كان طبيعياً أن تجري أحداث القدس بهذه الصورة غير المسبوقة في ظل تصاعد المواجهات بين الأطراف المختلفة (الحكومة الإسرائيلية – السلطة الفلسطينية – سكان القدس – الأردن – حركة حماس) ، وفي خلفية الأحداث فصائل وتنظيمات فلسطينية تسعى إلى الاستثمار في ما يجري وركوب موجة الانتفاضة في ظل حالة الزخم الراهنة في القدس وما يجاورها، وكأن ما كان يجري طوال الأشهر الأخيرة في المدينة المقدسة أمر غير معلوم، لتأتي أحداث الانتخابات وما ارتبط بها من تطورات، تأجيلاً أو إلغاءً، لتفجر المشهد السياسي والأمني، وتفتح المشهد على سيناريوهات ومشاهد عدة، بخاصة مع إعلان منظمات استيطانية يهودية تُدعى "منظمات المعبد" عن اقتحام كبير للمسجد الأقصى. وتستهدف هذه الجماعات طرد المسلمين من الأقصى لأداء الصلوات التلمودية فيه، وصولاً إلى هدم المسجد وبناء الهيكل على أنقاضه. وسعت "منظمات المعبد" إلى حشد آلاف المستوطنين للمشاركة في هذا الاقتحام بحماية الشرطة الإسرائيلية.
وتصاعدت المواجهات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل على أثر تدهور الأوضاع في القدس واستمرار حالة الاشتباك اليومي، التي بدأت منذ أسبوعين نتيجة الممارسات الإسرائيلية في حيّ الشيخ جراح ومناطق التماس المجاوِرة في القدس، ما أدى إلى توتر دام أياماً عدة، قبل انفلات المشهد الأمني بين الجانبين واستمراره بصورة تنذر بمواجهات حقيقية ممتدة بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وإسرائيل.
مسارات التصعيد
ووصل الاشتباك بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل إلى ساحة مواجهة مختلفة، فللمرة الأولى في تاريخ المواجهات العسكرية بين القطاع وإسرائيل تصل إلى القدس وتل أبيب ومدن مثل أشدود وسيدريوت ومناطق عسكرية عدة. وعلى الرغم من عدم وقوع قتلى من الجانب الإسرائيلي أو الإعلان عن استهداف مواقع استراتيجية، إلا أن الرادع النفسي والوصول بالصواريخ إلى القدس يعني انفتاح المشهد العسكري على ساحة مواجهة جديدة بين الجانبين، فضلاً عن دخول أغلب الفصائل ساحة المواجهة، وعدم اقتصارها على "الجهاد الإسلامي" أو "حماس" فقط، في إطار التنسيق العسكري والإعلامي والسياسي، الكبير واللافت، في إدارة المواجهة التي لن تتوقف وقد تمتد إلى أيام عدة، في ظل حالة الاشتباك الراهن وارتباطه بشهر رمضان، ما يُكسِب المواجهة الراهنة بُعداً دينياً حقيقياً، بين الجانبين.
وفي ظل وجود حالة من الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن مبدأ التعامل مع ما يجري على المستوى السياسي واستمرار في التهدئة وعدم التصعيد، ومع التأكيد على سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الاستمرار في المواجهة والحرب على قطاع غزة لاعتبارات سياسية وحزبية، وهو ما قد يضع إسرائيل في مأزق أمني واستراتيجي، بحال استمرار إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية الكبرى ووصول الصواريخ إلى تل أبيب والقدس بشكل متزامن.
في المقابل، فإن التعامل الإسرائيلي على المستوى العسكري يميل نحو أن تل أبيب يجب أن تقوم بالمواجهة والتعامل مع حركة "حماس" عبر مواصلة ضرب مقراتها من دون تصعيد، واستئناف سياسة الاغتيالات أو دفعها إلى حافة الهاوية، الأمر الذي يؤكد فكرة الردع العسكري المسبق في ظل استمرار التهديد الأمني واستمرار إطلاق الصواريخ على منطقة "غلاف غزة"، ما قد يتطلب الدخول في مواجهة ولو لأيام عدة. كما يبدو واضحاً أن عملية "حراس الأسوار" (أغنية شهيرة في إسرائيل) هدفها رفع الروح المعنوية للجنود الإسرائيليين وحضّهم على المواجهة.
