بعد ثلاثة أشهر من إعلان "تيسلا" أنها ستبدأ قبول العملة المشفرة "بيتكوين" في بيع سياراتها، عكست شركة صناعة السيارات الكهربائية مسارها فجأة عبر رسالة نُشرت على "تويتر" الأربعاء، قال فيها إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي للشركة، إنه "علق قبول بيتكوين بسبب القلق بشأن الطاقة التي تستهلكها أجهزة الكمبيوتر التي تقضي على الحسابات التي تدعم العملة".
لن تبيع "تيسلا" أي عملة "بيتكوين"
وكتب ماسك، "تعتبر العملات المشفرة فكرة جيدة على العديد من المستويات، ونعتقد أن لها مستقبلاً واعداً، لكن هذا لا يمكن أن يكون بتكلفة كبيرة على البيئة". وأضاف، "نحن قلقون بشأن الزيادة السريعة في استخدام الوقود الأحفوري لتعدين البيتكوين ومعاملاته، خصوصاً الفحم، الذي يحتوي على أسوأ انبعاثات من أي وقود آخر".
وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت "تيسلا" أنها اشترت ما قيمته 1.5 مليار دولار من "بيتكوين"، وأعلن ماسك خطة الشركة لقبول العملة. وباعت "تيسلا" لاحقاً نحو 300 مليون دولار من مقتنياتها من "بيتكوين"، وهي عائدات أدت إلى تبطين صافي أرباحها في الربع الأول من 2021.
وكتب ماسك الأربعاء، "لن تبيع تيسلا أي عملة بيتكوين، ونعتزم استخدامها في المعاملات بمجرد انتقال التعدين إلى طاقة أكثر استدامة"، في إشارة إلى العملية التي يجري من خلالها إنشاء "بيتكوين" جديد صديق للبيئة. وتسببت تغريدة ماسك في انخفاض سعر "بيتكوين" قليلاً بعد الإعلان، وفقاً لـ "كوينديسك".
وتخضع كمية الطاقة التي تستخدمها العملات الرقمية للتدقيق بشكل متزايد مع انفجار قيمة العملات المشفرة، في حين تشير بعض التقديرات إلى أن استخدام الطاقة للـ"بيتكوين" يفوق تلك التي تستخدمها الأرجنتين بأكملها.
وقال بيل غيتس في فبراير (شباط)، "تستخدم بيتكوين مزيداً من الكهرباء لكل معاملة أكثر من أي طريقة أخرى معروفة للبشرية، بالتالي فهي ليست شيئاً مناخياً رائعاً".
وذكر ماسك أيضاً أن تيسلا "تبحث في عملات رقمية أخرى" تستخدم جزءاً بسيطاً من الطاقة التي تستهلكها "بيتكوين".
وكان ماسك مروجاً لـ"دوغ كوين"، وهي عملة مشفرة بدأت كمزحة، لكنها انفجرت في قيمتها. في ظهوره على برنامج "سترداي نايت لايف" الأسبوع الماضي، وأشار ماسك إلى "دوغ كوين" بأنها "صخب"، مما تسبب في انخفاض سعر "دوغ كوين" بنحو الثلث ليلة عرض البرنامج.
هل الـ"بيتكوين" سيء على البيئة؟
وأصبح استهلاك الطاقة أحدث نقطة اشتعال للعملات المشفرة. وقال أحد المنتقدين للعملات المشفرة أليكس دي فيريس مؤسس "ديجي إيكونوميست"، إنه "لم يرَ أبداً أي شيء غير فعّال مثل البيتكوين".
على الجانب الآخر من النقاش، وجدت الأبحاث التي أجرتها "إيه آر كي لإدارة الاستثمار"، أن نظام "بيتكوين" البيئي يستهلك أقل من 10 في المئة من الطاقة المطلوبة للنظام المصرفي التقليدي. في حين أنه من الصحيح أن النظام المصرفي يخدم عدداً أكبر بكثير من الأشخاص، إلا أن العملة المشفرة لا تزال في مرحلة النضج، ومثل أي صناعة، فإن مرحلة البنية التحتية المبكرة مكثفة بشكل خاص.
وبحسب موقع "تيك كرانش" للتكنولوجيا، جمعت صناعة تعدين العملات المشفرة ما يقرب من 1.4 مليار دولار في فبراير (شباط) الماضي وحده، ودافع الموقع عن العملة المشفرة بالقول "ليست سيئة على البيئة بشكل غير عادي مقارنة بالجوانب الأخرى للحياة الحديثة في المجتمعات الصناعية".
