قيل لمئات الأطباء الذين عملوا في الخطوط الأمامية خلال جائحة كوفيد إنهم سيفقدون وظائفهم ضمن برنامج التدريب في هيئة خدمات الصحة الوطنية ابتداء من أغسطس (آب)، على الرغم من اعتماد الجهاز الصحي عليهم في التعامل مع قوائم الانتظار للعمليات الجراحية.
نحو 700 طبيب تخدير- كانوا يضطلعون بأدوار أساسية في رعاية المرضى الذين كانوا في حال حرجة ويعانون من أجل التنفس خلال ارتفاع الإصابات بكوفيد- أقصوا من برنامج تدريب هيئة خدمات الصحة الوطنية وهم عاجزون عن التقدم في مسيرتهم المهنية بسبب نقص الأماكن.
وعدد أحد الأطباء المبتدئين 40 وظيفة في البلاد كان يفكر في الانتقال إليها، لكن طلبه رد في كل مرة، على الرغم من أنه كان ضمن الثلث الأعلى للمرشحين على مستوى البلاد.
وقال لـ"اندبندنت" إن الأنباء أشبه "بصفعة" بعد العام الماضي وإنه شعر "بالخذلان" بعد أن بذل الكثير أثناء الجائحة.
وفي ظل نقص أماكن التدريب ووجود عدد قياسي من مقدمي الطلبات نتيجة لتغيير المناهج، وغياب فرص التدريب في الخارج بسبب الجائحة، يواجه 697 طبيباً، وهو عدد قياسي من الأطباء الذين أتموا جميعاً أربعة أعوام من التدريب بالفعل، صراعاً من أجل إيجاد وظائف لغير المتدربين في مستشفيات هيئة خدمات الصحة الوطنية.
ويرجح أن تكون رواتب هذه الوظائف، التي غالباً ما ترتبط بعقود أقدم، أقل بكثير، ولن تشكل جزءاً من برنامج التدريب التابع لهيئة خدمات الصحة الوطنية الذي سيخرج الجيل الجديد من الاستشاريين. قد يضطر الأطباء للانتظار حتى عام 2024 من أجل استئناف تدريبهم.
يحتمل أن يجني الطبيب المتدرب الذي يوقع عقد طبيب مبتدئ 50 ألف جنيه استرليني تقريباً، فيما يجني الطبيب الذي يعمل في مستشفى تابع للهيئة بالشروط القديمة أقل من 39 ألفاً.
وقالت الكلية الملكية لأطباء التخدير، إن عدد مواقع التدريب في هيئة خدمات الصحة الوطنية لا يتناسب وحجم الطلب، فيما يشكل وجود شواغر كثيرة في مناصب أطباء التخدير في الهيئة خطراً جدياً على سلامة المرضى. ودعت الحكومة وهيئة التعليم الصحي في إنجلترا (Health Education England) التي تمول مواقع التدريب، إلى زيادة الأعداد.
قدم ما مجموعه 1056 طبيباً طلبات لاستكمال تدريبهم كأطباء تخدير بعد مضي الأربع سنوات الأولية لهم مع هيئة خدمات الصحة الوطنية. لكن بسبب توافر 359 منصباً فقط، لم يوفق 697 شخصاً في طلباتهم. قد يتسنى للبعض أن يجدوا مكاناً قبل أغسطس (آب) في حال رفض أطباء آخرون العروض لكن الأغلبية لن يحصلوا على مكان كما أن عدد الأمكنة محدد.
قال أحد الأطباء المتضررين لـ"اندبندنت" إن العام الماضي كان "شديداً، مثل ساحات الحرب"، مضيفاً أن "أشهراً طويلة من التدريب سلبت مني. كان ينبغي لنا أن نقوم بالعمل، لكن هيئة خدمات الصحة الوطنية طلبت منا أن نفعل ذلك أيضاً، والآن تقول لنا "شكراً جزيلاً، لن يتسنى لك الحصول على وظيفة". كأنها صفعة حقيقية".
وقال الطبيب الذي عمل في معظم مستشفيات لندن خلال مدة ارتفاع الإصابات بكوفيد، إنه عمل من دون الإشراف الاعتيادي، وفق مناوبات عمل صعبة ليلاً ونهاراً شوشت ساعته البيولوجية وجعلته غير قادر على النوم كما يجب.
"أذكر أوقاتاً اضطررت فيها للبدء بالعمل واتخاذ قرارات حاسمة بعد ساعة نوم واحدة".
وحذر الطبيب من أن العديد من زملائه قد يستقيلون بسبب الطريقة التي عوملوا بها "أشعر بأنه لا يمكنهم الاستمرار بالأخذ منا. لقد خسرت كل ذلك الوقت في التدريب، وأشهراً طويلة من المراجعة، ولن أستعيدها أبداً؛ كما أن زوجتي لن تستعيدها. سلبت أفضل سنوات حياتنا منا وأشعر بأنهم لم يلتزموا بجانبهم من الصفقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"أحب عملي، لكنني أشعر بأن الهيئات التي تحكمنا وتدعمنا كمتدربين تبذل ما في وسعها لكي تقضي على هذا الحب عبر وضعنا في مواقف كهذه".