الوضع الفلسطيني
على الجهة المقابلة، تحاول السلطة الفلسطينية التأكيد على أنها وراء ما يجري وأن الشباب الفلسطيني يعمل انطلاقاً من شعوره بأن القدس مستبعَدة تماماً من المشهد السياسي الفلسطيني العام، وأنه تم إقصائها بالفعل من العملية الانتخابية. والصحيح أن سكان القدس وتحديداً قرى ومناطق "الترانسفير" التي حددتها حكومة نتنياهو، كانوا قد بدأوا بالخضوع لعملية ترحيل بناءً على تعليمات عليا من الحاكم العسكري، ومن السلطات المدنية في القدس، التي أحاطت الأمر بمخطط متكامل. وعلى الرغم من وجود دعاوى قضائية بشأن الترحيل إلا أن الأمر لم يُحسَم، وكانت السلطات القضائية تعيد النظر في قرارات "الترانسفير" وفق حسابات سياسية، وهو ما دفع سكان حي الشيخ جرّاح أكثر من مرة، إلى الخروج والتظاهر.
وسينطبق ذلك على العديد من القرى المستهدفة في القدس وضواحيها بخاصة تلك القريبة من المسجد الأقصى. ويضع مستوطنون يهود أيديهم على منازل في حي الشيخ جرّاح استناداً إلى أحكام قضائية بدعوى أن عائلات يهودية عاشت هناك وفرّت خلال حرب عام 1948 عند قيام دولة إسرائيل. ويُذكَر أن أكثر من 200 ألف مستوطن يعيشون في القدس الشرقية حيث يزيد تعداد الفلسطينيين على 300 ألف نسمة.
الدور الأردني
ليس هناك قوى تحريك أو دعم مباشر من السلطة الفلسطينية بالمعنى المعروف، فالمقدسيون يحظون بدعم من الأردن وفق مخطط "الاتفاق الثلاثي" الذي يضم إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن. وبمقتضاه فإن الأردن يتحرك ويقيم وجوده داخل القدس وما يجاورها، على اعتبار أن هذا الأمر مرتبط بأصول الحكم الهاشمي الذي يرى في الإشراف على المقدّسات أحد منطلقات الحكم والشرعية، وهو ما دفع الجانب الإسرائيلي إلى المزايدة ومناكفة الجانب الأردني بصورة دائمة. كما حدثت أزمة بين عمان وتل أبيب بسبب إلغاء زيارة ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبدالله الثاني إلى الأقصى، ولا تزال تداعياتها قائمة ولم تُسوَّ بين الطرفين.
كما تسعى السلطة الفلسطينية إلى التأكيد على الحضور الفلسطيني الرسمي في القدس، فوفق الخطاب الإعلامي والسياسي للرئيس محمود عباس، لا توجد انتخابات من دون القدس، وأن منع إسرائيل إجراء الانتخابات فيها، هو الذي ألغى الانتخابات رسمياً، على الرغم من أن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي قدما أفكاراً مهمة لإجراء الاستحقاق التشريعي، ولم تعارض إسرائيل خوفاً من نشوب حالة حراك شعبي في القدس، مما قد يؤدي إلى هز الاستقرار بالكامل. والحقيقة أن أزمة "حركة فتح" وانشقاقاتها والصراع على المواقع وترتيب الأولويات، إضافة إلى التخوف من نتائج الانتخابات، كلها عوامل دفعت القيادة الفلسطينية إلى إلغاء الانتخابات والتذرع بمسألة القدس.
السلطة و"حماس" والقدس
يأتي تقييم ما يجري فلسطينياً مرتبطاً برؤية طرفَي المعادلة الفلسطينية، فالسلطة تعمل على ربط ما يجري في القدس بالمدن الفلسطينية الأخرى التي لم تشهد أي حالة حراك شعبي حتى الآن. بالتالي فإن المشهد يشير إلى أن السلطة تسعى إلى تأكيد حضورها وإعادة تجديد شرعيتها انطلاقاً من القدس. ويدرك سكان القدس أن السلطة تخلت عنهم كثيراً، بخاصة مع عودة التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية، وهو ما يؤكد أن السلطة لا تزال تحترم عبر لجان الارتباط، التزاماتها تجاه إسرائيل، منعاً لحدوث عمليات عنف غير مسبوق ليس في القدس فقط، وإنما أيضاً في المدن الفلسطينية الأخرى، فهل ستستمر السلطة في مخططها أم توقف التنسيق الأمني الذي عاد بقوة مع تولي الرئيس الأميركي جو بايدن سدة الحكم في البيت الأبيض.
