على الرغم من محاولة المجلس الرئاسي الليبي التخفيف من حدة المخاوف إزاء تداعيات اقتحام مجموعة مسلحة لمقرّه في طرابلس، إلا أن ما حدث تسبب بقلق شعبي كبير من تكرار تجربة الأعوام الماضية لكل السلطات التي عملت في العاصمة، ووقوعها تحت تأثير ضغط الجماعات المسلحة التي فرضت غالباً إرادتها على القرار السياسي.
ودفعت هذه المخاوف شخصيات سياسية عدة إلى دعوة السلطات التنفيذية للخروج من طرابلس، هرباً من المأزق الذي وقعت فيه نظيراتها التي سبقتها في السلطة، والعمل في أجواء أكثر أمناً وأقل ضغطاً، بعيداً من ترهيب السلاح وسطوة حامليه.
وحذّر مراقبون من تداعيات الاحتقان المتزايد أخيراً بين وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش وتيارات سياسية وكيانات مسلحة في العاصمة، إثر تصريحات المنقوش بشأن الوجود الأجنبي في البلاد، التي شكّلت أحد أسباب اقتحام مقر المجلس الرئاسي للضغط لإقالتها من منصبها، احتجاجاً على ما قالته.
"الرئاسي" ينفي
من جهته، نفى مدير مكتب رئيس المجلس الرئاسي محمد المبروك، السبت 8 مايو (أيار) الحالي، الأنباء المتداولة عن قيام عناصر المجموعات المسلحة التي حاصرت مقر المجلس باختطافه والاعتداء عليه. وقال إن "هذا الخبر لا أساس له من الصحة".
وأوضح المبروك في مقطع فيديو أن "مجموعة تعترض على قرار معيّن أصدره المجلس، دخلت بالفعل إلى مقر الرئاسي أثناء وجودي فيه"، مشيراً إلى أن عناصر تلك المجموعة "كانوا غير مسلحين".
وصرّح أن "هذه المجموعة طلبت لقاء رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، الذي كان خارج المقر في ذلك الوقت، ما دفعه إلى الجلوس والنقاش معهم فترة طويلة على أمل حضوره".
وذكر أنه "سيُحدد موعد للقاء المنفي ممثلين عن هذه المجموعة خلال اليومين المقبلين"، مشدداً على عدم تعرّضه للاعتداء بالقول "أنفي ما خرجت به بعض وسائل الإعلام، فلم يكُن هناك خطف ولم يكُن هناك إطلاق نار ولم يتم الاعتداء على شخصي أو على المقر". وأضاف "الأمر ليس بهذه الصورة البشعة التي تم تصويرها في الإعلام".
أنباء متضاربة
وكانت وسائل إعلام ليبية تحدثت عن اقتحام قادة بعض المجموعات المسلحة، الجمعة (7 مايو)، مقر المجلس الرئاسي في العاصمة للمطالبة بإقالة وزيرة الخارجية والتراجع عن تعيين رئيس جهاز الاستخبارات حسين العايب والإبقاء على الرئيس السابق للجهاز عماد الطرابلسي.
وقال القائد الميداني في قوات "بركان الغضب" محمد بحر بعد الاقتحام إن "المجلس الرئاسي لحكومة الوحدة الوطنية بدأ يعمل ضدنا، ويرضخ لرغبات عدونا" في إشارة إلى قائد "الجيش الوطني" خليفة حفتر. وأضاف بحر في تصريحات للمركز الإعلامي لعملية "بركان الغضب"، "لن نسمح بعد الآن بالتهاون في قضية دمائنا وتضحيات شبابنا، ولن نسمح بالانصياع لعدونا وتلبية طلباته وقراراته، فلا يستوي مَن دافع عن طرابلس ومَن هجم عليها".
اجتماع قاد إلى الاقتحام
وكانت مقاطع فيديو تم تداولها بكثرة على الصفحات والحسابات الليبية في مواقع التواصل الاجتماعي قبل ساعات من اقتحام مقر المجلس الرئاسي، تُظهر اجتماعاً عقده بعض قادة الكتائب المسلحة في العاصمة، بالمقر الإداري لما يُعرف بـ"مصنع التبغ"، الذي يسيطر عليه عماد الطرابلسي، الذي أقاله المجلس الرئاسي من منصب رئيس الاستخبارات العامة قبلها بيوم واحد. وهاجم المجتمعون في كلمات لهم موقف وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، المطالِب بخروج كل القوات الأجنبية، بما في ذلك القوات المدعومة من تركيا. كما ندّدوا بتعيين اللواء حسين العايب رئيساً لجهاز الاستخبارات العامة.
