تترايد الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي بشأن العنف المشتعل بين إسرائيل والفلسطينيين، الذي تطور في الأيام الأخيرة الماضية مع تبادل تل أبيب وحركة "حماس"، التي تسيطر على قطاع غزة وابلاً من الصواريخ. فبين دعم إسرائيل في حقها بالدفاع عن نفسها ونظيره من الفلسطينيين الذين واجهوا محاولات إسرائيلية لإخلائهم قسرياً من منازلهم بدعوى ملكية الأرض قبل 140 عاماً ليهود، ينقسم أعضاء الحزب الديمقراطي بين تيار اعتاد الدفاع عن إسرائيل وتيار يساري صاعد بقوة ينحاز للفلسطينيين.
وبحسب وسائل إعلام أميركية، الأحد، فإن الديمقراطيين يتجهون لصدام كبير بشأن علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل، وسط تصعيد كبير للعنف في الأيام الأخيرة، مما فرض ضغوطاً على الرئيس الأميركي جو بايدن للتشدد في التعامل مع تل أبيب التي تواصل قصف قطاع غزة بلا هوادة. وفي حين أعرب الموقف الرسمي للبيت الأبيض عن دعم الحكومة الإسرائيلية في حق الدفاع عن نفسها في مواجهة الهجمات الصاروخية لحركة "حماس"، مع الدعوة إلى التهدئة، فإن مجموعة من الحزب الديمقراطي أبدت تعاطفاً أكبر مع الفلسطينيين.
تيار صاعد
وقالت مجلة "بوليتيكو" إن احتمالية الإخلاء القسري للفلسطينيين في القدس الشرقية وحملة الصواريخ المستمرة ضد إسرائيل، كشفت عن الديناميكية السياسية الشائكة التي تواجه الديمقراطيين في الكونغرس، حيث بدأ المزيد من القادة التساؤل بشأن الدعم المتواصل من الحزبين لإسرائيل. وفي حين لم يتخلّوا عن العلاقات القوية تاريخياً معها، فإن الديمقراطيين لم يترددوا، هذا الأسبوع، في دعواتهم لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد العدوان على الفلسطينيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال جيريمي بن عامي، رئيس منظمة "جيه ستريت"، وهي مجموعة مناصرة تأسست كصوت تقدمي يدعو للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، "هناك أرضية ناشئة قوية جداً في الحزب الديمقراطي تريد رؤية سياسة أميركية متوازنة؛ تعترف بكل من حاجات إسرائيل الأمنية وحقوقها عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن نفسها ضد الصواريخ والإرهاب، ولكنها تدرك أيضاً أن ذلك لن ينتهي أبداً ما لم يحصل الفلسطينيون على حقوقهم وحرياتهم"، مضيفاً أن "الأمر أصبح يقع في مركز الجدل داخل الحزب الديمقراطي".
وفي تقرير سابق، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إن إسرائيل تحتفظ بعدد واسع من المدافعين الأقوياء في القيادة الديمقراطية، بما في ذلك زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ تشارلز شومر، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس روبرت مينينديز، وزعيم الغالبية في مجلس النواب ستيني إتش هوير، الذين أكدوا جميعاً حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، إلا أن هناك في الوقت ذاته جيلاً جديداً من المشرعين الشباب المستعدين لتحدي عقيدة الحزب المؤيدة للأخيرة، الذين سعوا للضغط على إدارة بايدن وقادة الكونغرس.
وفي حين غرّد مينينديز على حسابه في موقع "تويتر"، الثلاثاء الماضي، قائلاً، إن "وابل الهجمات الصاروخية من حماس هو إرهاب، ولا ينبغي لأي دولة أن تتحمّل هذا النوع من التهديد ضد سكانها. هذه الأعمال تهدد سلامة وأمن الإسرائيليين والفلسطينيين". جاءت تغريدات النواب اللواتي ينتمين إلى التيار اليساري التقدمي في الحزب، وهنّ الفلسطينية الأصل رشيدة طليب وإلهان عمر وألكساندرا أوكاسيو كورتيز وآيان بريسلي، لتسليط الضوء على العدوان الإسرائيلي في الصراع، بطرق تتجاوز التصريحات الديمقراطية التقليدية التي تلقي اللوم على الجانبين.
وغرّدت أوكاسيو كورتيز، "القوات الإسرائيلية تجبر العائلات على ترك منازلها خلال رمضان وتنشر العنف"، كما أشار النائب مارك بوكان عبر "تويتر" إلى ضرورة إدانة عمليات الإخلاء غير القانونية للفلسطينيين.
وفي حين ندّد النائب في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب جمال بومان، بالهجمات الصاروخية التي تشنها "حماس"، انتقد عمليات إخلاء الفلسطينيين من حيّ الشيخ جراح والضربات الجوية الانتقامية. وقال في بيان إن "طرد العائلات بالعنف من منازلهم التي عاشوا فيها أجيالاً ليس عملاً من أعمال السلام. وإظهار القوة الشديدة أثناء الصلاة، وتدمير الأماكن المقدسة (كنيس يهودي)، والغارات الجوية التي تشنها الحكومة الإسرائيلية ليست أيضاً من أعمال السلام".