خيار "حماس"
من جهة أخرى، سعت حركة "حماس" إلى تسجيل حضورها السياسي والأمني عبر الدفع بخيار المقاومة والتلويح به في إطار ما يجري، فخرج محمد ضيف، رئيس أركان الحركة بخطاب "المقاومة والتعامل"، كما خرجت قيادات بثقل خالد مشعل للتأكيد على حضور القطاع في ما يجري. وتتالت تصريحات قادة "حماس" بصورة لافتة لتؤكد دعم القدس وسكانها في المواجهة. وكان طبيعياً أن تُطلَق "الصواريخ الرمزية" من القطاع على مناطق "غلاف غزة"، والهدف منها التأكيد على المواجهة الراهنة والمحتمَلة، وكرسالة دعم لسكان القدس. والحقيقة أن مناورات "حماس" يجب أن تُفهَم في سياقها السياسي والأمني، فهي كانت تريد خوض الانتخابات للفوز وإعادة تدوير دورها ومحاولة تعويم وجودها الرسمي، بخاصة أنها أجرت انتخابات داخلية وأعادت تمركز قياداتها في مواقعهم لإقناع الخارج بأنها تتحول تدريجياً إلى حزب سياسي و"حزب السلطة"، على الرغم من أن كل المؤشرات كانت تشير إلى أن شعبيتها متدنية وأن أغلب تقييمات واستطلاعات الرأي "غير صحيحة وملونة". كما أن أجهزة الأمن الفلسطينية التابعة للسلطة أكدت أن "حركة فتح" هي الأخرى أضعف من أن تفوز في الانتخابات المقبلة، كما أن "حماس" لم تكن ستكتسح الانتخابات التشريعية بخاصة في ظل تعقد الخريطة الانتخابية، ووصول القوائم المرشحة إلى 36 قائمة كاملة، ضمت شخصيات مستقلة تحظى بتقدير شعبي، وهو ما كان سيشكل قلقاً بالغاً لـ"حماس" و"فتح" معاً.
صواريخ "حماس"... رسائل سياسية ليس أكثر
وكان لافتاً أن الصواريخ الموجهة على إسرائيل لم تؤدِ إلى إصابات حقيقية ولم تستهدف مناطق استراتيجية، وكان يمكن أن تتم في ظل تزايد القدرات الصاروخية لحركتَي "حماس" و"الجهاد" وبعض الفصائل الأخرى غير المنضبطة. ومعنى ذلك أن "حماس" لم تسعَ إلى مواجهة شاملة أو حرب مفتوحة بل تريد نقل رسائل سياسية ليس أكثر والعودة إلى خيار التهدئة مجدداً، وعدم التصادم مع إسرائيل، بخاصة أن تثبيت الهدنة واستمرارها يظل هدفاً لها ولإسرائيل. ونُقل ذلك الجو إلى إسرائيل مجدداً عبر المبعوث الأممي إلى الشرق الأوسط تور وينسلاند، لذلك كان الرد الإسرائيلي باستهداف مواقع لـ"حماس" شكلياً، ولم يؤدِ إلى خسائر كبيرة، بالتالي فإن المواجهات الراهنة والمحتملة، محكومة بضوابط صارمة لم تخترقها "حماس" والتزمت بها الحكومة الإسرائيلية، ولم تسعَ إلى تغييرها، بخاصة أن المشهد في القدس وانتفاضة الشباب، يصلح ليكون منطلقاً حقيقياً للعمل والتواجد والتربح السياسي مع نقل رسائل للجميع في الإقليم. ويبدو أن مشهد التصعيد المنضبط مرتبط بموقف كل طرف، كما أنه منطلقاً لتحقيق مكاسب سياسية في الفترة المقبلة.
الموقف الإسرائيلي
من ناحية ثانية، يبدو الموقف الإسرائيلي مرتبطاً بما لم يُعلَن أصلاً بالنسبة إلى القدس، وما يحدث فيها على مرمى ومسمع السلطة الفلسطينية والأردن والدول العربية الأخرى. فقد بدأت إسرائيل منذ أشهر عدة، تكثيف تنفيذ مراحل "الخطة 2050" لتهويد القدس وإنهاء الوجود الفلسطيني المقدسي فيها بالكامل وهذه الخطة الاستراتيجية، ليست مجرد مشروعات سياحية أو تنموية، بل هي خطة كبيرة تستهدف إجراء عمليات تهويد و"ترانسفير" لعشرات من التجمعات الفلسطينية خارج القدس إلى مناطق أخرى وتغيير الملامح الديموغرافية بالكامل والعمل على إعادة توطين آلاف المستوطنين، وهو ما يفسر سبب دعم الحكومة الإسرائيلية مسار ما يجري والسماح للمستوطنين بالتمركز بجوار الأقصى مع الاستمرار في مخططات التنقيب والبحث عن "الهيكل" تحته.