واعتبر القيادي في قوات مدينة مصراتة محمد الحصان في كلمة مصورة له خلال الاجتماع نشرها المكتب الإعلامي لعملية "بركان الغضب" التابعة لرئاسة الأركان العامة في طرابلس، أن "حكومة الوحدة الوطنية رضخت لقائد الجيش خليفة حفتر". ودعا قائد الكتيبة "166"، إحدى أكبر الكتائب المسلحة في الغرب الليبي، قوات "بركان الغضب" لـ"التمرد على المجلس الرئاسي، بسبب استبعاد الحكومة لقادة العملية، وفرض شخصيات ليست فقط جدلية، بل متورطة في دعم العدوان على طرابلس". وقال إن "الحكومة ستسمع قريباً صوتنا الذي لم تلتفت إليه، وسترى على الأرض القوة التي حمت طرابلس وحمتها دافعت عنها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل يغادر "الرئاسي" العاصمة؟
وأعادت الأحداث التي أدت إلى اقتحام المجلس الرئاسي الليبي إلى الأذهان، أخرى مشابهة تكررت مع غالبية السلطات التي قادت البلاد منذ سقوط حكم معمر القذافي، ودفعت شخصيات بارزة إلى دعوة المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة للتوجه إلى مدينة سرت، للعمل في أجواء أكثر أمناً وتجنّب الضغوط التي عرقلت عمل حكومات عدة في العاصمة، خلال الأعوام العشرة الأخيرة.
واعتبر وكيل وزارة الخارجية الأسبق حسن الصغير، أن "رئيسَي الحكومة والمجلس الرئاسي أمام محك واختبار حقيقيَّين في تصميمهما وعزمهما على المضي في توحيد البلاد، بعد ما حدث في طرابلس". وتابع "يمكن للحكومة أن تمارس مهماتها من أي مدينة أخرى، إلا إذا كان رئيسا الحكومة والمجلس الرئاسي سيرضخان لابتزاز الميليشيات في طلباتها المخالفة للاتفاق السياسي وقرارات مجلس الأمن".
من جانبها، رأت عضوة ملتقى الحوار السياسي زهراء لنقي أن "مغادرة السلطات لطرابلس ليست الحل لما يحدث من اعتداءات عليها، بل عليها معالجة مشكلة المجموعات المسلحة في كل المدن الليبية". وأضافت أن "اقتحام المسلحين لمؤسسات الدولة وانتهاك سيادة القانون مشهد متكرر في كل أرجاء البلاد، ولن يُحَل بنقل مؤسسات الحكومة من مدينة إلى أخرى، لا سيما إذا كانت هي الأخرى تحت سطوة جماعات مسلحة أخرى".
واعتبرت لنقي أن "الحل هو معالجة شاملة جذرية لملف جمع السلاح وتفكيك الكتائب وإصلاح المؤسسة الأمنية بدعم دولي حقيقي".
واتفق عضو المؤتمر الوطني الأسبق عز الدين العوامي مع ما ذكرته لنقي، مطالباً بتحرّك محلي ودولي للتعامل بحزم مع المجموعات المسلحة في ليبيا، قائلاً إن "الظروف المحلية والدولية مناسبة للتعامل بحزم مع الميليشيات المسلحة"، ومشدداً على أن "المجاملة وعدم مواجهة تصرفات مشابهة سابقاً أفسدا عملنا أثناء المؤتمر الوطني".
تحميل مسؤوليات
في المقابل، حمّلت شخصيات سياسية في العاصمة المجلس الرئاسي والحكومة الموحدة، خصوصاً وزيرة الخارجية، مسؤولية الاحتقان الذي أدى إلى اقتحام مقر المجلس الرئاسي.
وانتقد الباحث السياسي صلاح الدين البكوش ما وصفه بـ "محاولات وزيرة الخارجية تعكير صفو علاقتنا مع تركيا".
وامتدت انتقادات البكوش لتشمل رئيس المجلس الرئاسي، قائلاً إنه "وفي الوقت الذي تحاول المنقوش تعكير صفو علاقتنا مع تركيا، يخرج علينا المنفي بقرار تعيين العائب، أحد المقربين من القذافي رئيساً لجهاز الاستخبارات الليبية. كنا نأمل بأن ينصفنا الحوار بشخصيات وطنية، إلا أن الواقع يقول إننا سلّمنا السلطة إلى حفتر على حين غرّة".