كشفت "أسترازينيكا" AstraZeneca، الشركة المصنعة للقاح "أكسفورد- أسترازينيكا"، عن أن الأعداد المتوافرة لديها من المهندسين لا تسمح لها بأن تتشارك تقنيتها بالغة الأهمية الخاصة بلقاحها المضاد لـ"كوفيد-19" مع شركات عالمية أخرى، في وقت تواجه فيه شركات أدوية عملاقة أخرى ضغوطاً متزايدة للتنازل عن سيطرتها على إنتاج لقاحات "كورونا" المنقذة للحياة.
في غمرة النقص العالمي في إمدادات الجرعات التحصينية، وجه نشطاء في مجال الصحة نداء إلى شركات من قبيل "أسترازينيكا" البريطانية السويدية و"فايزر" Pfizer و"موديرنا" Moderna الأميركيتين، يحثونها فيه وغيرها من شركات مصنعة للقاحات "كورونا" على التنازل عن حقوق الملكية الفكرية Intellectual property (IP)، ونقل الخبرة في تصنيع تلك العقاقير إلى شركات أخرى قادرة على إنتاج أعداد كبيرة من الجرعات.
ومعلوم أن الأسواق الغربية قد ظفرت بالغالبية العظمى من لقاحات كورونا، فيما وزع أقل من 1 في المئة منها في بلدان منخفضة الدخل مع نهاية مارس (آذار) الماضي. وفي الشهر الماضي، حذرت "منظمة الصحة العالمية" من أن ثمة "حاجة ملحة في الفترة القريبة المقبلة إلى إطلاق إمدادات إضافية من لقاح كوفيد-19".
وقال نشطاء إن السبيل الوحيد للتصدي لمأزق إنتاج جرعات كافية حالياً، علماً بأن شركات عدة من بينها "أسترازينيكا" تواجه صعوبات جمة في الوفاء بالتزاماتها، يكمن في أن تتشارك الشركات المصنعة تكنولوجيا اللقاحات، بيد أن "أسترازينيكا"، التي لا تجني أرباحاً من مبيعات لقاحها، شددت على أنها لا تملك القوة العاملة التي تمكنها من "توجيه" و"تدريب" شركات أدوية أخرى نظيرة، إذ سبق أن أنشأت شبكة إمداد عالمية تضم أكثر من 20 شركة شريكة لها عبر 15 دولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال باسكال سوريوت، الرئيس التنفيذي لشركة الأدوية العملاقة "أسترازينيكا"، خلال جلسة أسئلة وأجوبة شاركت فيها الشركات المساهمة أخيراً، إنه "من المهم أن يعي الجميع أن تصنيع اللقاح عملية شديدة التعقيد".
"حتى لو سمحنا بالوصول إلى تكنولوجيا تصنيع اللقاح وقلنا للناس "إليكم الوصفة"، من المحال أن نتمكن من تدريب أولئك الأشخاص على تصنيع اللقاح لأن مهندسينا يعملون جاهدين مع شركائنا الحاليين"، وفق سوريوت.
وأضاف الرئيس التنفيذي، "يكمن الحل في زيادة الإنتاجية في المصانع الحالية، وليس إنشاء مصانع إضافية، إذ لا يتوفر لدينا مهندسون لتوجيه موظفين (آخرين) وتدريبهم."
ولكن تصريحات الشركة أثارت انتقادات نشطاء في مجالي الصحة وحقوق الإنسان. وقالت منظمة "غلوبال جاستس ناو" (العدالة العالمية الآن) Global Justice Now، التي تنظم حملات حول قضايا التجارة والرعاية الصحية والعدالة، إن الشركة "تختلق الأعذار لتواطئها في التوزيع العنصري للقاحات".
وأضحت هايدي تشاو، التي تشغل منصب مديرة قيم السياسات العليا في "غلوبال جاستس ناو"، أن "أسترازينيكا" رفضت طوال سنة تقريباً الانضمام إلى "تجمع الوصول إلى التكنولوجيا" Technology Access Pool (CTAP)، التابع لـ"منظمة الصحة العالمية"، الذي أنشئ في بداية الأمر بغرض تسهيل تشارك التكنولوجيا والمعرفة الخاصين بلقاحات كوفيد-19 وعلاجاته.
وقالت في هذا الصدد، "مرفوض تماماً القول إن "أسترازينيكا" عاجزة عن تشارك تكنولوجيا اللقاح الخاصة بها مع شركات أخرى بسبب النقص في المهندسين".
"لو أن "أسترازينيكا" قد تشاركت حقوق الملكية الفكرية من خلال الترخيص المفتوح (وليس الحصري) وأتاحت منذ البداية نقل التكنولوجيا (إلى شركات أخرى)، أو تعاونت مع "منظمة الصحة العالمية"، لربما كانت القدرة الإنتاجية العالمية قد ازدادت فعلاً الآن"، وفق تشاو.