بالتالي فإن الأمر ليس مرتبطاً فقط بمشروع ممتد، على غرار مخطط التهويد لعام 2020 أو عام 2050 وإنما أيضاً بدعم المخطط الإسرائيلي الطموح بإقامة "الهيكل"، وفقاً لمزاعم إسرائيلية معروفة والفرصة سانحة تماماً في القدس، حيث حالة الفراغ وتطويق الحكومة الإسرائيلية ومحاصرتها للتحرك الأردني النشط والداعم لصمود المقدسيين مع التلويح بتغيير ولاية العهد والإشراف من الجانب الأردني إلى أطراف أخرى.
ويستند المخطط الإسرائيلي الجديد 2050، إلى تغيير كامل لوضع المدينة بما في ذلك المقدسات الإسلامية، وعلى رأسها المسجد الأقصى، وذلك عبر فتح الطريق الموصل إلى حائط البراق، وبناء الحي اليهودي في المدينة القديمة وتنشيط الحياة في جبل المكبر وربطه بالقدس بواسطة مبانٍ سكنية، وبناء سور آخر حول القدس كجزء من عمل دفاعي، وتوطين 7 آلاف يهودي كدفعة أولى في المنشآت الجديدة. وتركزت عمليات البناء الاستيطانية أخيراً في محافظات القدس وسلفيت وبيت لحم والخليل ورام الله؛ فيما تم الاستيلاء على الكثير من الأراضي الخاصة بالمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، بحيث يتم الإعلان عنها كــ "أراضي دولة"، ومن ثم تحويلها لاحقاً لصالح الاستيطان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"مشروع الأب"
وفي هذا الإطار، أقرّ "مشروع القدس الكبرى"، وفي نطاق استهداف المقدسات الإسلامية، بتوسيع حدود بلدية القدس لتشمل المناطق الممتدة من مدينة رام الله شمالاً إلى بيت لحم جنوباً، وقد أُطلق على هذا المشروع اسم "مشروع الأب"، وهو يمثل الحزام الاستيطاني الثاني حول مدينة القدس، بعدما كان الحزام الأول اتضحت معالمه في الأحياء العشرة التي أُقيمت ضمن نطاق أمانة القدس لعام 1967 السابق الإشارة إليه سلفاً، بينما يضم الحزام الثالث 15 مستوطنة إضافية في محيط القدس الشرقية.
ومن أبرز الأهداف الإسرائيلية لعملية التهويد، التي نُفِذت بشأن القدس، تركيز أغلبية سكانية يهودية في المناطق المجاورة لها، بحيث تضفي على المدينة طابعاً يهودياً يستحيل معه البحث في مصير المدينة ومستقبلها في ظل أي تسوية أو مفاوضات سلمية محتملة خلال السنوات المقبلة.
كما تهدف خطة "القدس 2050" أيضاً إلى زيادة الاستثمار الخاص، وبناء طرق عالية الجودة للمواصلات، بما في ذلك خط سكك حديد، وشبكة شاملة من المواصلات ووسائل النقل العام، واستحداث طرق سريعة وتوسيع الطرق القائمة، وطرق فائقة السرعة تقطع إسرائيل من الشمال إلى الجنوب. وتقترح الخطة أيضاً إنشاء مطار في وادي هوركانيا، بين القدس والبحر الميت، لخدمة 35 مليون مسافر سنوياً. وسيرتبط هذا المطار بطرق وسكك حديد موصلة إلى القدس ومطار بن غوريون ومدن أخرى مجاورة.
