنه بعد العودة الأميركية إلى الاتفاقية ألا تمارس الضغط على إيران، ويفقد الملف النووي زخمه.
لذا حتى لو نجحت جولات محادثات فيينا وتوجت بإعلان العودة الأميركية للاتفاق، والتزام إيران به، فلن تعمل على تغيير سياسة إيران الإقليمية، التي سبق أن أشرنا في مقالات سابقة إلى أنها نتيجة تفاعل عوامل عدة منها كيف تنظر لمصالحها ومصادر التهديد لها وطموحها وتطلعاتها لما وراء الحدود. لكن على الأرجح تهدف المحادثات إلى تهدئة منحنى التوترات الذي وصل ذروته خلال ولاية دونالد ترمب. فإدارة بايدن تعمل على تهدئة وإدارة التوترات بالشرق الأوسط وليس حلها، لذا بدأت بالتوازي مع المف النووي بالملف اليمني. التأثير المحدود للنتائج المنتظرة يفسر التحركات الإسرائيلية الأخيرة.
ففي لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن رئيس الموساد يوسى كوهين، أكد له أنه ما زال الطريق طويلاً أمام الاتفاق. وتعي إسرائيل رغبة واشنطن في إتمام الاتفاق لذا تهدف التحركات الإسرائيلية إلى العمل على مرحلة ما بعد المحادثات. التي أشارت واشنطن إلى أنها ستشمل اتفاقاً أقوى وأطول، فقد أرسلت إسرائيل وفداً رفيع المستوى من مسؤولي المخابرات والدفاع إلى واشنطن، تم من خلاله الاتفاق بين الجانبين على تشكيل مجموعة عمل لمواجهة الطائرات الإيرانية من دون طيار والصواريخ، أي أنهما اتفقا على مجموعة عمل حول أنظمة الأسلحة الموجهة بدقة لإيران في لبنان وسوريا، لأن هذا يمثل أولوية قصوى لإسرائيل.
ولأن إسرائيل غير راغبة فى إحداث صدام مع واشنطن لذا، ستكون حريصة على أن يتم تحجيم القضايا الأخرى التي لن يتضمنها الاتفاق النووي، وأعلنت أنها ستظل تحافظ بهامش حركة للسيناريوهات المختلفة، على أن تحتفظ بحقها في إجراء مناقشة بشأن الاتفاق المستقبلي.
ولتجنب التوترات ولطمأنة الأطراف العربية، ولتقييد القدرات النووية لإيران، يجب تمديد مدة الاتفاقية، بما في ذلك خطوات مدتها خمس سنوات لفحص السلوك الإيراني، مع إمكانية تمديدها، وتقديم إجابات عن أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وشروط الإشراف، وهو ما طالب به وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير لصحيفة "عرب نيوز" في مقابلة بقوله، "نريد أن تكون لدينا آلية تفتيش أوسع وأعمق للتأكد من إمكانية فحص كل شيء في إيران".
وفيما يتعلق بسياسة إيران الإقليمية، فيجب العمل على ضمان سحب قوات إيران ومبعوثيها من سوريا، وتكثيف الجهود للحد من النفوذ الإيراني في العراق ولبنان، سواء في الخطوات المباشرة التي ستتخذها الإدارة نفسها أو من خلال تشجيع دول الخليج، بخاصة السعودية، على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع هاتين الدولتين، وهو ما تقوم به الأخيرة في علاقتها بالعراق خلال السنوات الأخيرة. أيضاً لا بد من تناول قضية التسليح، لا سيما وقد رفعت الأمم المتحدة حظر الأسلحة عن إيران منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2020، والأمر غير مرتبط بصفقات الأسلحة فقط، بل نقل الأسلحة إلى دول الصراعات العربية. كل ما سبق متطلبات يجب أن تناقشها الولايات المتحدة مع حلفائها في المنطقة، وبالتالي تضمن أن الاتفاق النووي كان مقدمة لتقييد وتغيير سلوك إيران، وليس مجرد إدارة نزاع من دون حل المشكلة الرئيسة.