ووفقاً لمؤشر استهلاك الـ"بيتكوين" للكهرباء بجامعة كامبريدج، من المتوقع أن يستهلك عمال مناجم الـ"بيتكوين" ما يقرب من 130 تيراواط/ ساعة من الطاقة (تيراواط يساوي 10 + 12 واط)، وهو ما يمثل 0.6 في المئة تقريباً من استهلاك الكهرباء العالمي، مما يضع اقتصاد الـ"بيتكوين" على قدم المساواة مع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لدولة صغيرة نامية مثل سريلانكا أو الأردن.
كما وجد باحثو كامبريدج أن الطاقة المتجددة تشكل 39 في المئة من إجمالي استهلاك الطاقة لعمال المناجم. لكن بيانات "كوين ميتريكس"، تشير إلى أن أكثر من مليون عنوان "بيتكوين" نشط يومياً، من بين ما يصل إلى 106 ملايين حساب نشط في العالم خلال العقد الماضي، كما هو منصوص عليه في بورصة "كريبتو دوت كوم".
في الوقت ذاته تعتمد العديد من شركات تعدين الـ"بيتكوين" على مصادر طاقة صديقة للبيئة، مثل الطاقة الكهرومائية والتقاط تسرب الغاز الطبيعي من حقول النفط، حيث قال توماس هيلر، رئيس العمليات في "كومباس" للتعدين، المخضرم في صناعة التعدين، إن مناجم الطاقة الكهرومائية في سيتشوان ويوننان "تحصل على كهرباء أرخص خلال موسم الأمطار". وأضاف أنهم "يواصلون استخدام الطاقة الكهرومائية طوال العام، على الرغم من أنها أقل ربحية خلال موسم الجفاف السنوي".
وفعلياً لا ينتج تعدين العملات المشفرة بطبيعته انبعاثات كربون إضافية، لأن أجهزة الكمبيوتر يمكنها استخدام الطاقة من أي مصدر. وفي عام 2019، أصدرت شركة الاستثمار في الأصول الرقمية "كوين شيرز" دراسة تقدر ما يصل إلى 73 في المئة من عمال مناجم الـ"بيتكوين" يستخدمون على الأقل بعض الطاقة المتجددة كجزء من إمدادات الطاقة، بما في ذلك الطاقة الكهرومائية من السدود الضخمة في الصين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هيمنة صينية
من حيث التوزيع الجغرافي، تشير بيانات كامبردج إلى أن عمليات تعدين الـ"بيتكوين" الصينية تمثل نحو 65 في المئة من صناعة التعدين الصينية. وفي بعض المناطق، مثل مقاطعة شينجيانغ الصينية، حيث يحرق عمال مناجم الـ"بيتكوين" الفحم لتوليد الكهرباء.
وقال تقرير لـ"تيك كرنش" نشر في مارس (آذار) الماضي، أن الهيمنة الصينية على تعدين العملات المشفرة تعزو إلى الدعم الحكومي لصناعة التعدين. فيما تقدم دول مثل الصين والنرويج إعانات تحفز عمال مناجم الـ"بيتكوين" على استخدام مصادر الطاقة الكهرومائية المحلية، يليهم عمال المناجم في روسيا وكازاخستان وماليزيا وإيران.
وفي 2020 دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى إنشاء استراتيجية وطنية لتعدين الـ"بيتكوين"، بهدف زيادة نفوذ النظام في طهران على النظام المالي على رغم العقوبات المصرفية التي تفرضها الولايات المتحدة.
وقالت إيما تود من شركة "أم أم أتش بلوك تشين"، "نظراً لارتفاع أسعار العملات المشفرة، يوجد الآن نقص عالمي في معدات تعدين البيتكوين"، مشيرة إلى أن النقص يرفع أسعار آلات التعدين. وأضافت "على سبيل المثال، آلة تعدين (بيتمين آنتماينر إس 9) التي كانت تكلف 35 دولاراً - 55 دولاراً في يوليو (تموز) 2020 في السوق الثانوية، اليوم بنحو 275 دولاراً - 300 دولار. وهذا يعني أن معظم، إن لم يكن كل، شركات التعدين التي تتطلع إلى شراء معدات جديدة أو ثانوية، تواجه جميعها نفس التحديات". لافتة إلى أنه "نتيجة للنقص العالمي في الرقائق، أصبح من شبه المؤكد أن معظم معدات التعدين الجديدة التي من المقرر طرحها في الأشهر القليلة المقبلة ستتأخر".