تغييرات ديموغرافية وسياسية
وأرجع مراقبون التغييرات في المواقف بين أعضاء الكونغرس بشأن الصراع إلى تحوّل أوسع بين الناخبين الديمقراطيين العاديين. وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" في مارس (آذار) الماضي أن 53 في المئة من الديمقراطيين يرون أن الولايات المتحدة يجب أن تمارس مزيداً من الضغط على إسرائيل لحل الصراع مع الفلسطينيين، مقارنة بـ43 في المئة عام 2018. وهو ما يعكس التغييرات الديموغرافية في أميركا وداخل الحزب الديمقراطي الذي تتشكّل قاعدته من المهاجرين والسود واللاتينيين.
لكن صحيفة "نيويورك تايمز" تقول، "بعدما تسبب اشتعال العنف في إسرائيل والأراضي الفلسطينية بإعادة القضية إلى واجهة السياسة الأميركية، ظهرت الانقسامات بين قيادة الحزب الديمقراطي والجناح الناشط إلى العلن. ففي حين تتعامل إدارة بايدن مع الصراع المتنامي باعتباره تحدياً دبلوماسياً شديد الحساسية يشمل حليفاً قديماً، فإن اليسار الصاعد ينظر إليه على أنه قضية عرقية عادلة تتشابك بشدة مع سياسات الولايات المتحدة". وتضيف، "بالنسبة إلى هؤلاء السياسيين (النشطاء)، ترتبط الحقوق الفلسطينية والصراع المستمر منذ عقود على الأراضي في الشرق الأوسط بأمور مثل وحشية الشرطة وظروف المهاجرين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك".
وينشر أولئك السياسيون الذين يناضلون من أجل العدالة العرقية رسائل ضد "احتلال فلسطين" باستخدام هاشتاغ "حياة الفلسطينيين تهم" الذي يشبه شعار "حياة السود تهم". وألقت هذه المجموعة من الأعضاء التقدميين البارزين، خطابات نارية في قاعة مجلس النواب، الخميس، اتهمت بايدن بتجاهل محنة الفلسطينيين.
والجمعة، أصدر ما يقرب من 150 منظمة ليبرالية بارزة بياناً مشتركاً دعا إلى "التضامن مع السكان الفلسطينيين" وإدانة "عنف الدولة الإسرائيلية" و"التفوّق العرقي" في القدس. ومن بين المجموعات التي وقّعت على البيان، جماعات مكرّسة لقضايا مثل تغيّر المناخ والهجرة والنسوية والعدالة العرقية، وهي علامة على أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني انتقل بالنسبة إلى الفصيل الليبرالي، إلى ما هو أبعد من السياسة الخارجية.
قلق وانقسام
وفي سياق ذي صلة، أعرب بعض المانحين للحزب الديمقراطي عن قلقهم بشأن الأصوات الجديدة الصاعدة داخل الحزب. ونقلت "نيويورك تايمز" عن حاييم سابان، أحد كبار المانحين الديمقراطيين، قوله "أنا ديمقراطي، ولسوء الحظ هناك جناح يساري متطرف في الحزب يمكنه تعلّم ما هو في مصلحتنا الأميركية"، وأضاف، "بالنسبة إلى إسرائيل، يجب ألا يكون هناك جدال. إنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة وأوثق حليف لنا في المنطقة".
حالة الانقسام داخل الحزب الديمقراطي تتوسع إلى اليهود الأميركيين أنفسهم، الذين تصفهم الصحافة الأميركية بأنهم "مجموعة ديمقراطية وعلمانية في الغالب". ويرى جيل أكبر أن إسرائيل شريان حياة أساسي وسط تزايد معاداة السامية في العالم، بينما يكافح الناخبون الشباب للتوفيق بين السياسات اليمينية للحكومة الإسرائيلية وقيمهم الليبرالية. وأظهر استطلاع نشره مركز "بيو" للأبحاث، الأسبوع الماضي، أن ثلثي اليهود الأميركيين الذين يبلغون من العمر 65 سنة أو أكبر وصفوا أنفسهم بأنهم مرتبطون عاطفياً بإسرائيل، مقارنة بـ48 في المئة من البالغين اليهود الذين تقلّ أعمارهم عن 30 سنة.
ويقول عدد من التقدميين اليهود إن انتقادهم يأتي من منطلق الحب والمثالية، ويجادلون بأنه من الحكمة للحكومتين الإسرائيلية والأميركية إلغاء بعض اللغة الحزبية وتجاوز (الخيار الخاطئ) بأن تكون إما مؤيدة لإسرائيل أو للفلسطينيين.
وقال الحاخام شارون بروس، زعيم كنيس "إكار IKAR" التقدمي في لوس أنجليس، "ما يرغب به معظم اليهود الأميركيين هو رؤية الإسرائيليين والفلسطينيين يعيشون بكرامة، في مجتمع عادل ومنصف"، مضيفاً أنه "من الضروري أن ندعم طريقاً ثالثاً، ونعترف بصدمة الأجيال ومعاناة الشعبين وخلق مستقبل عادل ومشترك للجميع".