وتسعى الخطة إلى جذب اليهود من شتى أنحاء العالم إلى القدس من خلال تطوير صناعتين متقدمتين: التعليم العالي والتكنولوجيا المتقدمة، ويرتبط تطوير صناعة التعليم العالي ارتباطاً وثيقاً بتطوير التكنولوجيا المتقدمة، والمعلومات البيولوجية، وصناعة التكنولوجيا البيولوجية، لذا تدعو الخطة إلى إنشاء جامعة للإدارة والتكنولوجيا في مركز مدينة القدس، وإلى مساعدات حكومية للبحث والتطوير في مجالات علمية وتقنية جديدة تخدم المجمّع الصناعي العسكري والشركات الإسرائيلية متعددة الجنسيات العاملة في مجالات متقدمة.
توظيف "ورقة" القدس
ويجد نتنياهو "فرصةً ذهبية" في توظيف ورقة القدس ولا خيارات محددة لديه، بل يعمل على نقل رسالة إلى المستوطنين الذين يتواجدون لإنشاء "الهيكل" على أنقاض "الأقصى"، بالتالي فإن جزءاً مما يجري مرتبط بما هو آتٍ من سيناريوهات، بخاصة أن المزايدات ستتم في سياقات متعددة وترتبط بموقف السلطة ورد فعلها وكذلك موقف "حماس" ودخول الأطراف المعنية على الخط.
ليست إذن المشكلة في "حي الشيخ جرّاح" وليست في مخطط "الترانسفير" الراهن وإنما في ما هو قادم، بخاصة أن إسرائيل ستعمل على تسريع معدلات الاستيطان في القدس لفرض سياسة الأمر الواقع.
في المقابل، سيستمر خروج الفلسطينيين في القدس لإثبات عروبة القدس، لكن الإشكالية الكبرى ستكون بالأساس كيفية التعامل مع حكومة نتنياهو، في ظل تمسك اليمين الإسرائيلي بتحقيق مكاسبه السياسية والاستراتيجية في الوقت الراهن.
ويبقى التأكيد على أن نتنياهو يتخوّف من تقارب محتمل بين السلطة الفلسطينية والبيت الأبيض، ويسعى إلى التسريع في فرض قواعد جديدة على الأرض، وربما يسعى إلى إشعال الموقف في القدس كي تمتد تداعياته إلى الضفة الغربية وقطاع غزة أيضاً.
إن عجز إسرائيل في حسم معركة "الشيخ جرّاح" وطرد سكانه الفلسطينيين من بيوتهم، كان وراء هذه الحرب ليغطي نتنياهو فشل حكومته أمام المستوطنين. وتحاول إسرائيل في "يوم توحيد القدس"، كما يسمونه، إلى فرض سيطرتها على المسجد الأقصى بالقوة لتغير الواقع هناك، وتقسيمه زمانياً ومكانياً.
كيف يمكن أن تنتهي أزمة حي الشيخ جراح؟
سيكون أمام الجانبين الفلسطينيَين (حماس والفصائل الفلسطينية) والحكومة الإسرائيلية، مسارات عدة، وذلك علي النحو التالي: المسار الأول: استمرار المواجهة المفتوحة. وسيأخذ هذا المسار بعض الوقت، ربما أياماً عدة لاختبار قدرات الردع الاستراتيجي للجانبين في ظل إطلاق عملية راهنة قد تمتد لبعض الوقت، إلى حين العودة إلى الوضع السابق الذي يريده الجانبان، وهو ما يؤكد أن هناك إجراءات قد تتم في القدس (تأجيل الحكم في قضية أراضي حي الشيخ جراح – سحب القوات الإسرائيلية من باحات المسجد الأقصى – إخلاء المناطق حيث يتمركز المستوطنون) ما قد يهدئ الأمر. وهذا السيناريو أشبه بسيناريو أزمة وضع الكاميرات السابقة في "الأقصى"، بعد أن تكون بعض الوساطات قد تمت ودخل على الخط الجانبان المصري والقطري إضافة إلى الأردن والأمم المتحدة.
المسار الثاني: انتهاء الأزمة في حدودها الراهنة من دون الصدام السياسي والأمني المكلف، وبعد أن تكون العملية العسكرية التي تم إقرارها قد حققت أهدافها، لكن الإشكالية في عدم وجود رغبة من حركة "حماس" في الاستمرار والحشد، بخاصة أن المواجهات وإطلاق الصواريخ على تل أبيب والقدس للمرة الأولى في تاريخ المواجهات قد يكون له تأثيره المعنوي في تزايد شعبية الحركة في الأوساط الشعبية في الضفة الغربية وسيرفع من أسهمها في الشارع الفلسطيني، مقابل استمرار السلطة في التنسيق الأمني المفتوح مع الحكومة الإسرائيلية.