"لهذا السبب تحديداً كان على الحكومات أن لا تعطي عدداً صغيراً من الشركات السيطرة الكاملة على اللقاحات الممولة من القطاع العام. تشكل تصريحات باسكال سوريوت دليلاً إضافياً على أنه ببساطة ليس ممكناً إنتاج الأعداد اللازمة من اللقاحات من خلال منح أي شركة واحدة دون غيرها احتكاراً للإنتاج".
على الرغم من أن "أسترازينيكا" و"غلاسكو سميث كلاين" GlaxoSmithKline البريطانية و"فايزر" و"جونسون أند جونسون"Johnson & Johnson الأميركية قد قالت جميعها إنها تدعم الجهود المبذولة لضمان التوزيع العادل للقاحات كوفيد-19 وعلاجاته، فقد شكك مديروها التنفيذيون سابقاً في مبدأ تجمعات الملكية الفكرية من قبيل "تجمع الوصول إلى التكنولوجيا".
في مايو (أيار) 2020، أبدى الدكتور ألبرت بورلا، الرئيس التنفيذي في "فايزر"، رأيه في التنازل عن حقوق الملكية الفكرية الخاصة باللقاحات فقال "أعتقد أنه كلام فارغ، وينطوي على خطورة أيضاً في هذا الوقت". أما باسكال سوريوت فذكر أن الملكية الفكرية بحاجة إلى الحماية من أجل تحفيز الشركات على الابتكار وتعزيز التقدم التكنولوجي".
بعد أن التزمت "أسترازينيكا" بإنتاج ما يصل إلى ثلاثة مليارات جرعة بحلول نهاية عام 2021، منحت "معهد سيروم" الهندي Serum Institute و"أس كي بيوساينس" SK Bioscience في كوريا الجنوبية رخصتين ثانويتين لمساعدتها في بلوغ هدفها الطموح.
بدورها، عقدت "فايزر" اتفاقيتين مع "سانوفي" Sanofi الفرنسية و"نوفارتس" Novartis السويسرية لتصنيع لقاحها، بينما أبرمت "جونسون أند جونسون" صفقة مماثلة مع شركة "ميرك" Merck.
على الرغم من ذلك، يسود اعتقاد بأنه في المستطاع بذل مجهود إضافي بغية توسيع نطاق سلسلة الإمدادات العالمية. وذكرت شركات أن مصانعها متوقفة عن العمل، وأنها ستتمكن من تعزيز الإنتاج العالمي من الجرعات في حال تسليمها المخططات الأولية للقاحات.
وفق وكالة "أسوشييتد برس"، ذكر مصنع "بيوفاك" Biovac في جنوب أفريقيا منذ أسابيع أنه يتفاوض مع شركة مصنعة لم يذكر اسمها من دون وجود عقد يبين ذلك. وفي الدنمارك، يمتلك مصنع "بافاريان نوردك" للتكنولوجيا الحيوية الكفاءة لتوفير ما يربو على 200 مليون جرعة والمقدرة على إنتاجها، ولكنه في انتظار أن يصله رد من شركة منتجة للقاح مرخص لفيروس كورونا.
وقد دعت منظمة الصحة العالمية نفسها الشركات المصنعة للقاحات إلى أن تتشارك تكنولوجياتها الخاصة بتصنيع الجرعات التحصينية في سبيل "تعزيز العرض العالمي بشكل كبير".
"أسترازينيكا" من جهتها دافعت عن موقفها وسط انتقادات متزايدة. فقال متحدث باسمها، إن "تصنيع اللقاح عملية معقدة جداً، وتسريع الإنتاج بالحجم والسرعة المطلوبين يستلزم شركاء في مختلف أنحاء العالم يتمتعون بقدرات تسمح لهم بتصنيع الجرعات مستخدمين أسلوبنا الصناعي المعياري المتبع، وذلك للتأكد من تطابق اللقاح وجودته".
يأتي ذلك في وقت تشير فيه استطلاعات رأي جديدة إلى أن سبعة من كل 10 أشخاص في كل دول "مجموعة السبع" يرغبون في أن تتدخل حكومات بلادهم وتمنع شركات الأدوية من احتكار لقاحات كوفيد-19.
وفق مسح أجراه عدد من شركات الاستطلاعات، من بينها الشركة البريطانية "يوغوف" YouGov، حظيت الدعوة إلى تدخل الحكومات بالدعم الأعلى في إيطاليا، حيث نالت تأييد 82 في المئة من المشاركين في المسح، تلتها كندا بموافقة 76 في المئة من المستطلعين.
في المملكة المتحدة، يعتقد نحو 74 في المئة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع، أنه ينبغي نقل تكنولوجيا اللقاحات بتراخيص مفتوحة من شركة مصنعة إلى أخرى. وفي الولايات المتحدة، علماً بأن الرئيس جو بايدن أعرب عن "أمله وتطلعه" إلى تشارك المعرفة الخاصة باللقاحات، نال هذا الإجراء تأييد 69 في المئة من المشاركين.
© The Independent