لا ينبغي إلقاء اللوم على كير ستارمر، لكونه قد أخذ نتيجة انتخابات هارتليبول الاستثنائية على محمل الجد. كانت خسارة هذه الدائرة الانتخابية، للمرة الأولى في عقود عدة، بالكاد مفاجئة، نظراً للأداء الجبار الذي قدمه في انتخابات 2019 حزب بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) الذي بات بشكل أساسي غير موجود حالياً، بيد أن حجم الخسارة كان صادماً.
فقد صوت ما يزيد على 50 في المئة من الناخبين لصالح حزب المحافظين، ما يعني أن على أولئك الذين يودون تحميل جيريمي كوربين مسؤولية الهزيمة الفظيعة في انتخابات 2019 أن يفسروا لماذا يبدو أن الحزب قد تراجع، في 18 شهراً، ليصبح في موقع متخلف أكثر مما كان عليه، وذلك في بلدة ليس لديه سوى فرصة ضئيلة جداً للانتصار في انتخابات عامة وتولي الحكم في البلاد من دون أن يفوز بها.
وحقيقة أن من الممكن إثبات أن كير ستارمر لم يحقق أي تقدم هي بطبيعة الحال كافية لإعادة إذكاء نار الحرب الداخلية في حزب العمال إلى الأبد. فجناح اليسار فيه الذي يبجل كوربين، يشعر بأن التطورات قد برأته كفريق سياسي. وهكذا، كانت استجابة كير ستارمر الأولى لنتيجة انتخابات هارتليبول هي إقالة نائبته أنغيلاً راينر من منصبها كرئيسة للحزب ومنسقة لحملاته الانتخابية.
قوبل تسريح راينر على الفور باحتجاجات تركزت على مدى منطقية إقالة امرأة من الطبقة العاملة في شمال البلاد، تتحدث بلكنة الطبقة العاملة الشمالية المميزة، مع أن المهمة المطروحة بشكل ملح حالياً هي استعادة تأييد بلدات الطبقة العاملة في الشمال. ويمكن القول إن من غير الضروري للإشارة إلى أن تلك البلدات الشمالية العمالية آنفة الذكر هي حالياً تتزاحم مع بعضها بعضاً في سباق على التصويت لصالح زعيم الحزب الحاكم وخريج مدرسة إيتون الأرستقراطية الشهيرة. وفي أعقاب الاحتجاج – وبعد يوم مليء بالتكهنات والتأخير - أعطيت راينر في نهاية المطاف وظيفة التصدي لمايكل غوف، بوصفها صارت تشغل منصب مستشار دوقة لانكستر (وزير) في وزارة الظل، بالإضافة إلى المهمة التي استحدثت أخيراً لمستقبل العمل.
وكانت هناك عمليات إقالة أخرى على الطريق. وبين الذين تمت إقالتهم أنيليز دودز وزيرة المالية في حكومة الظل، التي حلت محلها راتشيل ريفز. وهذا مربك بشكل خاص. فتعيين دودز قبل 18 شهراً اعتبر إجراءً ذكياً للغاية، بيد أنه كان ذكياً لأن إحدى مهمات ستارمر الأكثر أهمية تمثلت في المضي بحزب العمال إلى الأمام من دون إلقاء مشروع سلفه كوربين برمته من النافذة بشكل مفاجئ. ونظراً لأهمية السياسة الاقتصادية خلال جائحة كوفيد-19، لا ينبغي أن ينظر إلى وزير المالية في حكومة الظل وكأنه غير مؤثر. وستتولى دودز حالياً وظيفة راينر السابقة كرئيس للحزب، كما ستجري مراجعة للسياسات، في حين تمت إقالة نك بروان – الذي خدم في حكومتي بلير وبروان – فقد جرى استبداله كوزير في حكومة الظل مسؤول عن الانضباط الحزبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من حق زعيم حزب أن يعين ويقيل في أعقاب الإعلان عن نتائج انتخابية سيئة، فهذا ليس جريمة، لكن اعتبر أن توقيت قرار ستارمر الأولى – المتفجر إلى حد ما كالألعاب النارية - بإزاحة راينر من منصبها كرئيسة للحزب، في وقت متأخر من ليل السبت الماضي، قد أدى في الواقع إلى صرف الانتباه عن الانتصارات التي حققها كل من صادق خان في لندن وأندي بورنهام في مانشستر.
