لقد بات رئيس الوزراء "يميل في كل اتجاه مثل عربة تسوق"، وهي العبارة التي استخدمها لوصف حالته عندما كان يفكر باتخاذ القرار بشأن البقاء أو الانسحاب من الاتحاد الأوروبي قبل بضعة أشهر من الاستفتاء.
قال في مؤتمره الصحافي السبت الماضي، إن الوقت قد حان "للضغط على المكابح" لإبقاء فيروس كورونا تحت السيطرة. ولربما تكون عربة التسوق الخاصة به مثل إحدى عربات الأمتعة ذات المكابح الموجودة في المطارات أو المحطات. فقد نبّهت العديد من عناوين الأخبار هذا الصباح بنبرة صاخبة إلى أنه بدأ "يدوس بقوة على المكابح،" في تعبير أكثر إثارة من التصحيح الحكيم للمسار الذي أراد رئيس الوزراء أن يوحي به.
لكنه في أحسن الأحوال بدا غير منسجم مع نفسه. فقد أكد السبت الفائت إعادة فرض القواعد ضد الاختلاط الاجتماعي في أجزاء من شمال غربي إنكلترا، وأخّر عودة حفلات الزفاف، كما أضاف أسماء جديدة إلى قائمة الأماكن التي يجب فيها ارتداء الكمامات. أما بالنسبة لعودة الأطفال إلى المدارس في غضون 10 أيام في اسكتلندا وشهر واحد في إنجلترا، فقد سعى إلى التخفيف من التأكيدات على حصولها، مكتفياً بالقول إن ذلك "أمر نهدف إلى تحقيقه".
في غضون ذلك، لا تزال إرشاداتُ حماية الفئات الأشد هشاشة غير سارية اليوم، بينما تتجه الحكومة إلى دعم الجميع بالمال كي يخرجوا إلى المطاعم، وهو أمر يبدو وكأنه يمثل الضغط على دواسة السرعة تزامناً مع الضغط على الفرامل.
إن بروز سياسة تفتقر إلى التنظيم والانسجام هو أمر حتمي، جزئياً، عند اتباع نصيحة العلماء. فقد اطّلع البروفيسور كريس ويتتي كبير المستشارين الطبيين على أحدث الأرقام وغيّر تقييمه للوضع. لذا ينبغي على الحكومة أن تتجاوب معه فوراً أو تشرح في إطار التحقيق العام المزمع إجراؤه لماذا لم تفعل ذلك.
ويشبه التحقيق العام فكرة العصور الوسطى عن يوم القيامة. إنه حقيقي، إذ أكّد رئيس الوزراء في مجلس العموم أنه سيحدث، وهو وشيك، مع أن أحداً لا يعرف متى سيحدث. لكن يتصرف كل واحد كما لو أنه في جلسة تحقيق مستمرة، ويجب تبرير أي تصرف في جو من الخصوصية كذاك الذي يسود في لحظات الجلوس على كرسي الاعتراف، وهو ما يُعرف بـ "تدوين الأشياء لاستخدامها في دفاعي لاحقاً".
هذا يعني أنه لا يوجد هناك وقت لإعداد الرأي العام للتغييرات المفاجئة في السياسة، فليس هناك متسع لـ"التلاعب" بقصد الترويج لإجراء أو سياسة بعينهما. ويضع ذلك منتقدي الحكومة، وبخاصة المعارضة الرسمية، في موقف حرج. فالعديد ممن اشتكوا من "فوضى" الإعلان في غضون ساعات بأن العائدين من عطلات في إسبانيا (وفرنسا) سيضطرون لعزل أنفسهم لمدة 14 يوماً، كانوا في الواقع يقولون إنهم يريدون من الحكومة تجاهل الأدلة والكذب عليهم بشأن خطر عودة هؤلاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان لافتاً مدى سرعة انتشار فكرة مفادها بأن وزير الصحة مات هانكوك أعلن عن الإجراءات الجديدة للشمال الغربي "على تويتر"، كما لو كان هناك خطأ ما في استخدام أسرع الوسائل وأكثرها فعالية لإبلاغ الأخبار. وفي الواقع، سجّل هانكوك أولاً إعلاناً بثه التلفزيون، ونقلته الإذاعات الرئيسية كلها.
واشتكى الناس في الحالتين، الحجر الصحي على العائدين من إسبانيا والإغلاق الجزئي في الشمالي الغربي، من الإعلان عن الإجراءات في الوقت غير المناسب: في ساعة متأخرة من الليل. إلا أن هذا هو الرأي العام نفسه الذي يطالب الساسة بالتصرف على اساس العلم وينتقدهم بلا هوادة إذا تأخروا في تنفيذ توصيات العلماء حتى لبضع ساعات من دون سبب وجيه.
ومن العجيب أن جونسون لا يزال يتمتع بهذه الشعبية، في الوقت الذي بدا فيه السبت الماضي وهو يُناقض نفسه بشكل واضح. وعلى رغم أن أسهمه الشخصية سلبية، إلا أنها ليست كارثية، إذ لا يزال 36 في المئة يوافقون على الطريقة التي يؤدّي بها وظيفته كرئيس للوزراء (مقابل 45 في المئة ممن يرفضونها). وهذا ليس سيئاً بالنسبة لزعيم في منتصف فترة ولايته وقد حوكم تعامله مع أزمة وطنية بقسوة شديدة.
ويحظى كير ستارمر بتصنيفات أفضل (إذ يتمتع أداؤه بقبول 44 في المئة، فيما يرفضه 22 في المئة ويقول كثيرون إنهم لا يوافقون "على أيهما"). وبينما يتساوى جونسون وستارمر في إجابات الناخبين حول من يفضّلون أن يكون في رئاسة الوزراء، يتقدم المحافظون على العمال لجهة نوايا الناخبين بالتصويت لمرشحي الأحزاب.
قد يكون الأمر مرتبطاً بإدراك الناس، إلى حد ما، أن جونسون يحاول أن يفعل ما يريدونه هم منه أن يفعل، حتى إذا بدا ذلك غير منظّم بعض الشيء، واضطر أحد معارفهم إلى إلغاء حفل زفاف بسبب ذلك.
ويبقى ستارمر عالقاً مع غالبية الرأي العام، الذي كان دائماً قلقاً بشأن تخفيف الحظر في وقت مبكر جداً. لذا فعندما يضغط رئيس الوزراء على المكابح، لا يبقى لحزب العمّال سوى التذمر من الإعلان عن التغييرات بطريقة خاطئة، ومن أن الدعم المخصص لدافعي الضرائب لم يشمل هذه المجموعة أو تلك ممن يعانون.
كما وجد ستارمر نفسه مضطراً لدعم جونسون وهانكوك، لأنهما اتخذا خطوةً احتياطية أساسية تمثلت باستشارة أندي بورنهام، محافظ مانشستر الكبرى العمالي الذي يدعم الإجراءات الجديدة.
بيد أن الجدل السياسي الكبير حول كيفية الخروج من الفجوة المالية التي خلّفها فيروس كورونا لم يبدأ بعد. وهذا قد يغيّر الرأي العام. وإلى ذلك الحين، قد يبدو جونسون مثل عربة تسوق بعجلة غير متوازنة، بيد أن ستارمر لا يستطيع تجاوزه.
© The Independent