وقد أدت الجائحة إضافة إلى نقص أماكن التدريب، إلى عجز الأطباء عن مغادرة المملكة المتحدة من أجل العمل في بلدان مثل أستراليا قبل تقديم طلباتهم من أجل التدريب المتقدم.
كما أن الكلية الملكية لأطباء التخدير سوف تضيف، ابتداء من العام المقبل، سنة أخرى على التدريب قبل موعد بدء التدريب المتقدم للمسجلين بالتخصص- مما فاقم الاختناق هذا العام مع محاولة الأطباء تفادي التغيير.
وقال الدكتور هيلغي جوهانسن، من الكلية الملكية لأطباء التخدير، إن عدد الأطباء الذين يتدربون غير كاف لتلبية احتياجات هيئة خدمات الصحة الوطنية.
"إن هؤلاء الأشخاص قد مروا أساساً بجولة توظيف شديدة التنافسية ورفضهم في الجولة الثانية سوف يدمرهم نفسياً، لا سيما خلال سنة اختل تدريبهم فيها كثيراً بسبب كوفيد".
"بعض الأطباء عملوا في الصفوف الأمامية في الحرب على فيروس كورونا. وقد يحبط هذا الأمر من عزيمة المتدربين، فلا يعودون يرغبون في متابعة مسيرتهم المهنية في تخصص التخدير وهذه مأساة كبيرة".
وأضاف الدكتور جوهانسون أن مستشفيات البلاد أسست مناصبها الخاصة لغير المتدربين "من أجل ضمان سلامة التوظيف والراحة الكافية وبقاء المناوبات قانونية".
"إن عدد أطباء التخدير الذين يتدربون لا يرقى إلى مستوى الحاجة في الوقت الحالي ولا في المستقبل القريب طبعاً، فيما نحاول إعادة تعزيز قدرات إجراء العمليات الاختيارية من أجل توفير الخدمات الجراحية والتخديرية التي يحتاجها الشعب".
في آخر إحصاء للقوى العاملة، وجدت الكلية الملكية لأطباء التخدير أن 90 في المئة من الأقسام الطبية في إنجلترا لديها موقع استشاري واحد شاغر على الأقل، وهو ما يساوي 1410 أطباء تخدير أو مليون عملية جراحية سنوياً قد تؤجل.
تضم لوائح الانتظار لتلقي علاج روتيني في المستشفى الآن عدداً قياسياً من المرضى يبلغ 4.7 مليون شخص، ينتظر أكثر من 350 ألفاً منهم منذ أكثر من عام كامل.
وأضاف الدكتور جوهانسون: "أجرت الكلية الملكية لأطباء التخدير حوارات صريحة ومفتوحة مع هيئة التعليم الصحي في إنجلترا والحكومة بشأن القوى العاملة لعدة سنوات، لكن من الواضح أنه يجب أن تستمر هذه الحوارات وتتكثف من أجل إدارة إمداد خدمات التخدير بفعالية خلال السنوات المقبلة".
"تعرضت هيئة خدمات الصحة الوطنية لضغط هائل من حيث التمويل، ووضع جزء كبير من الضغط على التعليم والتدريب، وهو نقطة حيوية من أجل استمرار تخريج الأطباء. وتشكل محاولة تخفيف الكلفة في مجال التعليم والتدريب استراتيجية فيها الكثير من قصر النظر وهي تصل إلى نقطة تستدعي التدخل الآن".
بسبب النقص في أطباء التخدير، اختارت العديد من المستشفيات أن تمول مناصبها الخاصة لغير المتدربين حرصاً على ملء الشواغر والحفاظ على سلامة المرضى. تمول هيئة التعليم الصحي في إنجلترا معظم أماكن التدريب لكن ميزانيتها على حالها منذ عام 2015.
وتظهر بيانات الهيئة أنها قلصت عدد مناصب التدريب المتقدم في مجال التخدير من 315 في عام 2017 إلى 256 هذا العام. أما في طب العناية الفائق، فقد تقلصت المناصب من 139 إلى 171 خلال الفترة نفسها.
وقالت البروفيسورة ويندي رايد، المديرة الطبية في هيئة التعليم الصحي في إنجلترا إن رقم 697 هو "افتراض" مع أن العدد النهائي للأماكن المتاحة لن يتغير.
"إن عدد المواقع الشاغرة يتناسب مع الوضع السائد في السنوات السابقة وفي هذه المرحلة من التدريب، هناك دائماً أولئك الذين ليس لديهم مناصب بعد. نعترف بأن هذا العام كان مختلفاً، ولهذا السبب نقدم الدعم قدر الإمكان للمتدربين لكي يجدوا الأدوار المناسبة في كل المهن، بما في ذلك طرح جولات تدريب إضافية وزيادة المرونة بالنسبة لمقدمي الطلبات".
© The Independent