وفي الواقع، توضح هذه الانتصارات بشكل دقيق حجم التحدي الذي يواجهه حزب العمال، وكذلك الأهمية البالغة لنتيجة انتخابات هارتليبول. وحقيقة أن شخصاً مثل ستارمر يجب أن يمسك بمقاليد الأمور في الحزب ويمضي به إلى الوراء متراجعاً عن النقطة التي تركه فيها كوربين، ينبغي أن تؤدي إلى فتح العيون في حزب العمال ورؤية ما يجري بوضوح غير مسبوق. لقد أمضى الحزب عشر سنوات، أو قد يناقش البعض بأنه قضى عشرين سنة، عاجزاً عن تحقيق أي اختراق على الصعيد الديموغرافي الذي أخذت ظروفه تتغير بشكل يجعل الحزب في وضع ميؤوس، كمن يتلهى بلعبة شد الحبل على سطح سفينة علقت تحت خط الماء الذي أخذ يتسرب إليها ليضعها على شفير كارثة الغرق.
يجب أن تعطي نتيجة انتخابات هارتليبول ستارمر الشجاعة الكافية كي يرى مدى جسامة المشاكل التي يواجهها. إن الأمر ببساطة ليس مجرد تغير كبير طرأ على وضع حزب العمال لأنه بات حزباً حضرياً يحتضن أعضاءً من الطبقة المتوسطة. فبلدات الشمال حيث يعيش أبناء الطبقة العاملة، قد تغيرت هي الأخرى بالقدر الذي تغير فيه حزب العمال.
ويحتاج ستارمر إلى تقديم سبب واضح لهؤلاء الناس يجعلهم يصوتون لحزب العمال وليس للمحافظين. ومن الممكن القيام بذلك. تلقت هذه الشريحة الديموغرافية صدمة في العام 2017، وذلك حين كانت نتيجة أداء تيريزا ماي أسوأ مما كانت رئيسة الوزراء السابقة تتخيل. والسياسة الوحيدة التي لفتت الأنظار في ذلك الوقت، بعيداً عن قضية بريكست المتورمة والصاخبة، كانت خطة تقضي بجعل المتقاعدين المصابين بالخرف يدفعون تكلفة رعايتهم من قيمة البيت الذي يملكونه. وهي خطة لم تلقَ استحساناً بين الناس. ويدل هذا على أن هؤلاء الناس يستمعون، ومن ثم فإنهم قابلون للإقناع.
إن التحديات التي يواجهها حزب العمال هائلة، فهو ينافس حزب محافظين أظهر سلفاً شهية كبيرة للتدخل الاقتصادي، والتزاماً برفع المستوى من المرجح أن يكون حقيقياً. ومن الممكن القول إنه ليس من المستغرب أن حكومة المحافظين التي كانت تدفع رواتب 11 مليون شخص بصورة مباشرة لمدة تزيد على عام واحد، تحظى بقدر من الشعبية أكبر مما اعتقد كثيرون. لقد ارتكب بوريس جونسون أخطاء جسيمة في التعامل مع فيروس كورونا، لكن تم التقليل من أهمية الشعور العميق لدى الملايين تلو الملايين من الناس، وربما للمرة الأولى، فإن الحكومة مستعدة لدعمهم في هذا الأزمة.
وإذا استطاع المحافظون أن يوفوا حقاً بوعودهم بـ"رفع المستوى" في البلدات التي كانت تعتبر من معاقل حزب العمال، سيكون عندها من المرجح أن يجني جونسون ثمار ذلك في صناديق الاقتراع في الانتخابات المقبلة، لكن الوفاء بهذه الوعود سيكون بالفعل صعباً للغاية.
وهنا يكمن الأمل الحقيقي الوحيد لحزب العمال، أن يتمكن من سرقة ملابس المحافظين، حين يتضح أنهم غير قادرين على تسديد ثمنها.
في ذلك السياق، تعيين وإقالة عدد من أعضاء حكومة الظل، قبل الانتخابات التالية بثلاث سنوات، لن يحدث فرقاً كبيراً.
© The Independent